أيام حاسمة – عماد جانبيه

الجمعة, 25 أكتوبر 2019, 13:50

رادار نيوز – من انتصر في داخل نفسه انتصر في حياته ومجتمعه، ومن انهزم نفسياً انهزم في الواقع العملي، وهنا تبرز أهمية المعنويات التي تربى اللبناني عليها للتغلب على الصعوبات وانتظار النتائج في المستقبل.

فرق كبير بين الآنين من الضعف والتهيئة لتوفير القوة، بين الإحباط استسلاماً للواقع وشحذ الهمة من أجل التغيير، بين البكاء على الأطلال واستشراف العوامل الإيجابية للنصر المستقبلي، بين الخضوع للظروف المحيطة والتمرّد عليها لرفضها مهما بلغت حجم التضحيات.

خرج أكثرية اللبنانيون عن كل الضوابط السابقة، فانتفضوا وتجمعوا دون تنظيم، في ثورة ضد الفقر والفساد بعيدا عن الطائفية والمذهبية والمناطقية. وفاجأوا الطبقة السياسية بالتقدم عليها، بينما كانت هي مطمئنة، ان الشعب نائم، وراضيٌ عمّا يفعلون. ولكن من خلال اشعال الدواليب وقطع الطرقات اللبنانية بالحجارة والعوائق الحديدية، ورمي حاويات النفايات، وما طالت أياديهم، تبّين بأن العنف الكامن في النفوس والغضب المُستتر، أكبر بكثير مما يتوقع البعض، وأنه قد يحطم هذا العنف الهيكل على الجميع، ما لم يسارعوا الى تهدئته وضبطه.

لم تعد تنفع الخطابات السياسية في ثني الشارع عن عزمه وعزيمته. أرادها ثورة حتى ولو أن شروطها لم تكتمل. الغضب واليأس سيدا الأحكام، حيال ما هو قائم، وأمل بأن التغيير وارد.

أرادت القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب التموضع مع الناس وتوجيه بوصلة الغضب بإتجاه رئاسة الجمهورية والحكومة وحزب الله.

لكن يبدو أن الزعيم الدرزي رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بدا أكثر إدراكا من رئيس القوات سمير جعجع لحجم خطر الانزلاق وأكثر حرصا على عدم خروج الأمور من ضوابطها، فانضم الى مشاورات التهدئة ودعم رئيس الحكومة سعد الحريري.

المتوقّع اذا ان تستمر القوات في رفع سقف التحدي وتشجيع الناس على النزول الى الشوارع، وهي في ذلك تلقى حتما دعما خارجيا عبر سفارات دول تناهض بشدة حزب الله. كما ان من مصلحة القوات اهتزاز العهد وضعفه، لاعتقادها بأن ذلك يضعف تماما حظوظ منافسها الاول وزير الخارجية جبران باسيل الى الرئاسة.

بدا واضحا من كلام السيد حسن نصرالله باحتمال الانتشار في كل المناطق اللبنانية وقلب المعادلة، فالحزب لن يترك الشارع ليصل الى نقطة الخطر الفعلي على العهد والحزب أو ان يحدث فراغا باستقالة الحكومة.

لذلك نشطت اتصالات الحزب مباشرة بعد خطاب الحريري، وجرى بحث سلسلة من النقاط الهامة مع ممثلي الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري والتيار الوطني الحر والحزب الاشتراكي، على أمل الخروج بقرارات تهدئ الشارع.

ولقد أعلن رئيس الحكومة سلسلة من الاجراءات المهمة عنوانها الاول عدم المساس بجيوب الناس ووقف فرض أي ضرائب وصولا الى سلسلة من الوعود الحقيقية التي تلبي الكثير من مطالب الناس، على أن يصار الى التواصل مع ممثلي المتظاهرين والنقابات وغيرهم لتنفيذ الوعد والبحث في مخارج يقبلها الناس. واذا ما كان من الأفضل تغيير بعض الوزراء فهذا ممكن خصوصا بعد استقالة فريق القوات.

هذا الاحتمال وارد، لكن اذا فقد الحراك مبرراته بعد سلسلة الاجراءات التي ستعلنها الحكومة، يرى العهد وحزب الله أن ثمة انقلابا يُعد داخليا وبدعم خارجي على الطرفين، وأن الشارع يُستخدم لهذه الغاية.

هنا سنكون أمام شارعين متناقضين تماما. ما يجعل احتمال التصادم على الأرض قائما. كما يجعل احتمال تدهور الوضع الأمني ممكنا، ما سيؤدي الى تدخل الجيش والقوى الأمنية بعد اتفاق الأطراف السياسية الفاعلة والوازنة والتي لا تزال تملك شعبية واسعة جدا، لفض التظاهرات بالقوة بذريعة عدم السماح بالإخلال بالأمن الذي قد يهتز.

الأكيد أن ما قاله السيد نصرالله رسم خطوطا حمراء، من منطلق شعور الحزب وحلفائه بأن ثمة شيئا يُطبخ منذ فترة ضدهم ليلاقي العقوبات الأميركية ويمنع أي انتعاش لهذا الفريق بعد مشارفة الحرب السورية على نهايتها، وبعد قرار الفريق نفسه بالانفتاح الواسع على سوريا، وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية جبران باسيل بقوله انه ذاهب الى دمشق، وذلك في أعقاب اجتماع ٧ ساعات مع السيد نصرالله.

لذلك فان الحل المأمول، هو أن تكون الاجراءات الإصلاحية الحكومية جديدة وجذرية بحيث تُلبي مطالب المتظاهرين وتخفف الاحتقان، وأن يتجاوب معها الناس، أو يعطونها فرصة قبل النزول مجددا الى الشارع.

هذا يعني باختصار ان لبنان سيكون أمام أيام حاسمة، فإما الأمل أو الانفجار. لكن الأكيد ان المحور الذي يعتبر انه هزم إسرائيل وربح الحرب السورية عسكريا، ليس من النوع الذي سيترك فريقا يعتبره أضعف منه بكثير، يأخذ منه بالشارع ما عجز عنه بالسياسة والأمن.

وللبقية تتمة…

اترك تعليقاً

إضغط هنا

Latest from Blog

أم عبدالله الشمري تتحدث عن الشهرة والعائلة والتحديات في أولى حلقات “كتير Naturel”

استضاف برنامج “كتير Naturel” في حلقته الأولى، الذي يُعرض عبر تلفزيون عراق المستقبل من إعداد وتقديم الإعلامي حسين إدريس، خبيرة التاروت أم عبدالله الشمري. وتحدثت أم عبدالله بكل صراحة عن مسيرتها، الشهرة،

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop