رادار – ليلى الداهوك
هناك تفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا منذ فجر التاريخ، ويشكل هذا التفاعل جانباً من تقدم الإنسان خلال تطوره، العلمي الثقافي والاجتماعي، الذي كان للتكنولوجيا الدور الأساس فيه، وقد مرت قدرة الإنسان بأدوار مختلفة عملت على تغيير علاقاته بالأجهزة الاكترونية، بمافيها كاميرات الهواتف الذكية او غير ذلك…
أما وتحت الحاح التراكم المعرفي المتزايد يوماً بعد يوم، تناولنا ظاهرة السيلفي التي تكتسح العالم، وانتشرت بعد صورة السيلفي الشهيرة التي التقطتها إلين ديجينيريس في حفل توزيع الاوسكار السادس والثمانون مع أشهر نجوم هوليود والذي حاز على أعلى عدد لإعادة التغريد منذ إنطلاق الموقع (3 ملايين ريتويت) حيث قدرت تلك الصورة فيما بعد بمبلغ مليار.
اعتبرها البعض نوع من أنواع اللهو والتسلية، من بعد أن ساهمت الشبكات الإجتماعية في إنتشارها… والبعض الآخر رآها طريقة متقدمة وجديدة في التقاط الصور الفوتوغرافية دون الحاجة إلى مصور… واعتبرها علماء النفس انها ظاهرة، قد تحولت من حالة المرح والتسلية الى حالة مرضية نرجسية.
والمجتمع الروسي، الذي تعرّض لموجة من الأحداث الناجمة عن رواج صور السيلفي، التي أخذت احياناً في ظروف غامضة، وكانت سبباً لموت المئات، أجبر المعنيين، على إتخاذ التدابير الوقائية، وحملات التوعية للحث على توخي الحذر قبل التقاط صور السيلفي الذاتية بواسطة الهاتف الذكي..
ولقد عرضت السلطات المعنية، في المدارس والجامعات، دليل الأماكن التي يحظر فيها إلتقاط صور سيلفي، من خلال رسومات تشبه إشارات الطرق المرورية.
كما وأنشأت هذه السلطات موقعا إلكترونيا تعرض وتتلقى من خلاله إقتراحات وتجارب المواطنين، إضافة إلى رسومات حول المواقف التي تعرضوا لها. ورأى المسؤولون الروس أن المغالاة في إلتقاط صور السيلفي بدأت تنسي الناس كيفية التصرف وقت الخطر، وبات همهم الأول إلتقاط صورة ونشرها للحصول على أكبر عدد من المعجبين.
وفي هذا الإطار اخذنا آراء وكلمات البعض من الشخصيات الثقافية والاجتماعية والمعالجين النفسيين، وجمعيات للوقوف على سلبيات وايجابيات هذه الظاهرة.
ريتا عسل حاتم: فورة وماشية. منير مالطي: فن من فنون التصوير الذاتي. أسعد مكاري: من صرعات العصر بكرا بيطلع غيرا بتنطفي. حبيب خيرالله: أنا لا أحب السيلفي أعتبرها صورة مصطنعة. وليد عبد الصمد: إنها إحدى قشور الحضارة العالمية الجديدة والتي نتشدق بها كالعادة. فوزي رويسي: أراها ظاهرة للتخلص من صفة النكرة. محمود نجار: هي إغراء للآخر. سلوى النابلسي: لم أحبها الصور فيها تفتقد الجمال. نصر بادوان: من تصريفاتها سيلفش أي أناني أو حبيب نفسه، نسبة من النرجسية يضاف إليها بعضا من التقليد الأعمى أي موضة دارجة وهوس أحيانا فقد تعدت حدودها . فهدا الشدياق: قرأت دراسة تشير أن مهووس السيلفي مهووس ومريض نفسيا. صدام ضاحي: مجرد تقليد أعمى للغرب. عادل غزالي: هي التحكم بالصورة كما وكيفما نشاء وأينما نريد لذلك يحب الناس السيلفي.
اعتبر خبراء علم النفس أيضاً، ظاهرة السيلفي على انها اضطراباً عقلياً ونرجسية مفرطة، وهي من إحدى الوسائل الحديثة للتعبير عن النفس، حيث انقسمت الدراسات في وصفها، منها وصفتها بالإدمان المرضي يدعى سيلفي تيس. وأخرى وصفتها بالصورة الذاتية لفرد كان مرتاحا نفسياً، سعى إلى إلتقاط الصور من كافة الزوايا.
أما الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين ترى أن مرض “سيلفي تيس” النفسي نتج عن ظاهرة السيلفي التي إجتاحت العالم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، حتى وصل الأمر إلى حد الإدمان الذي تحول إلى مرض، وإضطراب عقلي ناتج عن رغبة لا يمكن التحكم بها إزاء إلتقاط الصور الشخصية ثم نشرها كوسيلة لمواجهة شعور عدم الثقة بالنفس وتعويض الفراغ أو الضعف في العلاقات الإجتماعية.
ولقد حددت الجمعية ثلاث مستويات لهذا المرض، الأول ثلاث صور يومية دون نشرها. الثاني أكثر من ثلاث صور ونشرها على مواقع التواصل الإجتماعي. أما الثالث فيعتبر مرحلة مزمنة وهي إلتقاط الصور على مدار الساعة ونشر أكثر من ست صور يوميا.
وأكدت الجمعية أن العلاج المؤقت لهذه الحالة المزمنة يتوفر من خلال العلاج السلوكي المعرفي، وإستفحال هذه الظاهرة قد يؤدي إلى فرط دائم بعدم الثقة بالنفس والكآبة، إضافة إلى أمراض نفسية وجسدية لا حل لها.
في سر هوسنا بتصوير أنفسنا
اعتبر قاموس أوكسفورد الإنكليزي تعبير سيلفي (كلمة العام) وأعطاها تعريفا مفاده “صورة ملتقطة ذاتياً بواسطة هاتف ذكي أو ويبكام وتنشر على موقع للتواصل الاجتماعي.
في بريطانيا أشارت دراسة طلبتها شركة “سامسونغ” الكورية الجنوبية لصناعة الهواتف أن 17 في المئة من الرجال و10 في المئة من النساء يلتقطون صور سيلفي، لأنهم يرغبون أن تكون لديهم صور جميلة لأنفسهم.
تقول ساره كينيل أمينة قسم الصور في “ناشونال غاليري أوف آرت” في واشنطن إنها بمثابة كلمة جميلة نوجهها إلى أنفسنا، وهي جانب النرجسية في ثقافتنا.
ظاهرة السيلفي لا تعرف الحدود، وإنتشرت مؤخرا بشكل كبير، حيث تقدر مواقع مختصة أن سكان العالم التقطوا حتى نهاية العام 2014 نحو 880 مليار صورة أغلبها “سيلفي” رقم مخيف لظاهرة تنتشر وتتمدد بين ناقد لها وغارق فيها.
المشاهير مدمنون أيضا على السيلفي
انتشرت ظاهرة “سيلفي” أولا بين الشباب ثم طالت المشاهير والزعماء السياسيين ورجال الدين، وانتقلت حتى إلى الأطفال والرضع والمجرمين، وعمت الملاعب الرياضية وغرف العمليات الجراحية والمشاعر المقدسة والفضاء والمقابر، وحتى الحيوانات لها حصتها من صور سيلفي .
السيلفي صورة واقعية بلا تحضير ولا تكليف
لقد انتهى ذلك الزمان الذي كانت فيه العائلة، تتجمل وتتأنق لالتقاط صورة مثالية في أوضاع منتقاة، وحلت محلها صورة بلا تحضير ولا تكليف، وكيف ما كانت وضعية الشخص في العرض، نائم، مبتسم، اوغير ذلك…، لتصبح صورة الواقع كما هو، ومطابق تماماً للأصل.
ختاماً، لقد أصبحت الصورة العفوية جزءا لا يتجزأ من الإعلام الجديد، والمستخدم أصبح صانعا ومرسلا للمعلومات ولم يعد مجرد مستهلك لها.
بعد كل ما تقدم هل نحن نعاني من الإدمان المرّضي على السيلفي؟ أم أنها مجرد ظاهرة ستندثر مع إندثار موضتها؟ أسئلة برسم من يجيب؟