رادار نيوز – عند الكتابة عنهم وعن اعمالهم أحتار من أين أبدأ: من سجلهم العائلي الفكري، ام من أعمالهم التي ارتقت مع آمالهم المتعددة الأبعاد، بتحديث أدوات التفكير وأساليب التعبير، فهم لا يقفون في استجلاء دور الثقافة عند حدود الحاضر، بل يرتقون بها الى رحاب المستقبل، مؤكدين انها صناعة الحياة، هم في قدرتها الدائمة على التجدد والخلق، سواء بتجديد أنظمة المعارف أو بتوسيع فضاء العقل ومساحة الفهم.
لقد ترددت طويلاً في الإقدام على كتابة هذا الموضوع، إحساساً مني بثقل المسؤولية، وأعترف أن قبولي في آخر الآمر، كان فيه نوع من حب الذات، وعدم حرمان نفسي من الكتابة عن هذا المثلّث الرؤيوي الإبداعي الغني عن التعريف، مروان، غدي، واسامة الرحباني… كلمات لا تفيهم حقهم، ونحن معهم في أجوائهم الفنية الثقافية الشفافة التي يعبق فيها عطر فكري كأنه مرسل إلينا خصيصاً… دماثة خلقهم وفكرهم العفيف وصراحة رأيهم جعلت منهم الوحيدين الذين بإمكانهم جمع الحشود من الناس واصحاب الألقاب في مشارق الأرض ومغاربها، في حضور ما يفعلون وما يعملون…
وليس من شك في أن جذورهم من أسرة الأخوين رحباني، الأسرة العريقة التي لها تاريخ طويل بالثقافة والفن المسرحي والغنائي، كان له أثر كبير في تكوين شخصيتهم التي تجمع بين الرصانة واتساع الأفق وعمق التفكير..
هذا المثلّث كان وراء فكرة وعرض ومسرحة دون كيشوت اللبنانية بالجوهر والمعاني، وعرض بعض من التطورات التي طرأت على قيمنا وما آلت اليه في ظل مجتمعاتنا المعاصرة التي اجتاحتها تيارات التغريب…
بحقيقة كونها قصة من الدرجة الممتازة، خلابة العرض لدرجة انها خطفت الأنفاس، صيغت باقتدار على المستوى السردي والبصري، كما ولا ننسى انها مأخوذة عن رواية حققت الكثير من القراءة والمتابعة، رواية لم يتصور أحد أنه من الممكن تحويلها الى المسرح اللبناني، ومن الصعوبات انه يمكن تحويل أحداثها الى مسرح نابض… لكنهم الرحابنة.
منصور الرحباني كان واعداً اسامة ان يعملا سوياً عليها، ولكنه توقف القلب بعد أن ظل ينبض حيوية بالحب.
بعد منصور، أكمل هذا المثلّث الرؤيوي مسرحيته الأولى في غيابه، وفي الذكرى الرابعة على رحيله (دون اسعد كيشوت) الذي استحضرو منصور الرحباني، بأفكاره، واعتمدوا أغنية “لا بداية ولا نهاية” قبل العرض كتحيةً له ليكون الغائب الحاضر بينهم وبين الحضور.
“دون كيشوت” مسرحية حرّكت مخيّلة الكثيرين وسترسخ في وجدان الناس لأنها تعبّر عن أحاسيس، أحلام، وطموحات الناس. بحنكة وذكاء قدمها أسامة الرحباني بالصورة المناسبة لتساهم في تحقيق التفاعل المطلوب، بأسلوب فنيّ مميّز ورائع، وذلك من أجل التعبير عن طموح يسبق الواقع ويحفّزه ويدفع به بإصرار كي يرتقي بمرتبته إلى مستوى كنيته.
هذا هو اسامة الرحباني الرجل في فكره وعطائه، رجل الثقافة، والمحرك. يدفع بمسرحيته ويجعل منها عتاداً لصون ثقافة أمته من الضياع في منزلقات عالم سريع الإيقاع، عظيم الحوادث، يضج بالظلم ليدحض الحق ويغمط أهله. (دون كيشوت) أحدثت في شرايين الفن المسرحي الانفجار الحضاري والإرتقائي الأكبر، ولا نزال بخير ما دام فينا اسامة الرحباني في براعته وقدرته على العطاء.
مروان، غدي واسامة الرحباني وفريق عمل (دون كيشوت) وعلى رأسهم الفنان القدير رفيق علي أحمد، هبة طوجي، بول سليمان، انطوان بلابان، اسعد حداد، نزيه يوسف، مايا يمين، بطرس حنا، طوني عيسى، ميشال نصار، وريتا حايك، تقبلوا منا عظيم التحية والمودة الخالصة والله يحفظكم ويسدد على طريق الخير خطاكم.
رئيس التحرير