سرّ “داعش” وتقصير “الإسلام المعتدل”- عبد الهادي محفوظ

الأربعاء, 1 أكتوبر 2014, 16:55

رادار نيوز – أسئلة كثيرة يثيرها تأسيس الائتلاف الدولي ضد “داعش”. فإنشاء دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام فاجأ الجميع وهو في حسابات المؤسسين مدخل لخلافة اسلامية واسعة ولفتوحات عسكرية واستعادة تاريخ سابق. وبالتأكيد “داعش” لم تأت من “فراغ”. تعثر المشروع الاميركي في العراق وافغانستان كان من الأسباب. اخفاق سياسات الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في مواجهة الارهاب كانت من الاسباب. تعثر التجربة الديموقراطية في العالم العربي ونشوء الدول البيروقراطية وفساد السلطة كان في اساس الاستجابة لفكر “داعش” في أوساط الشباب المسلم المهمش سواء في الدول الأم أو في مجتمعات الاغتراب.

ومن الأمور التي ساعدت على “ازدهار” “داعش” أن “الربيع العربي” لم ينتج “حاملة” في المجتمع المدني لقيم الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وذلك بسبب فشل الاحزاب وفقدان البرامج السياسية ذات المضمون الاجتماعي، والتي يمكن أن تعبّر عن طموحات الطبقة المتوسطة التي تضررت سابقاً ولم تبلور شخصيتها في “الربيع المفترض” فتركت الساحة عملياً لتنظيم “الأخوان المسلمين” الأكثر تنظيماً والذي بمرونته التكتيكية أبدى استعداده للقبول بنتائج صناديق الاقتراع فربح في تونس وليبيا ومصر قبل أن يخسر هذه الأخيرة على يد المؤسسة العسكرية برئاسة عبد الفتاح السيسي.
خسارة “الأخوان المسلمين” لمصر شكلت انتكاسة فعلية لهم ليس في مصر وحدها، ولكن في سوريا وتونس وليبيا والعراق، وخصوصاً أن “السلفية” أخذت سلفاً على “الأخوان المسلمين” رهانها الخاسر على التغيير السلمي للأنظمة… واعتمدت “السلفية الجهادية” أساساً على فكر مؤسس “الاخوان” حسن البنا وسلفه السيد قطب حول طبيعة تأسيس “الدولة الاسلامية”، استناداً الى فكرة “الحاكمية بالله” وتطبيق القوانين الإلهية على الأرض. وهذا ما استتبع انتشار التنظيمات الاسلامية المتطرفة وحتى استدراج جزء من “حركة الأخوان” الى ساحة السلاح والى التطرف.
لا شك في أن تراجع المشروع القومي العربي كان بداية لاعتبار “المشروع الاسلامي” كبديل، خصوصاً في ظل انحسار اليسار والفكر الماركسي عموماً… لكن تعدد التنظيمات الاسلامية يكشف خلافات مستحكمة بينها باعتبار كل منها يرى نفسه الوحيد المؤهل لتطبيق “حاكمية الله” على الارض… وهذا ما يفسر الخلاف بين “القاعدة” و”داعش” وبين الأخيرة و”النصرة”.
إنما شئنا أم أبينا فكرة “الخلافة الاسلامية” تستهوي الشباب، وخصوصاً أن بناءها يأتي في سياق المواجهة مع الغرب، وتحت عناوين” النص القرآني”. واتهام “داعش” بأنها حركة تكفيرية هو تفسير فيه الكثير من التبسيط من جانب من يطلق على نفسه “الاسلام المعتدل”. فالى الآن لا يعطي هذا “الاسلام المعتدل” تفسيراً معقولاً لظاهرة القتل والتكفير. فـ”داعش” تستند الى “النص القرآني” على طريقتها. ولا نقاش لهذا النص، ولا على تفسير مخالف لما تدعيه “داعش”. وهنا جوهر المشكلة سواء في خطاب “حزب الله” وايران او في الخطاب السني والوهابي… ولذلك من غير المتوقع ان تنكفئ داعش ولا سيما أنها في المناطق التي تديرها تعطي اهتماماً ملحوظاً لأمور الناس وتدبير حياتهم وادارة مصائرهم وشؤونهم الاجتماعية. وفي هذا السياق التقصير مزدوج من الغرب ومن “دعاة الاسلام المعتدل”. الغرب يقصر مقاربة “داعش” على العمل العسكري البحت. و”دعاة الاسلام المعتدل” يقصرون المواجهة على الشعارات “تكفير… ارهاب” من دون ان يعطوا فرضية الاسلام المعتدل معنى ملموساً بإبراز وجه التسامح والانفتاح والاعتراف بالآخر من جانب الدين الحنيف.
باختصار ظاهرة “داعش” ليست عبارة، كما يتخيل البعض. وقد يكون على الساحة اللبنانية وحده مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف الدريان الذي أعطى بعض الأجوبة عن “التهديد المفترض” لـ”تنظيم الدولة الاسلامية”، عندما دعا الى حوار مسيحي – اسلامي، والى التعاون بين رجال الدين المتنورين وبين النخب في المجتمع المدني والى مواجهة تقصير الدولة اللبنانية في مجال الخدمات والكهرباء والماء وفراغ السلطة. وكلام المفتي هذا يفترض تعزيز الاتجاه الاسلامي المنفتح عل الآخر، كما يفترض تقديم وإبراز النص الذي يحول دون التكفير ومحاسبة النيات.
في كل الاحوال ثمة مسؤولية ملقاة على عاتق الأزهر والنجف وقم. وهذا يحتاج الى جهد في الايديولوجيا الاسلامية والى تغليب “المشترك” الذي يوفره النص القرآني. فـ”داعش” تستند الى مثل هذا “النص” الذي يفترض توضيحاً و”شرحاً” وتفسيراً من خصومها… وإلا فإنها هي الرابحة في نهاية المطاف.
أخيراً مواجهة التكفير تفترض دوراً للاعلام في الاضاءة على معنى “الإرهاب” و”التكفير”. وهنا دور النخب الفكرية التي لا تعطى اي مساحة فعلية في الاعلام. كما أن المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة والالكترونية والمكتوبة يمكنها ان “تستفز” رجال الدين المتنورين ليدلوا بدلوهم حول مضامين الاسلام المعتدل او في ابراز القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب. فنحن نحتاج أكثر ما نحتاج الى اعادة “إحياء ما كان يقوم به السيد الامام موسى الصدر والمطران جورج خضر والأب يواكيم مبارك والعلامة صبحي الصالح والدكتور حسن صعب والذين تبنوا فكرة رائعة للإمام الصدر عنوانها “الأديان واحدة عندما نلتقي في الله” باعتبار أن غاية الدين هي خدمة الانسان، كما يشاء ذلك الإله الواحد.

عبد الهادي محفوظ

إضغط هنا
Previous Story

تسعيرة المولد عن شهر تشرين الأول 2014 في بلدية جونية

Next Story

وفاة المقدم ابراهيم طانيوس جبور بعد صراع مع المرض

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop