“ش.م.ع.ل.”!!! – حبيب يونس

الثلاثاء, 29 أبريل 2014, 7:32

رادار نيوز – أخشى أن يكون مفهوم الوطن، أي وطن… كذبة.

ثمة أوطان نجحت أنتتدرج في تطورها من مجتمع بدائي، قبلي، ومن ثم مشيخي أو أميري، فملكي، فبنت، ولو ظاهريًّا، دولة مؤسَّسة قائمة على مبدأ فصل السلطات وعلى تناوب الكراسي، متيحة لأبنائها الفرص المتساوية، ما داموا يتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها… أقول ظاهريًّا، لأن المال والشركات الكبرى تفرز طبقة سياسية ومالية، قلما يعنيها الإنسان وحقوقه، بمقدار ما يهمها دوام مصالحها. فمن يوفر تلك المصالح… يتولَّ.

لكن هناك أوطانًا، ويا للأسف، لا تعدو كونها شركة عائلية، أو تجمع عائلات. وعليه بمقدار ما يشبه الوطن الشركة العائلية، يكون كذبة، وما شعبه سوى “زبائن” لديها، وليحيَ مبدأ العرض والطلب.

قد تكون هذه حال لبنان… أقولها ولا أريد أن أصدق. ربما لأني كنت أعيد قراءة ابن خلدون، حين وقع نظري على هذه العبارة: “عندما تنهار الدول، يكثرالمنجمون والأفَّاقون والمتفقِّهون والانتهازيون، وتعمال إشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر”.فهل يعقل أن يكون هذا المفكر الفذ كتب تلك العبارة ما بين القرنين الرابع عشروالخامس عشر، أم تراه اليوم بيننا يصف لبنان في حاله الحاضرة؟ وهل يتابع شاشاتنا وبرامجنا وحراك سياسيينا، ويقرأ صحفنا وكواليسها وأسرارها وتحليلاتها، ويحمل هاتفه الخلوي يطلب هذا المنجم أو تلك البصارة، عله يعدِّل، في ضوء جواب أي منهما عن سؤاله، ما استنتجه في مقدمته الشهيرة في التاريخ وعلم الاجتماع؟ أَوَلا يعني ما تفضل به، هذا التونسي المولد، الأندلسي الأصل، أن دولة لبنان… منهارة؟

هي منهارة، بناء على ما تقدم. لكنها منهارة مذ ولدت، لأنها لم تكن يومًا سوى تجمع عائلات إقطاعية وبيوتات سياسية، حكمت وتحكمت وتقاسمت النفوذ، وبقيت على الرغم من كل الخلافات، شريكةً بعضها لبعض في السراء والضراء، ما دامت مصالحها وتبادل تلك المصالح، متوافرة على أكمل وجه. ومن حين إلى آخر، راحت تدخل عائلات أو بيوتات جديدة إلى ناديها، فتتسع حلقتها… وأمرها لله، وما في يدها حيلة، شرط ألَّا تضرب تلك المصالح.

وعليه، بات ينطبق عليهم استنتاج آخر لابن خلدون:”حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تستقطب إليه تلك الأمور ثلة من المرتزِقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، في وصلون إليه من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعانيها الشعب”.

وأعود فأسأل… هل عاش مؤسس علم الاجتماع فعلًا قبل سبعة قرون، أم ما زال على قيد الحياة، حاضرًا بيننا، في قوة، يعرفنا في أدق تفاصيلنا، حكامًا وشعبًا، دولة وإدارةً، حلًّا ونسبًا؟

أوليست تلك حالنا مع حكامنا؟ وحال حكامنا معنا؟ وما زلنا نصدق أننا في وطن، صرفنا العمر والجهد في حبه والدفاع عنه،وبنينا أحلامًا لإعادته كما درسنا تاريخه، رائدًا خلَّاقًا مميزًا سابقًا عصره في نموذج الحياة الواحدة بين متنوِّعين دينيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا وإتنيًّا… وما زلنا نصدق كذلك أننا لسنا في “شركة مساهمة عائلية لبنانية” (ش.م.ع.ل.)، ستجعلنا، إذا ما استمرت في “نضالها” من أجل مصالحها على حسابنا، “نطفر” من هذا الوطن، ونعدُّه كذبة كبرى، إذ ما نفع أرض بلا إنسان –كرامة، أو إنسان – قيمة في حد ذاته، أو إنسان مهما بلغ نبوغه وطموحه، سيسحقه أحد أبناء الشركة المساهمة الآنفة الذكر، إن لم تكن الشركة مجتمعة… لأن لا مكان له على طاولة قرارها، أو حتى في أروقتها.

صعب أن أصدق أن وطني كذبة… ما زلت أهرب من تلك الفكرة.وأرفض أن أبايع تلك الشركة المساهمة وأوقع لها على بياض.

والأصعب… ألَّا أقوى عليها، أو نقوى عليهاجميعًا، لأنَّها مهما يكثر عدد أعضائها، تبقَ قلَّة تحكم وتتحكم من دون وجه حق، فيما نحن الشعب، والحق معنا، ولنا الحق في أن نحكم أنفسنا بأنفسنا… الكثرة.

“أنت والحق أكثرية”… ليس شعارًا فحسب، بل هو غدنا أيضًا،ويمكننا فعل الكثير إذا أردناه لنا، نبنيه بآمالنا والأحلام. وأهم ما نفعل، وأول ما يجب، أن ندفع “ش.م.ع.ل.” إلى إشهار إفلاسها، إلى غير رجعة.

عفو الرحبانيين وفيروز… فالكذبة خطية. ولا أرغب في ارتكاب مزيد من الخطايا بعد الآن. ألا يكفيني ظني، ولو هنيهة، أن لبنان ليس وطنًا، بل كذبة… عفوك وطني.

حبيب يونس

إضغط هنا
Previous Story

أمل علم الدين وجورج كلوني حديث الصحافة العالمية

Next Story

حظك الثلاثاء 29 نيسان 2014 مع ليلى المقداد من رادار نيوز

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop