الجميل وجعجع مع السيادة وضد السلاح .. عون يدافع عن “حزب الله” وفرنجية يريد حكومة مواجهة .. الراعي يفتح “ثغرة” في جدار الخلاف الماروني
احتضنت بكركي اللقاء الماروني الأول في عهد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي فتح ثغرة في جدار الخلاف الماروني، ورعى أوّل مصافحة بين رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية، فيما بقيت العِقد الحكومية بين فردان والرابية التي لا تنفك تتحلحل حتى تظهر أخرى أشد تعقيداً، عدا الحملة الشعواء التي تطال “تيار المستقبل” والنائب جمال الجراح وما تنذر به من جديد يخبأ للبنانيين ككل.
في موازاة ذلك، طلبت كتلة “المستقبل” النيابية من وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي “دعوة السفير السوري علي عبد الكريم علي لاستيضاحه عن تصريحاته الأخيرة”، كما دعت رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة لهيئة مكتب المجلس لبحث هذا الأمر من جوانبه كافة”، فيما رد الشامي ببيان اعتبر فيه أن “دعوة كهذه بحاجة إلى اجتماع مجلس وزراء”.
على أي حال، فإن خطوة أولى على درب إعادة لمّ الشمل المسيحي، نجح من خلالها البطريرك الراعي في جمع القيادات المارونية تحت عباءة بكركي، وإن في الشكل. هذه الخطوة التي لن تكون الأخيرة، تؤسس إلى مرحلة جديدة تحد من الانقسام الحاصل بين أبناء الطائفة الواحدة، والذي يعكس في مكان ما الشرخ الموجود في المجتمع اللبناني ككل حول مواضيع مصيرية للبعض وهامشية لدى البعض الآخر.
اللقاء الذي حضره إضافة إلى الراعي، كل من الرئيس أمين الجميل، والنائب ميشال عون ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية وعدد من المطارنة، “كان اخويا ووطنيا بامتياز ساده جو من الصراحة والمسؤولية والمودة، فيما اتفق المجتمعون على اجراء لقاءات اخرى ومتممة كلما دعت الحاجة” بحسب البيان الذي صدر عن اللقاء.
وأوضح البيان أنه “تمت مقاربة المواضيع المطروحة انطلاقا من التمييز بين ما هو متفق عليه وما هو خاضع للتباينات السياسية المشروعة في وطن ديموقراطي يحترم الحريات والفروقات مع المحافظة على وحدة الوطن واحترام ثوابته وصون مصالحه الاساسية”.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”المستقبل” إن “البطريرك الراعي استقبل فرنجية الذي وصل أولاً في القاعة الكبرى، ووصل بعده على التوالي جعجع والجميل وعون وكان في استقبالهم المطران مطر، قبل أن يدعوهم الراعي للانضمام إليه، وحصلت المصافحة حينها بين جعجع وفرنجية، والأمور كانت جيّدة”.
بعد المصافحة، حصلت جلسة قصيرة ثم انتقل الجميع لأداء الصلاة وكانت عظة ترأسها الخوري الحبيس يوحنا خوند، وبعدها تحدث الراعي عن التعددية والانتماء إلى الوطن وأهمية الوحدة بين الجميع، ومن ثم عرض كل من الحاضرين وجهة نظره ورؤيته للأمور السياسية العامة، واستمر الحديث أكثر من ساعة وربع الساعة، سادته أجواء مريحة جداً، عبّر عنها الجميع كلّ على طريقته.
وأشارت المصادر إلى أنه خلال فترة استراحة انتقل المجتمعون لزيارة البطريرك مار نصر الله صفير في جناحه الخاص قبل أن يعودوا للحديث مع الصحافيين والتقاط الصور، ثم أُقيم غداء على شرف الحاضرين حضره صفير لم يتم الحديث فيه بمواضيع معينة بل كان النقاش بالعموميات فقط”.
وكشف مصدر قيادي شارك في الاجتماع لـ”المستقبل” ان “جو الاجتماع كان هادئاً وموضوعياً، وأن كلاً من القادة الأربعة أدلى بوجهة نظره المعروفة وان أحداً لم يغير وجهة نظر الآخر، لكن بالاجمال كان النقاش متفتحاً وودياً، والجميع صافح الجميع بما في ذلك جعجع وفرنجية واقتصرت المصافحة عند هذا الحد”.
وأضاف: “بعد ادلاء الجميع بمواقفهم اقترح الجميل البدء بمناقشة النقاط التي لا خلاف حولها لا عقائدياً ولا سياسياً، وأن المطلوب ان نقدم للناس نتائج”. وأوضح المصدر ان “العناوين التي اثيرت تحت عنوان “امكانية التفاهم عليها” هي: التجنيس، التوطين، الاغتراب، الانماء، عدم التوازن في الادارة العامة، الفساد، حيث جرى عرض لهذه العناوين واتفق ان تُتابع في الاجتماع المقبل بعد ان تكون قد حصلت جوجلة وتداول بين القادة الأربعة من خلال بعض المطارنة في شأنها بحيث يتم السعي للتفاهم حولها واعلان هذا التفاهم في الاجتماع المقبل”.
وعلمت “المستقبل” انه “جرى التوافق على ان يحدد الاجتماع المقبل بعد انعقاد القمة الروحية في 12 ايار، كما جرى الحديث عن هذه القمة واهميتها، وأكد المصدر ان الاجتماع لم يشهد اي تشنج أو صدام وان الجميع تحدثوا مع بعضهم البعض ولكن تبقى العبرة في التنفيذ، لأن ما جرى الحديث عنه يندرج تحت عنوانين: الأول قضايا يمكن التفاهم حولها كالتجنيس وغيرها، والثاني قضايا كبيرة واستراتيجية تحتاج إلى تسويات كبرى مثل العلاقة مع سوريا وسلاح حزب الله”.
وكشف مصدر آخر شارك في الاجتماع لـ”المستقبل” ان “موضوع العلاقة مع سوريا اثير من قبل النائب فرنجية بالتفصيل الممل، ونظرته الى هذه العلاقة، كما تحدث عون باسهاب عن علاقته بحزب الله والطائفة الشيعية، فيما ركز الجميل وجعجع على موضوع سيادة لبنان واستقلاله، حيث ظهر بوضوح وجود خلاف أساسي حول تفسير معنى السيادة، كما تحدث الاثنان عن سلاح حزب الله وشددا على خطورة استخدامه في الداخل وتداعيات ذلك على المستوى الوطني”.
وعلمت “المستقبل” ان فرنجية عرض في دقائق قليلة موضوع تشكيل الحكومة، وكرر ما قاله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة (أول من أمس) قائلاً ان هذه الحكومة نريدها للمواجهة لأنها ستتخذ قرارات مهمة لتحصين الساحة اللبنانية في مواجهة أي استحقاق أو ضغوط خارجية، وبالتالي لا نريد فتح أي مجال لأي ثغرة، لذلك فإن هذه الحكومة لا مكان فيها لوزير توافقي مثل زياد بارود، إنما وزراء مواقفهم واضحة وقادرون على المواجهة، كما اننا نريد مواقف حاسمة وقاطعة لذلك فإن بعض الوزارات لا يمكننا التساهل فيها، نحن نملك الاكثرية ويحق لنا القيام بما نريد”.
وعلمت “المستقبل” ان الراعي شدد في مداخلته على “ضرورة التزام مبادئ شرعة العمل السياسية للكنائس المسيحية”، فيما قالت أوساط معراب لـ”المستقبل” إن “الحكيم أعطى تعليماته وتوجيهاته بأن الأمور الشخصية أصبحت من الماضي وتركناها وراء ظهرنا، والاختلاف سيكون في السياسة وتحت سقف التنافس السياسي لا أكثر ولا أقل”، مشيرة إلى أن “جعجع يعتبر هذا اللقاء تأسيسياً، وبالتالي فتح القنوات مع الجميع وأن الاختلاف السياسي لا يعني الخصومة والتناحر، في إشارة إلى حسن النية بعد المبادرة المشكورة التي قام بها البطريرك، الذي يحرص على وحدة المسيحيين واللبنانيين ككل”.
وفي تصريح لـ”المستقبل” قال الرئيس الجميل “ان اللقاء كان منفتحاً جداً وبعيداً كلياً عن التشنج، وكان هناك تواصل ايجابي بين كل الحاضرين، لكن هذا اول اجتماع والوقت كان ضيقاً بما لا يسمح الخروج بنتائج ملموسة، الا ان الابواب بقيت مفتوحة لاجتماعات اخرى ومواصلة العمل وصولاً إلى نتائج عملية”.
الحكومة
وبعيداً عن لقاء بكركي، وبالعودة إلى “المعمعة الحكومية”، قالت مصادر مواكبة لتشكيل الحكومة لـ”المستقبل” ان الاتصالات بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وعون تتمحور حول الوزارات الخدماتية ولاسيما منها الطاقة والصحة والتربية، بحيث يصرّ عون على الطاقة مع حقيبة خدماتية أخرى هي الصحة أو التربية وهذا ما يلاقي اعتراضاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يتمسك بحقيبة الصحة في حين ان الرئيس ميقاتي يريد إسناد حقيبة التربية إلى أحد الوزراء المحسوبين عليه”.
وأشارت الأوساط إلى أن “الاتصالات الجارية حالياً أشبه بعملية شد واسترخاء بين الأطراف المعنية، بحيث ان المتابعة المباشرة من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لعملية التشكيل، لم تأخذ شكل الضغط على الجنرال عون، بقدر ما تتخذ شكل نقاش مرن معه”.
أما في ما يتعلق بحقيبة الداخلية والكلام انها العقدة المتبقية بين سليمان وعون، قالت الأوساط: “لم يشترط رئيس الجمهورية يوماً على الرئيس المكلف اعطاءه حقيبة معينة، بل ان الرئيس سليمان يتعاطى مع تشكيل الحكومة وفقاً لروحية اتفاق الدوحة الذي نظم العلاقة الحادة بين كل من فريقي 8 و14 آذار، وبالتالي فهذه العلاقة الحادة لم تتلاشَ بل على العكس تزداد حدة يوماً بعد يوم، ولا بد من ان يتولى حقيبة الداخلية وزير حيادي لا ينتمي الى اي من الطرفين، خلال الاستحقاقات التي ستمر في البلاد ولاسيما منها الانتخابات النيابية المقبلة”.
ورجحت المصادر “ان تضم التشكيلة الحكومية المقبلة وجهاً نسائياً كترجمة لرغبة سليمان في أن يكون للمرأة اللبنانية حضور في الحكومة”.
“المستقبل”
وفي سياق آخر، طلبت كتلة “المستقبل” النيابية من وزير الخارجية والمغتربين دعوة السفير السوري لاستيضاحه عن تصريحاته الأخيرة، داعية رئيس مجلس النواب إلى عقد جلسة لهيئة مكتب المجلس لبحث هذا الأمر من جوانبه كافة.
الكتلة، وإزاء تتابع وتوالي الأحداث في المدن السورية، كرّرت “موقفها الرافض والقاطع للتدخل في الشؤون السورية الداخلية”، معلنة أن “تيار المستقبل وكتلته النيابية لم يتدخل ولا ينوي التدخل وليس له مصلحة في التدخل”، معتبرة أن “هذه الحملة الإعلامية والسياسية المبرمجة على التيار وبعض أعضاء كتلته النيابية وتحديداً النائب جمال الجراح واتهامهم زوراً بالتدخل بالشؤون الداخلية السورية، مسألة مرفوضة ومردودة ومدانة ولا يقصد منها إلا محاولة إرباك التيار وكتلته النيابية وحرفهما عن توجهاتهما وطروحاتهما الوطنية، ولاسيما في ما يتعلق بمرجعية الدولة وسلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية ورفض وصاية السلاح”.
في المقابل، علق الشامي على المطالبات بـ”استدعاء السفير السوري لاستيضاحه بالنسبة لتصريحاته” في موضوع الاتهامات السورية لأطراف لبنانية بالتدخل بالشأن الداخلي السوري، فرأى الشامي في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي أن هذا الأمر “يستلزم عقد جلسة لمجلس الوزراء”، داعياً “رئيس الحكومة للدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لمناقشة هذا الأمر وإتخاذ الموقف المناسب بشأنه”.
الجراح
وفي بعبدا، حضر النائب الجراح حاملاً معه “ملف الافتراءات والأكاذيب التي تبنّاها فريق 8 آذار”، وعرضها على رئيس الجمهورية، وقال بعد اللقاء لـ”المستقبل” إنه “عرض مع سليمان الكلام الذي صدر عن السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي حول “ان ما عرضه التلفزيون السوري من اتهامات بحق النائب الجراح كافية لتحرك القضاء اللبناني”، مشدداً “أمام فخامة الرئيس اننا تحت القانون شرط أن تتخذ هذه الادعاءات المسار القضائي اللازم لتبيان الحقيقة وذلك عبر تقديم الجانب السوري الاثباتات والأدلة التي تؤكد هذه الادعاءات من خلال وزارة الخارجية اللبنانية واحالتها لاحقاً إلى الجهات القضائية اللبنانية المختصة لبتها”.
وأضاف الجراح: “شدد الرئيس على ان هناك معاهدة قضائية موقعة بين لبنان وسوريا، وبالتالي يجب أن يسلك هذا الملف الأقنية القانونية المنبثقة عن هذه المعاهدة ليصار بعدها إلى كشف الحقيقة حول ما بثه التلفزيون السوري بحقي، وهذه الاجراءات كانت مدار بحث بين الرئيس والأمين العام للمجلس الاعلى اللبناني السوري نصري الخوري الاسبوع الماضي”.
