رادار نيوز – ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، أن نتحسَّس مسؤوليتنا في هذا الشهر الفضيل، وهي لا تقف عند حدود ما اعتدنا عليه من الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، والذكر، والاستغفار، بل لا بدَّ من أن تتلاقى هذه المسؤولية مع الإحساس بآلام الناس ومعاناتهم، حتى وهم في قبورهم وبين يدي ربهم. ولهذا، نردد هذا الدعاء في هذا الشهر: “اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم اغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شيء قدير. لا يجب أن يكون حالنا ونحن ندعو بهذا الدعاء حال المتوكلين الذين يضعون همومهم ومشاكلهم على عاتق ربهم، ويجلسون جانبا ينتظرون الفرج، بل حال المتوكلين الذين يقومون بما عليهم من جهد وعمل، ويتركون الباقي على الله، الَّذي وعد المتوكلين بأنه سيسددهم ويؤيدهم، ويزيل العثرات من أمامهم. بهذه الروح، نحقق الأحلام، ونصل إلى الأهداف، ونواجه التحديات، وهي كثيرة”.
وتابع: “البداية من لبنان، حيث لا يزال الهاجس الأمني هو الشغل الشاغل للبنانيين، في ظل التهديد بالتفجيرات، واستهداف القوى الأمنية، والبيانات المجهولة المصدر، فيما لا يزال الواقع السياسي على حاله، من السجالات والمناكفات والتباينات، وكأنَّ البلد على أحسن حال.. فلا رئاسة الجمهورية قريبة في الأفق، ولا الحكومة تعمل بشكل طبيعي، ولا المجلس النيابي يجتمع ليواجه المطالب الملحة المطروحة أمامه، فضلا عن عدم إيجاد الحلول لسلسلة الرتب والرواتب، وأزمة الكهرباء المتفاقمة في هذا الصيف الحار، وأزمة شح الماء، وملف التفرغ في الجامعة اللبنانية، وغيرها من الملفات”.
ورأى انه “تبقى نقطة مضيئة في كل هذا الواقع، هي القوى الأمنيَّة التي يسهر أفرادها في الليل والنهار، ويسابقون الزمن لحماية أمن اللبنانيين في كل المناطق. فشكرا من كل اللبنانيين على جهودهم وتضحياتهم، في وقايتهم من العابثين بأمنهم، وملاحقتهم للمجرمين”.
ودعا “اللبنانيين جميعا إلى أن يقفوا صفا واحدا مع قواهم الأمنيَّة، بحيث لا يبقون وحدهم في ساحة التحدي لمواجهة هذا الخطر، وأن يشعر كل مواطن بأنه خفير في شارعه وحيه ومحلته وقريته، حتى نقي هذا البلد من أولئك الذين لا وازع لهم من خلق أو دين”.
كما شدد على “اللبنانيين الانتباه وعدم الوقوع في فخ الشائعات والبيانات ذات الطابع الاستخباري، والحرب النفسية التي تشن عليهم، فلا داعي للهلع بعد أن بات واضحا عدم وجود قرار دولي وإقليمي بتفجير الساحة اللبنانية، وطبعا ليس لسواد عيون اللبنانيين، بل انطلاقا من مصالح الدول الكبرى وأولوياتها، في الوقت الذي ندعو المؤسسات الإعلامية إلى توخي الدقة في نقل الأخبار، وعدم تضخيمها، مما يشير إليه كلام وزير الدفاع اللبناني الأخير، عن أنه ليس كل الإخباريات الإعلامية التي تظهر في الإعلام دقيقة”.
وقال: “نكرر ما أكدناه في الأسبوع الماضي، من ضرورة التوازن بين الحذر المطلوب دائما، وعدم الجمود. فلا ينبغي أن نسمح للساعين للعبث بأمن هذا البلد، بأن يحققوا أهدافهم في تجميد حركتنا ومصالحنا وقيامنا بمسؤولياتنا، وحتى في ممارسة الشعائر الدينية في المساجد والكنائس، كما ورد التهديد بذلك أخيرا”.
وتابع: “نصل إلى العراق، الذي تستمر معاناته، في ظل وضوح الخطط التي تستهدف وحدته واستقراره وأمنه، حيث بات الحديث في العلن عن التقسيم، والذي يخشى أن يكون مقدمة لتقسيم العالم العربي والإسلامي، على أساس كيانات طائفية وعرقية وقومية، داعيا “الشعب العراقي إلى التنبه إلى المخططات التي تستهدفه، والعودة إلى الدولة المركزية ومؤسساتها، ولا سيما المجلس النيابي، وتفعيل لغة الحوار بين كل مكوناته، للوصول إلى حلول لكل ما جرى ويجري، ومعالجة أسباب المشكلة، ومواجهة العابثين بوحدة العراق واستقراره، وعدم السماح للشيطان الذي يدغدغ في النفوس بالتقسيم بأن يدخل إلى الصدور.. فالتقسيم لن يفيد مكونا دينيا أو مذهبيا أو قوميا، وإن خيل للبعض ذلك، وهو ليس سوى مشروع فتنة على مستوى العراق، ومشروع تفتيت للمنطقة إلى كيانات متصارعة تؤمن للعدو الصهيوني الاستقرار، لتمرير مشروعه في تهويد فلسطين، وليبقى الأقوى في المنطقة”.
وقال: “إننا نثق بأن إرادة الشعب العراقي ستنتصر في نهاية المطاف على كل الساعين للعبث بحاضره ومستقبله. فالعراق لا يمكن أن يكون قويا ومستقرا إلا بوحدة أبنائه وتعاونهم وتواصلهم، وشعورهم جميعا بأنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات”.
واضاف: “في هذا الوقت، يطرح موضوع الخلافة الإسلامية للتداول. ونحن أمام هذا الطرح، لا بدَّ من أن نتساءل عن التوقيت والأهداف، حيث لا نرى فيه إلا مشروع فتنة طائفية ومذهبية يقوده الفكر الداعي إلى رفض الآخر، واعتماد العنف والقهر كوسيلة لإرغام الناس على الخضوع لقراراته”.
ودعا “كل الحركات الإسلامية إلى التعبير عن رفضها لهذا المشروع، لما فيه من إساءة إلى عنوان الخلافة الإسلامية وصورة الإسلام المشرقة، كدين للمحبة والرحمة والانفتاح”.
وتابع: “إلى فلسطين، حيث تستمر معاناة الشعب الفلسطيني، مع تصاعد الغارات الوحشية المستمرة، والقتل، والاعتقال، والجرائم المباشرة التي يرتكبها العدو والمستوطنون، وآخرها التمثيل المروع بالفتى الفلسطيني في القدس، بذريعة مقتل المستوطنين الثلاثة، الذين لم يعرف حتى الآن من قتلهم، ولأية أسباب”.
ورأى ان “هذا الواقع يستدعي من الجميع الوقوف مع هذا الشعب الصابر، وشد أزره في مواجهة هذا العدو المتغطرس. ونحن في الوقت الذي نعتز بالمقاومين في فلسطين، الذين يواجهون العدو بمنطقه، ويتصدون لاعتداءاته بإمكاناتهم المتواضعة، ندعو الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة، وعدم السماح للعدو الصهيوني بالعبث بما أنجز في هذا المجال، والذي أدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وساهم في تثبيت الأرض، وتوفير فرص الصمود والمقاومة للشعب الفلسطيني، لمواجهة العدو ومخططاته”.
وختم: “لا بدَّ في أجواء هذا الشهر المبارك من التذكير بالقاعدة القرآنية التي ينبغي أن تحكمنا في هذا الشهر: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، والالتفات إلى حديث رسول الله: “صوموا تصحوا”.. فالصوم لصحَّة الإنسان، لا لإرباك المعدة، وزيادة الوزن، وإرهاق الجسد. أجسادكم أمانة في أعناقكم، ومن حق الله عليكم وأنتم في شهره، أن تؤدوا إليه الأمانة، فلا تثقلوا أنفسكم بما يمنعكم من القيام بمسؤوليات هذا الشهر، من الدعاء، وقراءة القرآن، والصلاة، والذكر، والاستغفار، وإحياء الليالي بالعبادة، وصلة الرحم، وغيرها من الأعمال”.