فيتو السفير الظالم بحق القلعة الحمراء للفن – بقلم حاطوم مفيد حاطوم

الأحد, 29 نوفمبر 2020, 18:24
737 views

السرطان يخطف شريكي الشاب

رادار نيوز – هذه رسالة صنعتها التجارب ورسمت الأيام خريطة الطريق إليها. كتبها قلمي والذي بقي خجولاً حتى دفعني التحدي إلى الجرأة في يد لم تنسى العطر وهي في النار… تجربة القدرة على الإستمرار بعد رحيل الشريك… وتجربة العمل الشاق والممتع معاً في الإصرار على أن تبقى تحفنا تزيّن وتفيد…  والإرتياح، وبين الألم والحزن والمرارة منها في ذاكرة شريك قد رحل، ومنها في ذاكرتي التي تملك التصميم لمواجهة التحدي لأخذ الحق المعنوي والمادي، ولإزالة الخط الفاصل بين مراوغ ومن هو صادق ليستمر الفن والتراث…

وها قد مرت فترة من الزمن على رحيل صديقي وشريكي وأخي الفنان محسن العيادي بعد أن خطفه مرض السرطان بتاريخ 3/2018 /5، لقد رحل عن هذه الدنيا والألم يعتصر قلبه حزنًا بسبب عدم إتمام الإتفاق الذي تم في مدينة نيويورك بين السفير المغربي فوق العادة عبد السلام الجعيدي والحاج بالمين، والذي كان يقضي بتنفيذ تصميم طاولة بلياردو؛ لوضعها في قصر الملك محمد السادس أيده الله ونصره،  في الرباط وطاولة أخرى لوضعها في منزل أخيه الأمير مولاي رشيد، مقابل أن يمنحنا الملك الوسام الملكي ويقدمنا إلى وسائل الإعلام. ولقد كان هذا الاتفاق بالنسبة لنا يوازي الملايين لأنه فخر لشركتنا وتقدير لفننا وبراعتنا وتميزنا في عملنا، أضف إلى تلك الدعاية الكبيرة المتأتية من اختيارنا لتزيين قصر الملك وما يستتبع ذلك من فرص عمل كثيرة ومهمة.

الحاج بالمين فنان واختصاصي سقوف مغربية. هو الذي نفذ سقف مسجد الحسن الثاني في الرباط. أتى به للأمير ليركب له سقف في ولاية كنتيكيت، واشتغل شريكي معه خمسة عشرة يومًا لانه له خبرة واسعة في هذا المضمار.

نعم عشر سنوات مرت قبل رحيل شريكي ونحن ننتظر ملك المغرب محمد السادس أيده الله ونصره، وأخيه الأمير مولاي رشيد لتنفيذ الاتفاق، وكلنا أمل أن نحظى بفرصة تقديم عمل فني لا مثيل له في عصرنا هذا يكون درة تزين القصر الملكي وتقدمنا الى الملوك والأمراء وتفتح لنا أبواب قصور ومنازل أخرى وتحقق لشركتنا أعمالاً تدر الملايين.

وعلى الرغم من أننا نفذنا الجٍزء المتعلق بنا من الإتفاق حيث نقلنا طاولة “القلعة الحمراء” ووضعناها في منزل الأمير مولاي رشيد بتاريخ 19/12/2008 في ولاية كانتيكيت، وقد اتصل بنا مدير الديوان الملكي وشكرنا باسم الملك محمد السادس أيده الله ونصر، لأنني أرسلت رسالة إلى الملك مع شخص قريب من البلاط الملكي، وكذلك بارك لنا بتركيب طاولة أخيه الأمير مولاي رشيد ثم اتصلنا بمكتب السفير بعدها بشهر لشحن الطاولة التي ستوضع في قصر الملك بحسب الاتفاق، إلا أننا فوجئنا وبعد التحميل أن سائق الشاحنة ومرافقه التي تحمل لوحة ديبلوماسية أبلغنا أنه تلقى تعليمات بعدم التحميل والعودة إلى السفارة.

وفي لحظة غريبة بات وكأن السفير اختفى عن السمع وفقدنا القدرة على التواصل معه أو مع أي من المحيطين به وكان يبدو وكأن الاتفاق قد دفن تحت الأرض.

نعم، رحل شريكي الفنان وفي عينيه دمعة وفي قلبه غصة. لم يكن محسن حرفيًا عاديًا، كان فنانًا مرهف الحس، ينسج نفسه في فنه ليصيغ من بين يديه تلك التحف النادرة التي تختزل عشرات السنين من الخبرة.

رحل الفنان مظلومًا، وكان السؤال يضج في رأسي أليس مؤلمًا أن يظلم الفنان الصادق الذي حقق النجاحات الكبيرة في أهم مدن العالم وأرقى المنابر الفنية؟

لقد أتوا بجزار من واشنطن ليكرمونه وسام الملكي، وتجد مثله 100 ألف في المغرب، ولا يكرم شريكي وليس في العالم كله إلا القلائل يمثلونه في فنه وموهبته؟

لقد أمضى شريكي السنوات الخمس الأخيرة من عمره وكله أمل أن يقابل الأمير رشيد الذي تزوج إحدى قريباته، ولكنه لم يكن من أولئك المتزلفين الوصوليين الذين يندفعون لاقتناص الفرص على حساب كرامتهم.

لقد كنت أشعر بألم شريكي المزدوج في آخر شهر من حياته، فمن جهة كان السرطان ينهش جسده المتهالك ومن جهة أخرى كانت الحسرة تمزق قلبه على زوجته وولديه اللذين سيتركهما باكرًا.

أسئلة كثيرة كانت تحيرني منذ ذلك الوقت ولم أعرف لها أجابات واضحة.

لماذا نكث السفير باتفاقنا؟ فنحن لم نكلفه شيئًا رغم أن الطاولتين كانت كلفتهما 300 ألف دولار إلا أننا كنا نريد أن نقدم للملك تحفة فنية تزيّن قصره لمئات السنين.

وهل الملك يعلم بالذي حدث؟ وكيف ستكون ردة فعله على سلوك هذا السفير الذي استسلم لأوامر وسوسات سعدو بيك (الشيطان) فخاننا وخان ملكه.

من سيعوض الأضرار التي لحقت بشركتنا والناجمة عن عدم تنفيذ الاتفاق الذي كان متوقعًا أن يفتح لنا أبوابًا واسعة لنشر أعمالنا في القصور والبيوت الفاخرة وهو ما كان سيدر علينا أموالاً طائلة إضافة إلى إمكانية تشغيل الآلاف من العمال والحرفيّين من أبناء بلدنا العربي الحبيب المغرب الذي زرته عدة مرات وأحببت شعبه الطيب.

لقد مر أكثر من عقد من الزمان على خطف ابنتنا العزيزة “القلعة الحمراء” – وهي التسمية التي أطلقناها اصطلاحًا تآسيًا بتسمية قصر الحمراء في الآندلس والذي يعتبر الفن الابداعي العربي – التي نقلها السفير الجعيدي ووضعها في مستودع  السجن من دون علمنا، وكان يبدو واضحًا أن السفير يتصرف كما يحلو له.

كما أنني لم أستطع رغم العديد من المحاولات والاتصالات التي قمت بها أنا وبعض الأصدقاء من الوصول إلى الأمير وكذلك الذين يعملون مع الامير لأطلعهم على حقيقة الوضع.

لقد حلمنا أنا وشريكي طويلاً بأن تكون هذه الطاولات التي صممناها وعملنا عليها معًا سنين طويلة، هي المفتاح الذي سيفتح لنا أبواب رزق حلال نزينه بتحفنا الجميلة ونعيد من خلاله رونق هذا الفن الجميل ليصبح المهدد بالزوال في ما بعد كنزًا تتناقله الأجيال ونحفظ من خلاله سر دمج القشرة مع التراث، وهذا كان حلمنا.

قد يتساءل البعض لماذا أكتب الآن هذه الكلمات… الحق يقال، إنني أريد أن يشعر معنا كل من يقرأ بالحيرة التي عاشها شريكي بعد أن انتهينا من جمع الطاولة في منزل الأمير ووقف ينظر إليها مزهوًا بعمله الجميل، وجاء الأمير مولاي رشيد واستلم ابنتنا واندهش بها، شكرنا على عملنا وقال نشوفكم قريبًا وهذا وجه الضيف منذ أكثر من 12 سنة… وبعد الطعام الفاخر وعيد الاضحى على الأبواب… فاجئه الحاج بالمين يخبره بانهم لم يدفعوا إجرة تركيب السقف المغربي فانزعج شريكي وعلا صوته في وقت كنا فيه بأمس الحاجة إلى المال حيث كنا قد أنفقنا مدخراتنا على إنشاء ورشة جديدة في مراكش وشراء العديد من المعدات وجاهزين للانتاج وحولنا جنود من الحرفيين في جميع المجالات.

لقد ارتكب السفير الجعيدي جريمة بحقنا. وأنا إذ أعرض قضيتنا فإنني أرضى بأي حكم يصدر من اخواني في المغرب الشقيق وفي العالم العربي والعالم أجمع. وأنني أحمّل السفير الجعيدي مسؤولية كل القهر والعذاب والألم الذي عاشه شريكي قبل موته وأعيشه أنا اليوم إضافة إلى المسؤولية عن كل الخسائر المادية التي ترتبت علينا من الإخلال بالاتفاق الذي كان بيننا وبين السفير.

نعم، لقد رحل شريكي وحينها قلت في نفسي أن الحلم قد مات معه، ولكنني استجمعت شجاعتي وساعد في هذا طبيعتي المتفائلة وصممت أن أواصل السعي لوضع الطاولة في قصر الملك محمد السادس أيده الله ونصره، والحصول على الوسام الملكي لي ولأولاد شريكي محسن لعل في هذا بعض التعويض لصديقي وشريكي المتوفي وأنا على ثقة بأن كل من يعلم بقصتنا سيقف إلى جانبنا ويدعمنا.

في النهاية، لست أدري إن كان سيل الكلمات الجارف قد استطاع أن يعبر عن بعض ما في نفسي من غضب على سفير خائن وألم على صديق غائب وحزن على استغياب أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، من قبل هذا السفير واستعمال اسم صاحب الجلالة الملك واسم الشعب المغربي لتمرير مصالحه الخاصة.

عفوًا يا شريكي فالحق لم يتحقق بعد ولكنني على الطريق باقٍ لنيل ما لنا.

المخلص حاطوم مفيد حاطوم

   نيويورك

11/9/2019

اترك تعليقاً

إضغط هنا

Latest from Blog

أم عبدالله الشمري تتحدث عن الشهرة والعائلة والتحديات في أولى حلقات “كتير Naturel”

استضاف برنامج “كتير Naturel” في حلقته الأولى، الذي يُعرض عبر تلفزيون عراق المستقبل من إعداد وتقديم الإعلامي حسين إدريس، خبيرة التاروت أم عبدالله الشمري. وتحدثت أم عبدالله بكل صراحة عن مسيرتها، الشهرة،

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop