كف يعلّم – بقلم: كريستيان بلّان

الخميس, 23 يونيو 2022, 0:19

مجتمعات عدة تلجأ إلى العنف في تربية أبنائها وبناتها إيمانًا منها أنّ الكف يعلّم متلقيه ألا يكرّر الخطأ. ورغبة الإنسان وسعيه للإنتماء إلى مكان والاندماج في مجموعة، لما يشعره ذلك بالأمان والحماية إلى جانب القبول والإحاطة، يجعلانه على استعداد تبنّي عادات وتقاليد ذلك المجتمع، كما أفكاره ورؤياه في الحياة بمجرّد أنّه ولد هنا أو هناك. مسلّمًا بما تفرضه من نمط عيش وطرائق تربية ولغة تواصل. وكم من مرّة ومرّات سمعنا عبارة: “ربّ ولدك!” – “ما قلة الأدب هذه؟ كيف تسمح لولدك بالتّكلّم معك هكذا؟” – “ولدك بحاجة لتربية حتّى يعرف حدوده!” – أو حتّى:”اسكت! أنا والدك، لا تكلّمني هكذا” – “من تعتقد نفسك لتكلّم أهلك بهذه الطّريقة؟”. وغيرها وغيرها من العبارات الّتي تمجّد دور الأهل وتقلّل من شأن الابن أو الابنة! وحينما يطرح السّؤال الشّهير: “لماذا”؛ تأتي الإجابة الشّهيرة: “لأنني أمّك أو لأنني أبوك وقد قلت كذلك”. ويا لها من إجابة مقنعة لعقل ينمو ويريد أن يعرف الأسباب خلف قرار ما صادر من سلطة أبويه عليه. ولا يلقى جوابًا يقنع فكره فيسكته ولا يلمس مشاعره فيطمئنها. وإنّما يولّد اهتزازًا بالثقة بالسلطة الأبويّة تلك، وازدواجية في المشاعر تجاه أهل ما أهّلوا ذواتهم للتّعامل مع إنسان سيكون عماد مستقبل قريب يشهدون فيه نموّه وتطوّره. وإنّما هم ليشهدوا على استسلام وخنوع أو تمرّد فعصيان.
سألني الطّلّاب مرّة، على أثر نصّ نعالجه عن المدرسة القديمة والعلاقات الّتي تدور في فلكها، لماذا عندما كان يضرب التّلميذ كان فعلا يتوقّف عن القيام بأمر ما ويتغيّر سلوكه؟ وبعد شرحهم لي ماذا يقصدون بتغيير سلوكه… كان السّؤال الّذي يطرح نفسه: “متى تغيّرون أنتم في سلوككم؟”
– عندما نخاف من عقاب أهلنا.
– لا أريد أن تنزعج أمي بسببي.
– لا أرغب بأن يؤنّبني أحد.
– أخاف أن تغيّر المعلّمة رأيها بي.
– هي ترعبني.
– كي لا يوجّه إليّ كلام يؤذيني.
– أريد أن أحافظ على حبّ أهلي لي.
– “بمَ تشعرون بهذه الحالة؟”
– بالخوف.
– “وهل يعجبكم هذا الشّعور؟ ولماذا؟”
– كلا. كانت إجابة مشتركة بين الطلّاب جميعهم/هنّ.
– أشعر أنّني عاجزة لا أستطيع أن أفعل شيئًا.
– أريد أن أدافع عن نفسي أو عن رأي وإنّما الخوف يمنعني فأسكت.
– يحرمني خوفي من صوت أبي من التعبير عن رأي.
– أنا دائم القلق والخوف من توقّف أهلي عن حبّي.
لو يعرف الأهل فقط ما يشعر به ويفكّر به أبناؤهم وبناتهم لاعتمدوا أساليب أخرى أكثر انفتاحًا واهتمامًا ومراعاة لأحاسيس طريّة، قابلة للانكسار، خاصّة أولئك منهم الّذين يمارسون الابتزاز العاطفي ويفضّلون أو يسعون لولد مطيع يهز رأسه إيجابًا عند أي استحقاق ويجلس في صمته متقوقعًا لا يجرؤ ولا يتجرأ على التّنفّس أو ابن مشاكس رافض معارض لكلّ شيء وفي كلّ وقت. فلماذا يغيّر الولد المعنّف بسلوكه حينما يضرب؟ نعم؛ أحسن الطّلاب واستفاضوا بالشّرح المباشر: إنّه الخوف عزيزي الأب! نعم هو الخوف عزيزتي الأم! ليس احترامًا ولا حبّا بالأهل أو قبولًا. ذلك هو الخوف الذّي يتحكّم بأطفالكم، عماد المستقبل وبنّاؤوه، ويجعلهم عرضة للتنمّر ممارسة أو تلقّيًا.
الكفّ يعلّم! نعم يعلّم؛ وليس فقط في الجسد وإنّما أبعد من ذلك بكثير فكم من شخصيّة محطّمة وعقل متجمّد وروح مكسورة الجناح وقلب يعاني الجفاف.
وقد علّم صحيح في فئة أقلّ ما يقال فيها أنّها اعتادت الضّرب فرضخت وإن ثارت أخضعوها لأنّهم يعرفون تمامًا قيمة الخوف المزروع فيها من الصّغر. وقد علّم الكفّ ما علّم!

اترك تعليقاً

إضغط هنا

Latest from Blog

أم عبدالله الشمري تتحدث عن الشهرة والعائلة والتحديات في أولى حلقات “كتير Naturel”

استضاف برنامج “كتير Naturel” في حلقته الأولى، الذي يُعرض عبر تلفزيون عراق المستقبل من إعداد وتقديم الإعلامي حسين إدريس، خبيرة التاروت أم عبدالله الشمري. وتحدثت أم عبدالله بكل صراحة عن مسيرتها، الشهرة،

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop