لبنان… وديع الصافي – حبيب يونس

الأربعاء, 16 أكتوبر 2013, 20:33

قلال اللي لِمِّن نقول لبنان، فينا نقول إنُّن لبنان. وديع الصافي واحد منُّن. وبكرا بيدرسو ولادنا أسامي الوطن، بيقولو: لبنان، وفينيقيا، وأرض كنعان، وجنة ألله ع الأرض، وبلد الأرز، ووديع الصافي.

من أول ما تفتَّحو شفافو ع الغنا، نْقَطَفت باقة زهر، وطلعت سندياني رح منضل تحت فيّاتا، ولو غاب هـ الكبير بالجسد. بيكفي قَدّ ما غصون صوتو معبايين الفضا، قديش رح يضيِّفنا فَيّ.

“ع اللوما اللوما”، الغنِّيي اللي زادا بآخر لحظا ع أول إسطواني إلو، لأنو الأسطواني كانت ناقصا وبتحمل بعد كم دقيقا، هيي بداية الشّهرا اللي خيمت ع كل الزمن من أولو، ت تخلص الدِّني. ومن وقتا، ومع مواويل وغنيات سبقو ولحقو، نْقال ورح يضل ينقال: أروع صوت وأكمل صوت وأجمل صوت عرفتو البشريي، ومش رح تعرف أشجى وأصفى وأحلى.

ولمن طلع بـ”لبنان يا قطعة سما” (من شعر رفيق دربو “أبو لبنان” يونس الإبن)، وصل الأرض بالسما ع زيح صوتو، وضَبّو اللي كانو يقولو مواويلن… بالجيبي، وصار في مدرسة غنا إسما وديع الصافي.

وفي شي ملحن كبير أو شاعر كبير ما تمنى يكمِّل كتاب شهرتو ولنو بغنيي موقّعا لوديع الصافي، والصافي يخلي بصوتو اللحن أحلى وأصفى. هـ الصوت اللي عْترفولو بفرادتو وعظمتو كبار، من محمد عبد الوهاب للأخوين رحباني… وبتعرفو قصة الترمس؟ كانو بسهرا وطلب عبدالحليم حافظ يغني قدام وديع الصافي غنية “ولو” بإحساسو العالي. ورجع غناها “أبو فادي” وراه. بيقلو عبدالحليم: “يا أستاذ إحنا بعديك ح نروح نبيع ترمس”.

ولمن ينقر الصافي ع عودو بتقسيمي، قبل عودو، تدوزن الفرقا الموسيقيي ع صوتو، لأنو سبحان ألله، وحدو من بين قلال، يعني بنسبة واحد ع مليون بين البشر، نْعَطى نعمة يكون عندو شي بيسموه الدَّيني المطلقا، l’oreille absolue.

ولمن تجاوز الخمس تالاف غنيي ولحن، ما خلَّى إزاعا أو شاشي أو مسرح أو أسطواني، يعتبو ع عِرْبي من عِرَبو، وع طلعة موال، وع رندوحة نغم، وع ترنيمي وترتيلي بيمجدو الخالق والعدرا، وع شهقة طرب، هو البيقولولو أصيل.

ولمن قلَّا “ناطرك سهران ع ضو القمر”، بهونيك حفلي بآخر الستينات، عمل، متل عادتو، الما حدا عملو قبلو: نقل من مقام لمقام لمقام. ووقفو الآلات الموسيقيي، وما عرفو كيف يلحقوه. حتى يمكن ما سترجو يزنّو بس ع الوتر.

ولمن غنى لبنان صار لبنان أحلى وأغنى. ولمن غنى الإنسان والأرض والحبيبي والضيعا والأم والإبن والبطل والصيف وتشرين والحصادين ومعلم العمار والعصفور والبحارا والغياب، شالن من وجعن وغربتن وردُّن ع ضيعة الفرح. وحتى لما “رمي حالو من العالي” أو لما تهدّو فيه “ع سطح البلديي”، كرمال البيحبا، راحت علينا نحن، ع كل آه قلناها من القلب، لأنو البيقولو، وخصوصي هو عم “يشكي للبير”، مليان صدق وكرم وعاطفي ومحبي.

قلت بقصيدي عنو “صَوْتو الْبيطَلِّعْ عَ السَّما كْنيسِةْ وَتَرْ”. صوتو كمان سرير، ويا ما هزَّيت لبنتي ع إيديي ع غنيي لـ”عمو” وديع ت تنام. ولم خبرتو مرّا، وكنت ببيتو بالمنصوريي، إنو هيك كانت تنام. قلي دِقِّلا. دقيتلا، وقبل ما يقول “ألو”، بيرندحلا: “طلّو حبابنا طلّو”. وبدل ما تنام، وعيت من أول عمرا ع الجمال والأصالي.

وصوتو كمان وطن، بيرجع الغيّاب من أول الأوف… و”يا مهاجرين رْجعو”. أو بيقرب أهل الوطن لبعضن، و”جايين يا أرز الجبل”، من نيحا… لأبعد حبة تراب ع أرض لبنان اللي “أغلى من كنوز الدَّهب”.

ويا ما ليالي بغربة أخوتي عن الوطن، نقعد نحكي بكل وسايل الاتصال الحديسي، وأكتر الحكي يكون غنيي أو موال لوديع الصافي، وننبش كنوزو المزروعا بأرض الزاكرا أو بشي أرشيف، أو ع شي موقع إلكتروني أو بشي تسجيل عتيق، ونفرح نحن وعم نتقاسم لقمة الغربي.

مات وديع الصافي، والموت حق. بس مبارح ت مات؟ لأ… مات من زمان، من يوم ما بلشت القيم تنحدر، ع كل المستويات، وما عدنا نسمع غنيي لوديع الصافي أو لصباح أو لفيروز، ولكل الكبار اللي صنعو مجد لبنان الفني الإبداعي، ع الإزاعات والشاشات اللي عبو هواهن بكميي من المخنتين اللي في وراهن شركات إنتاج بتتاجر بالفن ع حساب الأصالي والأصول، وصار الجنس والأكل والتبصير وحدن المواضيع اللي بيتكلو عليا ت يعيشو، أو اللي المطلوب منن تسويقا، عن وعي أو عن غبا أو ت يسايرو الموجي السايدي، بهدف تسطيح العقول وتسميم النفوس لتسهيل السيطرا ع البشر.

مات وديع الصافي لما صارت مبادي السياسي والإقتصاد والمجتمع، بتشبه الترمس اللي حكي عنو عبد الحليم. لا عاد في أخلاق ولا قيم ولا قواعد، في وصوليي وهيمني وزحفطونيي…

البعض سْتغرب ما ينعلن يوم حداد ع هـ الكبير. هيك مبدع بيخلدوه أغانيه وصوتو، ما بيحدّو عليه. لو كنت بالسلطا، والقرار إلي، بفرض ع كل وسايل الإعلام، ولو غصب عنّن، أسبوع كامل تكون كل موادو فن وديع الصافي. وبفرض أكتر، برامج فنيي تحيي أعمال الكبار اللي راحو، وبطليعتن وديع الصافي… هيك سلطات ترمس، لو بيهمّا الأصالي، كانت حافظت ع قيم السياسي اللي هيي بحد زاتا فن قيادة الشعوب.

لبنان الترمس مش لبناننا. لبنان وديع الصافي لبناننا، وهو اللي بيبقى. وما ننسى – وهـ الموضوع تطرقتلو بهـ الزاويي من كم شهر – إنو اللي حمى لبنان من الزوال، بعد الحروب اللي توالت ع أرضو من سنة 1975، هو 25 سني من الإبداع والعطاء بمجالات الفن والأدب والمسرح والرسم والنحت والموسيقى والغنا والرقص، بين سنة 1950 و1975، ومش أي شي تاني.

صوت وديع الصافي وأعمالو خالدين، وباقيين بالبال وبالزاكرا، وهني عناوين منبني علين الجمال والبكرا الحلو، ومنضل أصيلين وطيبين ومؤمنين، متلما عرفنا أبو فادي طول الـ92 سني من عمرو. وهيك لبنان، ومش إلَّا هيك، وهيك شعبو، ومش إلَّا هيك، وما ننغش بكم بياع ترمس… عم ينادو ع بضاعتن الفاسدي بساحاتنا وشوارعنا.

وديع الصافي… منعرف إنو في سبع سماوات. برحيلك زادو سما صوتك، وصارو تمان سماوات. وكلما نسمعك رح نقول معك: “يسعد صباحك هـ الحلو، يا الإنت للدنيي صباح”. مش إسمك مرادف لإسم لبنان؟

إضغط هنا
Previous Story

الرمان دواء من يريد حماية قلبه وأوعيته الدموية من الأزمات

Next Story

الإعلامي ميلاد حدشيتي يفتتح الموسم الجديد لبرنامجه “ناس وناس” مع الملحن والشاعر سليم عساف

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop