من أجل دمعة والد الشَّهيد – حبيب يونس

الإثنين, 24 يونيو 2013, 18:17

رادار نيوز – غالٍ دمع الرجال… وعزيز. فكيف إذا كانت دمعة أبٍ فُجع باستشهاد ابنه الضابط، وكان يميته كلَّ يوم أن يذهب دمه سدًى، وهو يرى رفاقه العسكر يسقطون كالعصافير برصاص زعران تلطوا خلف الدين، والدين منهم براء؟

تقدم مني خلال احتفال لتخريج دورة مغاوير حملت اسم الرائد الشهيد بيار بشعلاني، بعدما صافحتً، معزيًا، أرملته الشابة التي تسلمت درعًا في المناسبة، وعلى يدها طفلها الصغير ببزة مغوار. قال لي: ألا تريد أن تعزيني؟ أنا والد بيار. وقبل أن أتمالك نفسي، أحسست أن قلبي كاد يتوقف حين طفرت دمعته، وهو يقول: إبني من أشرف ضباط الجيش وأكثرهم شجاعة. لا أريد أن يُستشهد كل يوم، وما زال المجرمون الذين أردوه بدم بارد أحرارًا، فيما رفاقه يتعرضون كلَّ يوم للاعتداءات، وهم يعضون على جراحهم، لأن قيادتهم تؤثر الحكمة على استخدام القوة.

ودَّعته وغصَّتُه في قلبي، وقد أنستني العرض البطولي الذي قدمه خريجو الدورة، في حضور كبار ضباط النُّخب المقاتلة في الجيش… إلى أن غدر الكراكوز الصيداوي، الذي كان يخفي دراكوليته تحت لحيته، بضباط وعناصر من الجيش في صيدا وعبرا، بعد ظهر الأحد 23 حزيران 2013، مرتكبًا عن قصد مجزرة، جعلت دمع الرجال، آباء الشهداء، يطوف كنهر.

ظن هذا الأرعن المتسلح بدعم مالي وسياسي وعسكري من أفرقاء محليين يحترفون الكذب والخداع، ويلبسون ألف قناع وقناع، وفي فم كل منهم مئة لسان ولسان، أن وقته حان ليصبح حاكم لبنان. صدَّق بطولاته الفارغة على الشاشة، وعنترياته التي تركب حينًا الدراجة وتتزحلق أحيانًا على الثلج، وجهله ورفضه الآخر وتهجمه على مذاهب وأديان بأشنع الألفاظ، فضرب بخنجر الغدر ضربته التي جعلت قيادة الجيش تخلع بزة الحكمة، وترتدي بزة الغضب المقدس، فتلقنه هو ومن وراءه درسًا يكون عبرة لأمثاله ممن حاولوا في الشمال والبقاع ومناطق أخرى، إشغال الجيش باعتداءات ومواجهات، قَمَعها على الفور.

ولعل بيان قيادة الجيش وجه رسالة إلى من يجب. ليس إلى هذا الكراكوز الدموي المفتن الكاذب الجبان، بل إلى من يحميه. نبرة الرسالة حازمة، ولغتها واضحة، لا تحتمل أي تأويل. قال إن ما حدث في صيدا “فاق كل التوقعات”، مشبهًا إياه ببداية الحرب عام 1975، وإذ رفض “اللغة المزدوجة”، دعا “قيادات صيدا السياسية والروحية ومرجعياتها ونوابها إلى التعبير عن موقفهم علنًا وبصراحة تامة، فإما أن يكونوا إلى جانب الجيش اللبناني لحماية المدينة وأهلها وسحب فتيل التفجير، وإما أن يكونوا إلى جانب مروّجي الفتنة وقاتلي العسكريين”.

نزل البيان على الجميع كالصاعقة التي أيقظت عقولًا باردة، وأقلقت نيات مبيتة، وأخرست من ما زال يسعى إلى اللفلفة وكسب الوقت، فرفض الجيش أي مسعى لوقف القتال قبل سوق هذا المسخ إلى العدالة والاقتصاص منه، ثأرًا للشهداء وكرامتهم، ودرءًا لفتنة يحاول عاجزون جرَّ البلاد إليها، ويتحمل القادرون كل صنوف الصبر والإهانات والجلد، من أجل تجاوزها.

ولكي لا تدمع عين رجل بعد اليوم، فلتُعلن حال الطوارئ، وليُنذَر المسلحون الغوغائيون الكراكوزيو الهوى والهوية، لتسليم أسلحتهم، وإلَّا عاملهم الجيش كخارجين على القانون، وحُقَّ له مقاتلتهم حيث هم. وليقلع من يحميهم من السياسيين عن الاختباء وراء حجج واعتبارات، وليرفعوا الغطاء عنهم… فيتحول لبنان في أسبوع واحة أمن واستقرار.

ليس المطلوب أن تُترجَم خسارة القصير حربًا في لبنان، ولا أن يكون الحل بتسمية صاحب نظرية الاستعانة بسلاح التكفيريين، وقد أصبحوا بالآلاف عندنا، لمواجهة سلاح حزب الله، كما كانت عليه الحال عشية معركة نهر البارد، رئيسًا للحكومة، بحجة أنه وحده القادر على لجم هؤلاء… على ما تفعل دول أو مجتمعات، حين تكلِّف “أزعر الحي” بضبط الزعران الآخرين.

دمعة أبي بيار… ودموع آباء شهداء صيدا وعبرا، وقبلها كل الدموع التي ذرفت على جميع الشهداء، لن تكوني، وحق دمائهم، إلا ندًى ينبئ بانبلاج فجر الخلاص، على وقع هذا النَّشيد:

الْغَبْرا عَ بَدْلاتُنْ شَرَفْ

وِالْوَحْل عَ صْبابيطُن بْيِصْرُخْ وَفا

وِالتَّضْحِيي عَ جْباهُن بْتِسْكَرْ أَلَمْ

لِبْسو الْخَطَرْ عَ الْمَعْرَكي وْراحو:

أَبْطال تَحْت تْرابنا رْتاحو

وْأَبْطال، تَ نِرْتاح، ما رْتاحو…

بيِرْتاحو

لِمِّنْ الأَرْزي تْتَوِّجا بَسْمِةْ طِفِلْ

عَ كِتْف بَيّو…

وْحامِل بْإيدو الْعَلَمْ.

إضغط هنا
Previous Story

نقابة المحررين تدين وتستنكر التعرض للجيش اللبناني في اي من مناطق لبنان

Next Story

منسًق “تجمع الانتشار البيروتي” الاعلامي الحاج محمد العاصي أبرق الى قائد الجيش العماد جان قهوجي معزياً

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop