رادار نيوز – لا يحاولنَّ أحدٌ رمي حجر في مستنقعنا اللبناني، لأنه سيبقى راكدًا لفرط ما ارتكب سياسيوه، معظمهم، من أخطاء وخطايا أثقلت حجم مائه، ولكثرة ما علت الطحالب والطفيليات النابتة في قعره وعن جنباته، حتى تحول سطحه أخضر… ولكن “مش حلو” – عفو الرحبانيين وفيروز.
قد يسأل أحدهم: ما بك تتحدث عن مستنقع راكد، والساحة مفتوحة، كل لحظة، على خضات سياسية وأمنية وعسكرية تجعل محيطًا يثور وبحرًا يموج ويملأ الفضاء عواصف وأنواء؟
ما بي شيء… وبالإذن من الأخطل الصغير “وحياة عينك وهي عندي مثلما لبنان عندك”… كأني بكل هذا الحراك حركة بلا بركة، مضبوطة على ساعة توقيت خارجية، بدقة الساعة السويسرية، مع عقرب انتظار إضافي يدور على هوى الأزمة السورية. والخلاصة البسيطة ألَّا يعتقدنَّ أحد أن حدثًا ما، مهما عظُم، قد يحرك المستنقع. هو لفحة هواء على سطح “الأخضر المش حلو”، ليس إلَّا، ولا تهديد من هنا أو جريمة من هناك، ولا استنفار أو حشد أو تظاهرة أو تدخل أو فقاعة صابون أو بوق مزعج الصوت أو أزمة حكومية أو نيابية أو فراغ أو شغور أو عزوف أو استقالة، ستحدث دائرة أو تقلق الضفادع التي تنعق ملء بلاعيمها عن شواردها…
ولا يظننَّ أحد أيضًا أن المسمى ربيعًا عربيًّا سينتهي إلى أي انتصار. قد يأتي لاحقًا، ولا بد آتٍ، انتصار الشعوب العربية على ماضيها الحديث بكل رموزه وحكامه وخيباته وانكساراته وقضاياه الكثيرة الشعارات الفارغة المضمون. ولمن يسأل عن سبب انهزام هذا الربيع، أدعوه إلى معاينة هذه الخلاصة البسيطة: حبلت هذه المنطقة بأفكار إسلامية جسدتها فرق وتيارات، قُمعت حينًا ولوحقت أو حُظِّرت أحيانًا، وسُحقت أحيانًا أخرى، من دون أن تمحى من الوجود. وعندما حان أوان الوضع، وتسلمت السلطة هنا وهناك، حاولت محو غيرها من الوجود. كأني بها شاخت قبل أن تخطو خطواتها الأولى… لئلا أقول ماتت قبل أن تولد.
ولا يسمحنَّ أحد لنفسه بأن ينصح للآخرين بأمر لم يختبره يومًا. أي أن مثل المجرب والحكيم لا ينطبق عليه. فما بال حكامٍ عرب، وسياسيين و”محللين استراتيجيين” فظيعين وإعلاميين “مبدعين”، نعرف أنهم يتفرجون على الديمقراطية كمن يشاهد فيلم سينما، ولم يمارسوها يومًا في أي مجال، ولو على مستوى “عريف صف” في مدرسة، يروحون يملون على آخرين ما ينبغي لهم فعله من أجل إصلاح الحكم عندهم، وينتقدون نظامهم وسياستهم وأساليبهم… وهؤلاء الآخرون المعنيون، عنيت الإيرانيين، يتداولون السلطة، وتجرى في بلادهم انتخابات، لا ينجح فيها أحد بنسبة 99 في المئة و”كسور”. وسواء أحببتهم أم كرهتهم، لسبب أو لآخر، لا يمكن إلَّا أن تقدر لهم، أن بينهم أكثر من رئيس سابق على قيد الحياة، وأنهم على رغم الحصار الاقتصادي الذي يعانونه منذ سنوات، والتهديد الدولي الدائم بشن حرب عليهم لإجهاض برنامجهم النووي، ما زالوا يرفعون التحدي بتجديد طبقتهم السياسية، وإن محكومة بمظلة مرجعية دينية.
الخلاصة بسيطة أيضًا، قبل أن ينبري أحدهم ليطرح أي سؤال: ليكف الجميع، في مقاربة وضع العرب والإيرانيين، عن تعميم الخوف من الفتنة المذهبية وعن التسويق للصراع المذهبي والعزف على هذه الأوتار، لأن الصراع بين الطرفين يرقى إلى ما قبل الإسلام بكثير، وهو مستمر حتى الساعة، وينطوي على أسباب جيوسياسية واقتصادية وثقافية وإتنية وحضارية، أكثر منها دينية ومذهبية.
وبعد؟ لا يحسبن أحد أن الله وحده عارف كل شيء يحصي أنفاس البشر، ولا تسقط شعرة من رؤوسهم إلا بمشيئته. لا وألف لا، وليس في ما أقول كفر أو إلحاد. إذ ليس المال هو الرب الآخر فحسب، أونسيتم التكنولوجيا التي وظفتها الدول المتقدمة علميًّا، لتحصي أنفاس الناس فتتجسس عليهم أينما كانوا، وتلاحقهم حتى إلى أسرة نومهم، وتعرف كم زوج جوارب يقتنون في أدراج خزائنهم، وما هي أطباقهم المفضلة، وماركات كراسي الحمام التي يقضون عليها وفيها حاجتهم…؟
وما قضية الأميركي الموظف السابق في “السي أي أي” إدوارد سنودن الذي سرب وثائق سرية إلى صحف أميركية وفر إلى هونغ كونغ، وهو الآن ملاحق، إلا دليل من بين أدلة أخرى تفضح تجسس الولايات المتحدة على مواطنيها وعلى أهل الأرض، من خلال مراقبتهم جوًّا في حلهم وترحلهم، ومتابعة اتصالاتهم وبريدهم الإلكتروني ورسائلهم النصية في كل وسائط التواصل الاجتماعي.
والخلاصة بسيطة… قد يكون لسان حال اللبنانيين، وهم في مستنقعهم “الأخضر المش حلو”: أنا الغريق فما خوفي من البلل. ولكن ماذا يفعل أهل الأرض الذين ما زالوا يعومون في الماء أو ينادون بحقوق الإنسان أو يقدسون الخصوصية والحميمية؟ ليس في يدهم حيلة، حيال هذا الواقع، إلا العودة إلى الكهوف، والعيش فيها، فهي محصنة بطبقة سميكة من الصخور، ضد أنواع التجسس هذه… شرط أن ينتشلونا من مستنقعنا إلى كهوفهم.
نحن جربنا الواتس أب في المستنقع، وهو “شغَّال تمام”. ولكن هل جربه أحد في الكهف؟