قبل التطرّق إلى المُصطلحات على شاكلة “رفع الرهاب المثلي”، “الجندر”، “الحقوق الجنسية والإنجابية”، “الحق في الإجهاض الآمن”؛ من المفيد إلقاء الضوء على بعض الشعارات على شاكلة “ما تشِكّ”، “السيدا يقتل.. الوقاية سهلة”، تمهيدا لفهم الموضوع.
تبرز مثالب أنشطة الجمعيّات حينما ترفع شعارا معيّنا وتزعمُالعملَ لأجله، دون إجراء تقييم صادق ودقيق لمدى تطابق المقصود من النشاط مع نتائجه على أرض الواقع. ولقد شهدنا تباينات كبيرة، منها على سبيل المثال شعار “ما تشِكّ” الذي يُعنى بالمخدرات داخل الجامعات، وكنا طلابا هناك حيث معظم الطلبة- اللهُمّ إلا روّاد الكافتيريا- كانوا يؤكدون أنهم لا يتعاطون ولا يعرفون أحدا يتعاطى المخدّرات، وجاءت مُخرَجاتِ تلك الحَملةِ تذكيرا للشباب بوجود المخدّرات وإمكانية الحصول على اللذة السريعة، أكثر من الهدف المُعلن والمتمثل بالتحذير من مساوئها، بدليل تفاقم تلك المشكلة منذ ذلك التاريخ.
لم يكن شعار “ما تشِكّ”، آخر الشعارات التي عاصرناها خلال الدراسة الجامعية، بل حلّ علينا ضيفا آخر هو شعار “السيدا يقتل.. الوقاية سهلة”، وهذا الشعار الذي طبعَت لأجله المناشير وامتلأت به الجدران، بدلا من ان يتخذ من مرض السيدا منطلقا لتذكير الطلاب بثوابتنا الإجتماعية وتعاليمنا الدينية، انتهج منهجا آخر وكانت نهاية مطافه الترويج لأنواع مختلفة من الواقي “كوندوم”، والتأكيد على وجوده في الصيدليّات بتشكيلة ترضي جميع الأذواق، حيث ناعم الملمس والمُدَبّب،منه بطعم الفريز وآخر بنكهة النعناع.
لكلّ مجتمع خصائصُه، وما هو مطلب مُلِحّ في الشرق ليس مطلبا مُلحّا في الغرب. نأخذ على سبيل المثال حق التعبير عن الرأي، فنجد ان الحاجة في الشرق كبيرة لنشر ثقافة التعبير سواء لجهة سماح المسؤولين بممارسته من قِبل الجمهور (حال الدول العربية عموما قبل ربيعها الكاذب)، أو لجهة إلتزام الجمهور بضوابط ممارسة هذا الحق (حال لبنان)؛ ذلك ان حقّ التعبير عن الرأي، يأخذ في الغرب صورة مختلفة عن صورته في الشرق، لأن سياسة كم الأفواه من قبل الحكام في الغرب غير موجودة، ولأن الناس هناك يتمتعون بدرجة كبيرة من الوعي، فلا يحرقون إطارات في حال غضبهم، ولا يطلقون النار بالهواء في حال فرحهم. وبات مقصد حقّ التعبير في الغرب ما أطلق عليه مسمّى “رفع الرهاب المثلي” أي احترام الميول الجنسية لكل شخص، وضمنا تطبيع الظواهر غير الطبيعية من سحاق، لواط، ثنائية وتحوّل؛ وبكل بساطة تهبّ الجهات المانحة وتبدي كرمها تجاه الجمعيات عندنا لا لتدعم حق التعبير في مفهومه الأول والذي تتعطش إليه مجتمعاتنا، بل لتدعم جمعيات ساذجة تسير مسارا يحاكي الحاصل غربا، فيضيع حق التعبير شرقا، على أيدي من يسمّون أنفسهم زورا “نشطاء حقوقيّون”.
بالعودة إلى بقية المصطلحات الملغومة وباختصار شديد، فالجندر عبارة تلحظ الميول الجنسية الشاذة بهدف تطبيعها وتوطين النفوس على تقبّلها، خلافا للفطرة البشرية السليمة. أما الحقوق الجنسية لدى المراهقين فهو تعبير يستهدف الحياء بالدرجة الأولى، وتتعاظم خطورته مع الدعوات لرفع سن الزواج في سعي ممنهج لتعسير الحلال وتيسير الحرام. وصولا إلى مصطلح “تعنيف المرأة” نسأل: من منا يؤيد العنف ضدّ المرأة؟ حتما لا أحد من العقلاء! لكن انتباه: “ماذا وراء ذلك المصطلح الذي أخذ حجما مريبا؟” نطرح هذا السؤال وفي بالنا مطالب لجنة المرأة في الأمم المتحدة إلى حكومات العالم بوجوب إقرار وثائقها التي تتضمن “حق الإجهاض الآمن”. ذاب الثلج وبان المرج، والعقلاء ذاتهم في مجتمعاتنا باتوا يدركون أن مفاهيم الشرف والعفة ليست بأمان.