قيافا حيٌّ فيهم!!! – حبيب يونس

الإثنين, 9 سبتمبر 2013, 10:07

رادار نيوز -المشهد نفسه يتكرر بعد ألفي سنة تقريبًا. الضحية واحدة. جلادها واحد. المتبرئون من دمها هم أنفسهم… الأدوات والأساليب والدعاية المعتمدة واحدة هي أيضًا. وحدهما الحاكم الحكم والقاضي الدافع إلى ارتكاب الجرم اتحدا اليوم في واحد. ووحده الهتاف تغيَّر: هجِّروهم هجِّروهم… بدلًا من اصلبوه اصلبوه.

المسيح الذي جاء ليفتدي العالم، فصُلب عنه حاملًا خطاياه ومبشرًا بعهد جديد وبقيامة، يشهد له شعبه في هذا الشرق اليوم ويحيا آلامه ويفتدي القيم التي أرساها في الأرض وبين بني البشر، بالاستشهاد من أجلها والتشريد والحرمان والرفض… وصولًا إلى التيئيس فالتهجير إلى أقطار العالم الأربعة، ما خلا هذا الشَّرق الذي منه انطلقت الرسالة المسيحية.

روما تلك، هي الغرب اليوم، وفي طليعته أميركا. هي التي تهتف هجروا شعب المسيح، وأفرغوا الشرق منه، ووزعوه هنا وهناك. وهي التي تدفع، مباشرة أو بالواسطة، مضطهدي هذا الشعب إلى التنكيل به وحمله على ترك أرضه. الشاهد الأبرز القدس التي لم تعد نسبة المسيحيين فيها تتعدى الـ2 في المئة. شاهد آخر أقباط مصر الذين تدرج اضطهادهم من التضييق عليهم وإقصائهم عن الحياة السياسية وتمنينهم بمقاعد وزارية ونيابية وإدارية، إلى ارتكاب المجازر في حقهم وحرق كنائسهم ومقدساتهم، خصوصًا زمن تولى “الإخوان المسلمون” الحكم فيها. شاهد ثالث مسيحيو العراق وهو يكاد يفرغ منهم، حتى لم يبق سوى بضع عشرات الآلاف، هم الذين كان عددهم يناهز المليونين… بعدما “حررته” أميركا – قال – من صدام حسين، ووعدته بالديمقراطية!!! أما لبنان فباتت جليَّة السياسات التي تعمل كي تجعل مسيحييه مجرد ديكور، في القرار والإدارة والاقتصاد وكل مرافق الحياة. وأما سوريا فبحجة تأديب نظامها أو إطاحته، هجر من أصل مسيحييها المليونين، نحو 450 ألفًا، أي ربعهم تقريبًا، واستبيحت مقدساتهم حيث وطأت أقدام التكفيريين، وأشنع مشهد هو ما يحدث لمعلولا، إحدى أقدم المدن المسيحية وأهمها في هذا الشرق، وفي العالم.

وحيال هذه الجريمة، يقف الغرب، معظمه، موقف بيلاطس. يغسل يديه من دم شعب المسيح في هذا الشرق. وأين العجب حين يخلو دستور الاتحاد الأوروبي من أي إشارة إلى المسيحية وقيمها وثقافتها ورسالتها؟

أما أميركا، روما هذا العصر، فهي في الوقت نفسه قيافا، وقيافا حيٌّ فيها وفي من يدور في فلكها، من دول العالم التي تناقض ما قامت عليه من مبادئ وأفكار وقيم وشرائع. لا تخجل من ممارسة كل ما يدفع المسيحيين إلى الهجرة، وتدعي محاربة الإرهاب، فتخترع كل يوم ابن لادن جديدًا، ولو انقلب عليها لاحقًا، وترخي له الحبل هنا وهناك، كأنهما في حلف يقوم على ثلاثة أسس: حذار المس بأمن إسرائيل. نفط هذا الشرق كله لنا… ولكم ما شئتم من أراض وشعوب، ومن لا يعجبه منها حكمكم فليرحل.

كأني بقيافا يحكم العالم اليوم. كأني به ينتقم من فشله آنذاك في منع انتشار رسالة المسيح، وإن نجح في الدفع إلى صلبه، بإخلاء هذا الشرق من كنيسته بشرًا وحجرًا. كأني به يمحو تاريخًا ليكتب تاريخًا آخر يبدأ به، وبه ينتهي.

ولكن مهلًا… قيافا ذاك الذي كانت تعينه السلطة الرومانية، خُلع بعد عشر سنوات على توليه منصبه، في السنة نفسها التي أبعد بيلاطس عن الحكم.

وقيافا اليوم، لا يريد أن يدرك أن في العالم بعد قوة تجبهه، ولن يقدر على قهرها. وما مواقف البابا فرنسيس الأول الداعية إلى السلام وحل الأزمات بالحوار وإدانة تجارة السلاح، سوى موقف إنساني نبيل يستكمل ما أقره مجمعان عقدا من أجل لبنان ومن أجل الشرق الأوسط بهدف الشهادة للمسيح وتجذير المسيحيين حيث نشأوا، أي في هذا الشرق، من ضمن رؤية اكتشفت مخطط التهجير منذ زمن. كأني به الرسل يذهبون في الأرض كلها لإعلان البشارة، شاءت روما أم أبت، ومهما قطعت رؤوسًا، وأطلقت أسودًا وذئابًا تنهش أجساد المسيحيين الأول كي يشبع القيصر نزواته الدموية، ومهما سكبت زيتًا مغليًّا على أجساد المؤمنين تتلذذ بجراحاتهم وحروقهم…

ولا يدرك قيافا الجديد أن زمن الأحادية انتهى، يحول دونها توازن قوى عالمية، من دون إغفال دور الكنيسة الروسية في سعيها إلى تأمين التنوع في هذا الشرق، بإبقاء المسيحيين فيه.

وينسى قيافا نفسه أن الإسلام الحقيقي ليس الصورة البشعة التي يروج لها هو وإعلام الغرب ويدعوان إلى محاربتها، لكن حكومات هذا الغرب تتكل على حاملي تلك الصورة لتحقيق مآربها هي في هذا الشرق. تحية لموقف الأزهر الشريف، ولمراجع وصروح إسلامية تؤكد سماحة الدين الإسلامي وقول نبي المسلمين: “لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحدة”، أو “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”.

وربما أغفل قيافا المذكور حقيقة أن شعب المسيح هو شعب الشهادة والرجاء، وأن كنيسته إنسانه، لا الحجر الذي إذا هدم، يعاد بناؤه، ولو بعد حين.

يبقى القيافيون الصغار، في الغرب والشرق، وحيث وجدوا. هؤلاء ليسوا سوى مصفقين هاتفين مهللين لمعلمهم الأكبر، صاغرين أمامه في كل ما يطلب.

قيافا حيٌّ فيهم… صحيح، لكنَّ الحق الذي لنا حي فينا أكثر، ونعرفه، وهو الذي سيحررنا… من كلِّ قيافا، في كلِّ زمان ومكان، وأبواب الجحيم لن تقوى على بيعة شعب المسيح.

كأني بأجراس معلولا تعلن هذه الحقيقة، في 14 أيلول، عيد ارتفاع الصليب.

إضغط هنا
Previous Story

الناخبون يدلون باصواتهم في الانتخابات العامة في استراليا

Next Story

الاتحاد الأروبي يفرج عن 58 مليون يورو لصالح النازحين السوريين

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop