رادار نيوز – من أجمل ما ورد في أعمال الرسل، عبارة في رسالة القديس بولس وجهها إلى أهل روما، وتصلح لكل روما في كل العصور، ومن يعاني ظلم روما. قال، معبرًا عن فيض الحضور الإلهي في حياة البشر: “حيث تكثر الخطيئة، تفيض نعمة الله”.
وهي عبارة تنسحب حفرًا وتنزيلًا على واقعنا اللبناني، مذ رحنا نتناسى أيَّ نِعمٍ وُهبنا، وكم من الخطايا ارتكبنا، في حق وطن شاءه الله جنته على الأرض.
سبحة الخطايا لا تنتهي، سأكتفي ببضع حبات منها:
– لم ننتقل بعد من ضفة الطائفة والمذهب إلى ضفة المواطنية، ونصر على أن نبقى رعايا في حماية رجل الدين أو عالم الدين أو الزعيم أو السياسي أو حزبه أو حتى “ريس الحي” أو قل المتمول “المحسن الكريم”… لا شعبًا يعي فيحاسب، ويتمتع بحس نقديفيختار.
– لا نعرف كيف نستقل… ولا كيف نحافظ على حرية وسيادة. مريتن انتزعنا الاستقلال، ومرتين أضعناه… لأن كثرًا من متولي شأننا العام لم يتعودوا إلَّا على تلقي الأوامر من الخارج، ليؤمِّروا علينا ويتحكموا بنا، ونحن نلوك علكتهم ونمضغها، وإن نفد السكر منها، حتى أننا لا نجرؤ على أن نلفظها.
– نعجز عن حل مشكلة مجرور في حي، أو إقامة جسر صغير لمدخل منطقة، ونريدنا أن نضطلع في معالجة أزمات أوكرانيا والشرق الأوسط والخضات العربية والهند والسند، لأننا من عشاق القضايا الكبرى، ولا نلتفت إلى “تفاهات”.
– نفتش بالسراج والفتيلة عن انفجار اجتماعي، إما باللعب على القوانين وإطلاق الوعود، لشرائح أصحاب حق في لقمة عيش كريمة، بحجة عجز الخزينة وتأمين الموارد، فيما الأموال تهدر على عينك يا تاجر ويا حكومة ويا وزير، ولا من يحاسب، ولا سلسلة رتب ورواتب، بل سلسلة لجان ومناصب؛ وإما بتحويل لبنان مخيمًا كبيرًا للاجئين من كل حدب وصوب، مع كل ما يترتب على هذا الواقع من أخطار اجتماعية وصحية ومالية وديمغرافية، وحتى سياسية مستقبلًا، إذا لم نتدارك الأمر اليوم، بما أننا غضضنا الطرف عن استدراكه بالأمس، وقد بات جزء كبير من المناطق التي هُجر منها السوريون، داخل دولتهم، مناطق آمنة.
– وأعظم الخطايا أننا لم نجرؤ بعد على الإقلاع عن اعتماد الدستور المنبثق من اتفاق الطائف، بعدما أثبت أنه غير صالح للحياة، وأنه يخفي في سطوره مشاريع أزمات تنفجر بين حين وآخر، وخصوصًا في المفاصل السياسية الأساسية. أما سبب التمسك به فهو – قال – الحفاظ على توازن دولي إقليمي محلي، اختلَّ من سنوات، لكننا نريد أن نصدق استمراره، ونبقيه حيًّا يُرزق ويقطع الرزق. كأني بنا عبدة الحرف، نتشبث به، ولو على حساب الإنسان والحقيقة والحل. والحقيقة تصرخ بنا: اجتمعوا أيها اللبنانيون، واعقدوا مؤتمرًا تأسيسيًّا، يصحح الخلل ويزيل الشوائب من نظام الحكم. حلوا مجلس النواب الممدِّد لنفسه، واتفقوا على قانون انتخاب يحقق التوازن والتمثيل الصحيح، فينتخب المجلس الجديد رئيس جمهورية تتوافر به الشركة الحقيقية بين مكونات الوطن… لتسلم الجمهورية. وليحرد من يحرد من دول العالم، البعيد منها والقريب، ولتدق جميعًا رؤوسها في الحائط.
فإذا أقدمتم، صفحتم عن خطاياكم السابقة، وقدمتم خدمة جلى إلى شعبكم الحبيب ووطنكم الأحب، وإلا كان الفراغ أو الشغور في سدة الرئاسة الأولى، مع ما يستتبعه، آخر خطاياكم المحسوبة عليكم في الدنيا والآخرة… لعل النعمة الإلهية تفيض. إذ ليس بغيرها خلاص لنا. فهلنبقىفيالخطايانتمادى في ارتكابها، وفي بالنا أن النعمة لا بد متدفقة؟ أظن أن لا.
فلا تخيبوا ظني، اعملوا معروفًا واحدًا في حياتكم.
حبيب يونس