رادار نيوز – الثقافة هي التي تصنع حاضرها من منظار المستقبل ولا تأخذ بهذا الحاضر الا بوصفه حركة مستمدة من التحول الخلاق الذي لا يتوقف عن ارتقاء عملية التقدم والتطور الذي لا نهاية له.
ان تراث اية امة يمكن ان يكون عائقاً لحركتها وديناميتها ويجعلها تعجز عن مواجهة تحديات العصر، ويمكن ان يكون هذا التراث منطلقاً ومصدراً لإلهام شعبها وحافزاً على الاستجابة الخلاقة للتحديات.
وان الحوار بين الثقافات والحضارات، أساسه الوصول الى اتفاق حول جملة من القواسم المشتركة، كوحدة الانسان واحترام الخصوصية الثقافية والطبيعية لكل مجتمع وبيئة.
ومما لاشك فيه ان اوروبا من حيث كونها فضاء سياسياً واقتصادياً له وزنه وثقله. تعاني من أوجاع التهميش في ظل هيمنة القيم الأميركية عبر عولمة متوحشة حدودها: الربح وتسليع كل شيء على وجه البسيطة وفتح الأسواق. وكذلك القلق على أحوال العالم بعد أن تبين ان اسواق المال هي سيد الاقتصاد العالمي دون منازع لأنها تتحكم وتؤثر في الوظائف ومعيشة البشر وظروف حياتهم.
إن تحديات العولمة ماتزال متنوعة وكثيرة وتتطلب المزيد من الجهود والمواجهة خصوصاً فيما يتعلق بالمنافسة الدولية وتخفيض الانفاق.
ان قدر العولمة والهوية هو التكامل الشامل، فاختلاف الثقافة والهوية اساس العولمة، وبقدر ماتكون هويات الشعوب مرتبطة ومدعومة بمرجعياتها الثقافية، بقدر ما تكون العولمة اكثر نفعاً وأعم خصوبة، ما يعطيها البعد الانساني العميق.
والواقع ان كلمة العولمة تحمل في طياتها بعض المفارقات والاختلافات التي تخفي وراءها اهدافاً تتعارض كثيراً مع المعنى الظاهر للكلمة. فالعولمة تدعو في ظاهرها الى التقريب بين الثقافات والقيم واساليب التفكير المتباينة والسائدة بين شعوب العالم كوسيلة لاقرار التفاهم المشترك بين البشر، ما يساعد على نشر المحبة والسلام، وتخفي في باطنها نوايا ابتلاع الثقافات الأخرى وخاصة تلك العائدة الى الدول الفقيرة المغلوبة على امرها.
ان العولمة اصبحت الأن القضية الكبرى التي تملأ الدنيا وتشغل البشر، وقد تعدت نطاق الوطن وتجاوزت حدود الدول والقارات والمحيطات، واخذت تؤثر في حياة البشر بنسب مختلفة ومتفاوتة متخيطة اللغة والدين والأرض. مستمدة قوتها وصلابتها وحيويتها من الثورة العلمية والمعلوماتية المتطورة.
ومهما كانت حقيقة العولمة وماترمي اليه فإنها تتطلب عقلاً جديداً لعالم جديد، بسبب تغيير المسلمات التي عاشتها البشرية طيلة أحقاب من الزمن، ثم انتقلت بسرعة البرق الى رحاب عالمية النجاحات والانجازات في الوصول الى الكواكب الأخرى.
فالعولمة تتطلب منا ادراكاً تاماً لها وعقلية جديدة قائمة على اسس المعرفة والإدراك وعلى مفردات ادبية وفكرية، بحيث تستمد قوتها وتركز قواعدها على التطورات المتسارعة حولنا.
ان الوطن العربي يمكن ان يحمي نفسه ويحافظ على هويته في موازين القوة الأحادية الغربية، لما يتوافر له من طاقات اقتصادية وفكرية هائلة، لأن ظاهر العولمة من اكثر الظواهر خطورة في تحدي ومجابهة الهوية والثقافة.
لذلك فإننا مدعوون في هذا عصر العولمة الى السعي والعمل لسد كل الثغرات وعلى اهبة الاستعداد لمواجهة التحديات حفظاً لوجودنا وصوناً لثقافتنا الحضارية.
فهل تنجح الثقافة العربية في ترتيب بيتها، وتحديد اولوياتها، واختيار اساليبها وانضاج رؤيتها لتتمكن من استعادة مكانتها والحفاظ عليها في بحر العولمة الاحادية الجانب، والتي تسيطر عليها التكنلوجيا والمعلوماتية الغربية، فتعود كسابق عهدها رائدة لغيرها لا تبعاً للآخرين…