الطائفية والمذهبية تدفع لبنان نحو البحث عن المواطَنَة والعدالة الاجتماعية

الثلاثاء, 14 يوليو 2015, 12:34

رادار نيوز – بقلم: د. وليد عربيد

* أستاذ في الجامعة اللبنانية ومحام بالاستئناف

ينظرالشعب اللبناني بقلق الى ما يحصل في العراق وسوريا من تصاعد لوتيرة العنف الطائفي والمذهبي، بما يؤشر الى فوضى مسلحة قد ينتج عنها تفكك كيانات سياسية وجغرافية قائمة، بما يذكّر بموضوعة كانت طرحت عهد الفوضى الخلاقة والتي يبدو انها ستتحول، مبدئيا، الى صراع جيوسياسي على اساس طائفي مذهبي. فما يحصل حاليا من تحول مفاجىء في جغرافية العراق وتهديد الحكومة القائمة قي بغداد اصبح ينذر، بجملة من التطورات، التي تهدد مصير الجوار الاقليمي في الاردن وسوريا والسعودية وتركيا.

هذا المشهد المستجد، ترافق قبل زمن وجيز مع «ربيع عربي» حصل في دول مثل مصر وتونس وحتى ليبيا، كان من المفترض ان يؤشر الى حالة شعبية وسياسية مختلفة. لكن الذي حصل، على الاقل في بلدين هما سوريا والعراق، بدأ مختلفا، حيث انصب زخم التدخل الاجنبي والمخططات الدولية الى فرض معادلة جديدة من التوازنات الدموية، بدأت في سوريا صراع كان منطلقه اجراء تغيير اجتماعي في علاقات الناس بالحكم، اي فسح مجال لحريات بدت منشودة في مكان ما، لكنها سريعا ما تحولت الى حرب اهلية كان زادها دفع بالالاف من المتدخلين في هذه الحرب الى وقود دموي مرتكزة على التسعير الديني والمذهبي… بعدها دخل العراق على الخط، فقد تطورت الاحداث في هذا البلد العربي بسرعة مذهلة الى حرب دموية شعارها اسقاط حكومة المالكي وحكمه، وصولا الى فرض نظام متشدد تكفيري تحت اسم دولة العراق والشام (داعش).

في عودة الى سنوات قليلة مضت، كانت الصورة مختلفة عما عليه الآن. ففي سوريا والعراق، كانت المواطنة، هي الدافع الى العلاقة بين ابناء الشعب الواحد. رغم تناقضات الحكم في الثانية وتحولها الى نمط أحادي استبدادي في الحكم، لكن الأمر بدا، رغم هذا الميل، منضبطا في علاقاته الداخلية. لقد بدا أن ما استجد، في تلك السنوات، من طغيان الخلافات المذهبية على ما عداها، كان هو المهيمن على التطور السياسي الآجتماعي. وقد زاد التدخل الاميركي، بعد اسقاط نظام صدام حسين من حدّة هذه التناقضات، عبر اجراءات ومسارات خاطئة بعضها مفتعل وبعضها الآخر نتج عن استفحال تلك الاخطاء وظهور مفاعيلها على ارض الواقع.

كان لبنان خلال تلك السنوات، اي عشية الربيع العربي وماتلاه، يجتاز اسوأ مشاهده السياسية. فقد اظهرت الطبقة الحاكمة من كافة الطوائف والمذاهب، استهتارا ملحوظا بمجريات اتفاق الطائف وبنوده. إن إلغاء الطائفية السياسية التي كان من المفترض ان تكون قد انجزت جرى تجاوزها والاستمرار بمفاعيل قوانينها مثل قانون الانتخاب والتمديد للمجلس النيابي ولرئاسة الجمهورية. لقد جرى الاعتقاد بأن الدولة اللبنانية قد استعادت سيادتها بموجب هذا الاتفاق، لكن عوامل فعلية منعت من ممارسة ومن صناعة قرارها.

وانطلاقا من ذلك أصبحت هناك ثلاث اشكاليات مركزية:

اولا، التعايش الطوائفي الذي يدعّي اللبنانيون انهم يعيشونه بكل جدارة، في حين ان واقعهم المعاش يضعف تضامنهم ويغّيب مواطنيتهم.

ثانيا، ان التشابك بين نزاعات الداخل اللبناني وتداخلات الخارج، بفعل الجيوسياسة الاقليمية الذي يجعل اللبنانيين يتطلعون الى خارج حدود بلدهم، ليصبحوا أتباعا لهذا الطرف اوذاك من الاطراف الخارجية. اما فرضيات هذا المشهد فقد تمظهرت في واقع ان لبنان لا يستطيع الانتقال الى مصاف الدول الحديثة في ظل نظام طائفي سياسي يفرق ولا يجمع، وطائفية مجتمعية تتغذى منه، او يتغذى منها. ذلك ان بوابة الدخول في الدولة الحديثة هو قيام نظام مدني، او علماني بعيد عن الطائفية او المذهبية، اي مجتمع يتم فيه احترام المواطنة اولا والحوار مع الآخر ثانيا، بحيث تتأكد فيه حريات المواطن ومعتقداته وايمانه ايضا.

ثالثا، لقد وصلت الديمقراطية التوافقية الى طريق مسدود، وعدم صلاحية ديمقراطية الاكثرية بمفهومها الاسلامي، ولا الفدرالية بمفهومها المسيحي، ولا مواقف الاعتراض من اجل المناصفة، كحل لأزمات لبنان، في ضوء الثقافة الطائفية السياسية السائدة. ان المقصلة الآن طرقت باب انتخابات رئاسة الجمهورية كما طرقت باب التشريع البرلماني وتوازناته.

نستنتج من كل هذا الوصف التحليلي جملة من التساؤلات قد تفسح المجال لاحداث نقلة نوعية كبيرة… فالجذور الطائفية للازمات في لبنان كثيرة ومعقدة، وهذا ما اشار اليه المؤرخ الكبير يوسف ابراهيم يزبك في كتابه.

ابرز هذه التساؤلات:

اولا، كيف يمكن ان يؤدي الاختلاف الديني الى خلاف بين المواطنين والعكس هو الصحيح. هل يمكن الاستمرار بهذا الواقع، الذي هو بجوهره، خلاف على المواقع الطائفية وليس خلاف بين الاديان والمذاهب؟

ثانيا، لو ان اللبنانيين، عبر مسؤوليهم نفذوا ما جاء في اتفاق الطائف من إلغاء للطائفية السياسية، هل كان من الواقع ان يكون مسارهم السياسي والاجتماعي، خلال فترة ما يزيد عن ربع قرن من الزمن (منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989)، غير ماهو عليه الواقع الآن؟

ان العبور نحو الديمقراطية الحقيقية هي بتأسيس عقلية جديدة ومتجددة وثقافة مواطنة راسخة في الاوساط اللبنانية، يتأكد فيه الشعور الوطني بعيدا عن المناخ الطوائفي والمذهبي الذي اعاد لبنان الى غياهب قوقعة القرن التاسع عشر، حيث ما زالت تتحكم بنا عقلية المقاطعجية والاستزلام لزعماء الطوائف.

وفي السياق ذاته، يجب التوجه مباشرة نحو الحديث عن دور الاعلام في لبنان الذي لم ينجح في نشر حالة وعي عامة بين المواطنيين من خلال صهر الجسم والفكر والهوية في الارتقاء بمستوى المواطن في لبنان. بما يمكنه من فهم قضاياه المختلفة به سياسيا واجتماعيا، كما فهم القضايا الاقليمية المحيطة به. كان من الممكن ان يلعب الاعلام اللبناني دورا مؤثرا على اعداد غفيرة وكثيرة من الناس. بحكم مساحة تأثيره وبحكم سهولة انتشاره وتنوع واسع للمدى المرتبط به. لكن الملاحظ ان هذا الاعلام ارتبط منذ بدايته الاولى ليس بالدولة فقط، بل ببعض الطوائف الممولة له…

لذلك، يجب عدم المبالغة بعدم وجود قضية للرأي العام والرأي الآخر فكثيرا ما يخضع ذلك لطبيعة السياسات والعلاقات المؤثرة ودور الدول والشخصيات الممولة في هذا الشأن، فهل هناك حرية للاعلام بعيدا عن الطوائفية او المذهبية؟ فللحرية هامش ضيق تتدخل فيه دوائر صنع القرار وعوامل عديدة منها مصالح الطوائف والمذاهب. هل يمكن منح الاعلام، عبر تغيير واقع اسسه ومساره، من جعله ملتقى فكري وثقافي للأديان وللمعرفة الدينية من منطلق الحوار والتقارب الإنساني. لكن ما جرى تجاوز هذا التمني الى واقع مغاير من حيث متابعة الخبر وتريجه على اساس سياسي وطائفي وان جاء مموها ولكن مكشوفا في كثير من الاحيان.

في الختام، هذه مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها وهي: لماذا لم يتطور النظام السياسي في لبنان حتى اليوم؟ هل يعود جذور الطائفية السياسية فينا الى النظام السياسي القائم؟ هل ان التعددية الثقافية والخلافات والهوية والانتماء هي مواقع من الوصول الى حالة من الانصهار الوطني؟

في الاجابة على ذلك اقول، ان لبنان الذي عاش الجمهورية الاولى والجمهورية الثانية هو الذي يفترض ان يعيد تشكيل نظامه السياسي نحو جمهورية ثالثة تقوم على المواطنة، ودولة القانون والحق والعدالة الاجتماعية في فصل السلطات لإقامة مجتمع منصهر يخترق الطوائف والمذاهب والمناطق.

إضغط هنا
Previous Story

هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) تعتمد (LCZ696) من نوفارتس كعلاج جديد لقصور عضلة القلب للحد من مخاطر الوفاة الناتجة عن أمراض القلب والشرايين والتقليل من معدلات إدخال المرضى إلى المستشفيات

Next Story

الهلال الأحمر الاماراتي قدم كسوة العيد لأكثر من 3000 طفل في مختلف المناطق اللبنانية

Latest from Blog

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop