رادار نيوز – تمر ذكرى الاستقلال السنة وقد احل في القصر الجمهوري رئيس للبلاد وودعت كرسيه ما يقارب السنتين ونيف من الشغور…
في السنة الماضية كان المشهد مختلف كليا، بحيث خلت المظاهر الاحتفالية والعروض العسكرية التي تذكر اللبنانيين بتلك الحقبة التي تجسد خلالها كيان جديد يدعم ركائز بنيانه في جميع اطيافه وطوائفه، وكأنه فسيفساء قد رص وتزين.
سنة ١٩٤٣ قام كل من بشارة الخوري ورياض الصلح وصبري حمادة، بالمناداة بالميثاق الذي بموجبه يقوم على جميع الاطياف اللبنانية ضمن كيان واحد، وبموجبه يستغني فيه كل طرف عن الوصاية الفرنسية، ومن الجانب الآخر يفك المسلمين ارتباطهم بالدولة العربية الوليدة…
ان ما قام به الرئيسان رياض الصلح وصبري حمادة في تلك الحقبة، يعد المدماك الاساس لهذا الكيان اللبناني، فلولاهم لما وضعت هذه الصيغة الفريدة التي انتجت ما يسمى لبنان في وقتنا الحاضر.
أما وبالعودة لمعركة الاستقلال، كانت النظرة هذه قد وضعت الكثير من العصي في دواليب اتمام استقلال منجز وكامل! الا ان اصرار رجالات عظيمة والاجماع كان لهم في الكلمة الفصل.. وما المماطلة بتطبيق جميع مجرياته الا دليل على هذه العرقلة! بحيث انه لم ينجز بشكل تام الا سنة ١٩٤٦، وهذا ما يفسر النية بتعطيله….
ولقد قام الفرنسيون باعتقال الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح ووضعهم في قلعة راشيا ظنا منهم بوقد الحلم في مهده! وقد شاءت الصدف ان يكون الرئيس صبري حمادة خارج بيته كما مجيد ارسلان، للعب الدور بحشد الناس والحض على العصيان.
ارتأوا حينها التخفي عن اعين الانتداب والتجأوا الى قلعة بشامون كي يكونوا بمأمن. لكن الجيش الفرنسي ارسل حملة كبيرة لاعتقالهم، وهناك حسب احد الشهود، ودارت معركة استبسلت خلالها حامية الموقع، واوغلوا وابلوا بلاءا حسنا.
استشهد حينها صاحب المنزل وسعيد فخر الدين. وحسب الشاهد ايضا، فإن الرئيس صبري حمادة كان يحيط به ما يقارب المئة من انصاره، وقد احتشدوا لمؤازرته حينها، ولعبوا دورا محوريا في صد تلك الحملة. وما يلفت هنا ان صبري حمادة كان في الواجهة الامامية لصد هذه الهجمة….
يروي العقيد نخله مغبغب قائد الدرك السابق، كيف حمى ابناء بعلبك _ الهرمل محيط مجلس النواب، حين كان في داخله الرئيس صبري حمادة. وكيف ان النواب قد رفضوا الدخول اليه تحت العلم الفرنسي. معركة العلم ورفعه فوق المجلس… كان النوّاب والوزراء مضطرّين إلى الدخول من باب يعلوه العلم الفرنسيّ. حاول نعيم مغبغب التدخُّل لدى شخصيّات نيابيّة أو حكوميّة لإزالة العلم الفرنسيّ فلم يلق آذاناً صاغية، فاضطرّ للتسلـّق فوق البوّابة الحديد، وأزال العلم الفرنسيّ وغرس مكانه العلم اللبنانيّ ثم انسحب إلى الساحة.
في هذه الأثناء، رأى جنديّاً من القوات المشتركة غير اللبنانيّة، يحاول أن يعيد العلم الفرنسيّ إلى مكانه… وقبل أن يزيل الجنديّ الأجنبيّ العلم اللبنانيّ ليضع مكانه علم الدولة المنتدبة أطلق نعيم الرصاص عليه وأرداه، وعلى الأثر انهال الرصاص عليه وأصيب بثلاث رصاصات، كما انهال الرصاص على كلّ الموجودين في ساحة النجمة ما أدّى الى وقوع ضحايا وشهداء.
عندها جاء احد الضباط وطلب مقابلة الرئيس صبري حمادة، لكن الاخير رفض مقابلته وقال كلمته: انتم المحتلين ونحن اصحاب الارض. وقد كان يحمل سلاحه….. ايقن الفرنسي انه لا مناص من اعطاء لبنان استقلاله، فاستدعي على الفور من فرنسا الجنرال كاترو، وارسل موفدا الى الرئيس بشارة الخوري في راشيا للقاءه، وقام بصرف الجنرال هللو.
التقى الجنرال والرئيس في بيت آل الدنى في بيروت وتباحثا مطولا بوجوب اخذ لبنان حرية القرار. وكان لافتا هنا الطلب من الرئيس بابعاد كلا من رياض الصلح وصبري حمادة عن القرار! لما يشكلان من مدماك اساس لهذا الحراك. لكنه رفض هذا الطلب، يقينا منه بالميثاقية التي بني لبنان على اساسه.
رضخ الفرنسي اخيرا وفك اسر المعتقلين في بشامون، وقد اقام اللبنانيين الاحتفالات ورفع العلم الذي رسم في دارة صائب سلام وخطه صبري حمادة والمير مجيد ارسلان واقرانهم على المباني الحكومية وإعتلى قبة مجلس النواب… للتاريخ والانصاف….. يجب اعطاء هذا العامود الاساس في معركة الاستقلال حقه واظهار الدور الذي لعبه في حماية الجمهورية! حتى لا نكون مجحفين بعظيم رجالاتنا… ولا يحرف التاريخ! فهذه وقائع وحقائق كانت كقبس من نور اضاءت وعبدت طريق استقلالنا…. ان كانت قلعة الاستقلال في بشامون، فأحد اعمدتها في بعلبك….