رادار نيوز – بالأمس كنا نسأل أن يصير لنا رئيس يُنقذ الجمهورية…. صار لنا رئيس فذهبت الجمهورية الى مزيد من الضياع…..
المتاهات كثيرة تنطلق من عين التينة إلى بعبدا إلى بنشعي، لتعود إلى عين التينة فبعبدا فمعراب. لم تنفع مقولة «الرئيس القوي» الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، والمتسلّح بإحدى أكبر الكتل النيابية، في إحداث أي ميزة تفاضلية على الرؤساء غير المتمتعين بالصفة الجماهيرية. قبل ذلك نسبنا التعثّر والإخفاق إلى عدم وجود رئيس جمهورية ذي تمثيل يتمكّن من مقارعة المعطّلين وإطلاق عجلة الدولة وألقينا اللوم على رئيس الحكومة ووثيقة الوفاق الوطني. اليوم اختبرنا تجربة جديدة، دخل الرئيس القوي إلى حلقة الإشتباك ليذوق مرارة تشكيل حكومات الوحدة الوطنية التي ألغت الحياة الديمقراطية وحوّلت إدارتنا السياسية إلى منظومة منافع متبادلة. لقد عهدنا بتطبيق الدستور إلى سياسيين لا يستطيعون القيادة في السلام، بل يصرّون على قيادتنا كأننا فيالق نتحارب ولو بالكلام، يتراشقون بالإجتهادات الدستورية والقانونية ولا يستوحون إلا ما يفرّق بيننا. فليسمح لنا أصحاب نظريات «تهميش المسيحيين» و«وحدة المسيحييين «بالقول أنّ كلّ أوراق «التفاهم وإعلان النوايا» وسواها من مسميّات التضامن الطائفي لدى المسيحيين والمسلمين على السواء بقيت دون مستوى تسجيل أيّ تقدّم منذ درجنا عليها على امتداد الحرب الأهلية في لبنان وما بعدها.
ظِل الرئيس القوي في بعبدا لم يغيّر من واقع الحال الذي يعيشه مجمّع الجامعة اللبنانية في الحدث. كلّ ما في الجامعة يعبّر عن صدام واضح ليس فقط بين أسلوبيّ حياة ومَنهجيّ تفكير، بلّ تكاد الأبنية لا توحي بالحد الأدنى من التجانس مع حركة ومظهر قاطنيها ومستخدميها. الإشكال الذي حصل منذ أيام ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. إنّ مجرد المرور والتجوّل في أرجاء المجمّع الجامعي ومعاينة الخدمات المقدّمة والقيّمين عليها يوحي بما لا يقبل الشك أنك أمام بيئة على وشك التشظي وأنّ هناك استباحة متمادية وقهراً دفيناً محكومين بالتعايش القسري.
طُردت فيروز بكلّ حداثتها وثورتها من الجامعة، من المكان الذي يذخر بالشباب والذي يعوّل عليه في كلّ العالم في التغيير والثورة على المألوف!!!! لم يشفع لفيروز كلّما صلّت لأجل القدس، زهرة المدائن ومدينة الصلاة ولم تشفع لها عيونها التي عانقت كنائسها القديمة ودارت في أروقة معابدها، ولا بكاء الطفل في المغارة وأمه مريم لأجل من تشرد واستشهد في المداخل، ولا شفع لها غضبها الساطع لهزيمة وجه القوة واستعادة القدس والبيت. لم يشفع لفيروز حبها لتراب الجنوب الذي غنّته وحملته كلّ الزيتون والسنابل ولا شعبه الذي قالت عنه أنّه شعب الشعوب وأقوى من الحروب. في جامعتنا الوطنية الفن لا مكان له وحرية التعبير لها شكل آخر وأدوات مختلفة. المجالس الطلابية أو التعبئة الطلابية كما يدّل إسمها هي مكوّنات فوق الدستور وبإمكانها تجريد الطلاب من حرية التعبير والمعتقد وحق الإختلاف!!!!!!!
ما حصل في الجامعة اللبنانية هو نموذج للتداعي القيمي الذي لم يقتصر على السياسة بل طاول كلّ جوانب الحياة المشتركة في لبنان بأبعادها الإجتماعية. إنّ التحدي هو في القدرة على إنتاج قواسم ومساحات مشتركة جديدة لتعزيز لبنان كمتّحد مجتمعي قابل للحياة، وليس بالإصرار على تعميم نموذج إنغلاقي يكرّس إعتداء على ثقافة الآخر. إنّ الخيارات القابلة للحياة في الأنظمة القائمة على المشاركة حيث توجد أقليات يجب أن تأخذ بعين الإعتبار استحالة تطبيق مبدأ كلّ شيء للرابح وكلفة هذا التطبيق في حال إمكانيته.
نتساءل أمام هذا المشهد الذي لا يقتصر على الجامعة اللبنانية بل يمكن معاينته في أحياء كثيرة من العاصمة، ما الفائدة من إيقاظ الشياطين الراقدة؟ ونردد ما جاء في افتتاحية جريدة (El Pais) لليسار الوسط بتاريخ 18 تموز 1986 في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية الإسبانية التي استمرّت من شباط 1936 إلى أول نيسان 1939 وحصدت أكثر من نصف مليون قتيل» أبداً للموت، وأبداً لتسلط القوة على المنطق من أجل استغلال الشبان والضمائر والمثل. أبداً للمقاتلين المخلصين المبعوثين من السماء أو من جهنم. أبداً للدوغماتية والتعصّب.»
وبعد إلى أين؟؟
إلى مزيد من الضياع؟ حيث لا تبقى جمهورية ولا جدوى من رئاسة أو حكومة أو إنتخابات….
العميد الركن خالد حماده
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
Twitter: @KMHamade
E-mail: khaledhamade@rfcs-lb.org