رادار نيوز – فاجأ اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري الجميع، والمفاجأة الأكبر تكمن في تشعب أذرع استخباراتية لحركة حماس الفلسطينية التي وسعت أنشطتها في الآونة الأخيرة لتضم دائرة أوسع من المتعاونين، وضاعفت اهتماماتها لتطال قضايا الإسلام السياسي في المنطقة.
وعكست قدرة جهاز الموساد الإسرائيلي على اغتيال الزواري في تونس صراعا صامتا بين أجهزة المخابرات الدولية، يجري بعيدا عن ضجيج التطورات السياسية وتفاصيلها.
واغتيل الزواري الخميس الماضي رميا بالرصاص أمام منزله في صفاقس في تونس بعد 6 سنوات على اغتيال الموساد للقيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010، وقيل يومها إن وحدة الاغتيالات الخارجية في الموساد “كيدون” هي من نفذ العملية.
ولم تعلّق إسرائيل على العملية، لكن مصادر قريبة من حزب الله نقلت أن أسلوب تنفيذ الاغتيال مشابه لذلك الذي تم به اغتيال مسؤول “الوحدة الجوية” في حزب الله حسان اللقيس، في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2013.
ووفقا لتحقيقات تونسية فإن الزواري كان عاد قبل أيام من زيارة له إلى لبنان وتركيا. وتحدثت الأنباء عن أن رصده تم بعد طلب صحافية تقيم في المجر إجراء مقابلة معه، للحديث عن آخر إنجازاته التقنية، كونه مؤسس “نادي الطيران النموذجي” في صفاقس، وهو مخترع أول طائرة من دون طيار في تونس. وقد تركت هذه الصحافية البلاد قبل اغتياله بيوم واحد.
وفي هذا الصدد، وبعد ساعات من جريمة الاغتيال، أعلن المدير العام للأمن الوطني التونسي، عبدالرحمن بلحاج علي، استقالته من منصبه، دون ذكر الأسباب، لكن مصادر سياسية تونسية لم تستبعد أن تكون الاستقالة جاءت على خلفية الجريمة، التي قد تكشف لها أبعاد أخرى في الفترة المقبلة.
وتفيد الأنباء أن الزواري طيار سابق في الخطوط الجوية التونسية، وهو مهندس طيران عمل في مجال رقابة الطائرات من دون طيار، وكان مقيما في سوريا، وعاش في منزل والده برفقة زوجته السورية، بعد أن عاد إلى تونس بعد الثورة عام 2011. وكان الزواري عضوا في حركة النهضة التونسية والتحق بحركة حماس بعد مغادرته تونس في التسعينات من القرن الماضي وعمل في “الوحدة الجوية” لـ”القسام”، وكان من مهماته تصنيع الطائرات من دون طيار وتطويرها.
وتتحدث معلومات عن أن الزواري عاش متنقلاً بين تونس وتركيا ولبنان بسبب اندلاع الأزمة السورية.
وأعلن بيان “كتائب القسام”، أن الزواري، تم اغتياله من قبل إسرائيل الخميس، في مدينة صفاقس التونسية، وأنه “أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية (طائرات من دون طيار)”، مبينا أنه التحق بصفوفها قبل 10 سنوات.
وكان التحاق الزواري بصفوف حماس انعكاسا حاسما لأساليب جديدة تختلف تماما عما كان يقود الشباب في سبعينات القرن الماضي لتحقيق حلمهم بمناصرة القضية الفلسطينية عبر الانضمام إلى صفوف منظمة التحرير وفصائل فلسطينية أخرى في لبنان.
واليوم بات التجنيد في صفوف الفصائل الفلسطينية الإسلامية خصوصا انتقائيا، ويتم تحت غطاء من السرية ويحظى بمظلة أيديولوجية تهدف إلى توسيع النفوذ في المحيط العربي الحاضن للقضية.
ورغم ما جاء في “بيان القسام”، فإن التساؤلات لم تنقطع في الشارع التونسي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حول كيفية الوصول إلى رجل بهذه القيمة العلمية واغتياله “داخل سيارته وأمام منزله”، لا سيما أن بيانات وزارة الداخلية التونسية حول الحادث لم تعلن حتى الآن الجهة التي تقف وراءه.
وأعلنت وزارة الدّاخليّة التونسية الجمعة، توقيف 5 أشخاص “يشتبه في تورطهم” في اغتيال الزواري، مع حجز 4 سيارات استعملت في تنفيذ الجريمة، ومسدسين وكاتمي صوت استعملا في العملية، بالإضافة إلى هواتف جوالة وعدد من الأغراض الأخرى ذات الصلة بالجريمة، قبل أن تضيف لهم اليوم امرأة يشتبه في تورطها أيضا في العملية.
واعتبر مراقبون أن الشبكات السرية قد اختلفت هذه الأيام عن تلك التي كانت تعمل ضمن الجو الفلسطيني في سبعينات القرن الماضي. ولفت هؤلاء إلى أن الشبكة التي تمتلكها حركة حماس تتجاوز تفصيل قطاع غزة وهي متشابكة تتقاطع ما بين تركيا وإيران وحزب الله على الرغم من الأزمة السياسية بين حماس وإيران بسبب موقفها من نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويعتقد خبراء في شؤون المخابرات أن قدرة إسرائيل على تنفيذ عملية الاغتيال في تونس، كما بقية العمليات التي طالت شخصيات معينة في حماس وحزب الله، تعكس مدى النجاح الذي حققته في اختراق هذه التنظيمات، بما يعبّر عن ضعف التدابير الأمنية ووهن المناعة التي تتعرض لها البيئات الحاضنة لهذه الجماعات.
كما أن الأمر يمثّل جانبا من حرب الأجهزة في العالم.