سياسة الأماكن العامة – الكاتبة كريستيان بلّان الخاروف

الثلاثاء, 10 مارس 2020, 2:11

رادار نيوز – لمّا تدرّجنا في المراحل التّعليميّة، كانت حصّة الرياضة، على اختلاف تسمياتها السابقة والحالية، تحتلّ مرتبة مهمّة في الحياة المدرسيّة. لم تكن حصّة تربية بدنيّة فحسب، ولكنها كانت حصّة اجتماعيات حيث كان علينا أن نلعب كفريق واحترام دور كل واحد فيه كما وتقسيم المهام كلّ بحسب قدراته ومقوماته وحتى، في بعض الأحيان، ولكسر الحواجز النّفسيّة، بحسب ما نحب أو لا نحب، ومراعاة لظروف أحدنا الصّحية أو خلافه…

لم تكن حصّة تدريب فقط؛ وإنمّا كانت محطّات في بناء الشّخصيّة وصقلها؛ فمن حقّ الجسم علينا بالنّموّ السّليم إلى بناء الذّات من ثقة بالنّفس وبالآخر، من قدرة التّعاون والتّنظيم واكتشاف قدراتنا إلى إمكانيّة الاعتماد على بعضنا البعض والتّفاعل سويّا لإنجاز لوحة فنيّة قوامها أجساد فتيّة وألوانها بسمة وضحكة فقهقهات فإعادة لإتقان المهام! ومن أهداف النّشاطات الرّياضيّة أو التّربية البدنية، بالإضافة إلى احترام المرء لجسده ووعي قدراته، وتنميتها تنمية صحيّة وحثّ الجسم على العمل بوتيرة سليمة منتظمة من جهة…

ومن جهة أخرى التّمكن من تلك القدرات واكتساب تقنيات ومهارات لتطويرها وتوظيفها فاعتمادها في نشاط ما؛ كذلك يبرز دور أساسي للتّربية البدنيّة يغفل عنه العديد من -بعيدا عن التّعميم – المربّين والمعلّمين والمعلّمات والإدارات والأمّهات ( الأهل بصفة عامة) في أيّامنا هذه، ألا وهو احترام المساحة المتاحة للقيام بالنّشاط المطلوب كما واحترام مساحة المشاركين فيه أكانوا أفرادا مستقلّين أم مجموعات! نجد أنّنا من عام إلى آخر، أمام جيل من الأولاد والبنات الّذين واللّواتي لا يدركون ويدركن مفهوم المساحة الشّخصيّة والمساحة العامّة والمشتركة! فمن حقّ الفرد التّمتّع بمساحة شخصيّة ولو كان في مكان عام ! في ساحات اللّعب، في المطاعم، في الأسواق، داخل المحلات التّجاريّة…

هذا الوعي والإدراك لحق الآخر بمساحته الشّخصيّة هي من احترام الفرد لنفسه ولكيانه يبدأ من الطّفولة عندما تضع الأمّ طفلها في سريره وتحيطه بالمساند كي لا يقع؛ عندما يبدأ بخطواته الأولى وبإشارة منها تفهمه ألا يقترب من بعض الأشياء الموجودة أمامه وعدم لمسها؛ عندما تطلب منه أن يبتعد عمّا قد يسبب له الأذى؛ عندما يطلب من أحدهم تركه وشأنه وعدم ازعاجه وإفساح المجال له ليتحرّك بحرّية؛ عندما يستوعب مفهوم توزيع صالات البيت بين غرفة نوم الأهل وغرفة نومه ومشاركتها مع أخت أو أخ وتعليمه التّمييز بين مقتنيات المنزل ولمن تعود إلى الصّالة المشتركة فغرفة الطّعام، إلى ما هنالك من أمثلة… ويدخل بعدها المدرسة وتصبح المسؤولية مشتركة وبالتّراضي بين الطّرفين! فتقوم المدرسة وبأساليب تربويّة بالعمل على بناء القدرات الجسديّة والفكريّة والنّفسيّة ضمن ما يمثّل عينة من المجتمع! فيأخذ مكانه بين أطفال من عمره يملكون أغراضا مختلفة خاصة كما ويتشاركون في استعمال بعض الأشياء المشتركة في الصّف؛ والأهم الحياة الاجتماعية التي يختبرها والنّتشاطات الجماعيّة والألعاب الحرّة أو المشروطة!

ومن جانب آخر، ما نعتبره بديهيا: عدم التّدافع للوقوف أوّلا وإنّما تنظيم العمليّة ليتمكّن الجميع من الحصول على فرصته! الدخول إلى الفصل ليس منافسة تقرّر من الفائز فالجميع يملك الحق في الوجود والحصول على مكانه! إلى أشياء وأشياء أخرى تدرّبه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للعيش ضمن مجموعات أخرى في ما يسمّى العيش المشترك وخاصّة ما يسمّى الأماكن العامّة-المشتركة!

إن ما نلحظه اليوم – في بعض الأماكن ومن بعض الأفراد – من عدم إدراك أو تغاضي عن حقوق الآخرين بمساحتهم وحرّيتهم في التّواجد في مكان ما للقيام بنشاط ما واعتبار أحدهم أنّ له أولويّة على آخر وأحقّية على آخر، ليكشف هشاشة المناهج التربويّة كما وهشاشة التربية المنزلية والتي تشدّد على نيل علامات عالية لإثبات التّفوّق المدرسي وتجاهل آداب التصرّف وآداب الحياة! فحينما يركض أولاد أحدهم في مكان عام-مشترك وبطريقه يوقع ابن أو ابنة أحدهم ولا توقفه الأم ليلحظ الضّرر الذي أحدثه، من سيهمّه إن كان الأولاد من المتفوّقين في المدرسة؟ حينما تمر سيدة بجنب أخرى وتدفعها عن قصد أو عن غير قصد بهدف أن تفسح لنفسها مجال العبور، من سيهتم إن كانت متعلّمة أو لا؟ حين يتشاجر اثنان من يمرّ أولا، حينما يترك الأطفال للرّكض هنا وهناك والصّريخ في مكان مخصّص لتناول الطّعام، أو لشراء الحاجيّات أو ، أو، أو… حين يفهم الأهل أبناءهم وبناتهم أنّهم الأفضل، من سيلحظ إن لم تكن أخلاقهم ظاهرة في تصرّفاتهم؟ ما الهمّ من التفوّق المدرسيّ في غياب ثقافة الحياة الاجتماعيّة؟ أوليس أطفال اليوم وشبابه رجال وسيّدات الغد؟

إضغط هنا
Previous Story

عمر شبيب: الحكومة اللبنانية تتخبط.. والشارع نحو الغليان!

Next Story

لا شكر… على واجب – ميشال جبور

Latest from Blog

رئيس مجلس إدارة شركة HSC حسين صالح:* نتمسّك باليد العاملة اللبنانية ونصر على استقطابها لأنها ضمانة استمرارنا ونجاحنا كخلية نحل لا تهدأ

*رئيس مجلس إدارة شركة HSC حسين صالح:* نتمسّك باليد العاملة اللبنانية ونصر على استقطابها لأنها ضمانة استمرارنا ونجاحنا كخلية نحل لا تهدأتواصل شركة HSC عملها الدؤوب لتقديم أفضل الخدمات لزبائنها، متحدّيةً كل

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة
Go toTop