/

تمسكوا ببعض.. مش بخوانيق بعض!

1 views

رادار نيوز – سارة مجدرة

عنوان مقالي اليوم غريب اليس كذلك سيداتي سادتي؟ انه منبعٌ لقصة حقيقية قد حصلت معي في شارع الحمرا عندما كنت أنتظر أحداً لا وجود له لكي يأتي ويشاركني قهوتي المرّة. انتهيت من جلوسي وتخبطّي مع نفسي بصراعات وسيناريوهاتٍ ليس لها وجود خلقتها في رأسي بهدفِ إغلاق الفراغ الذي أعاني منه في حياتي، وسؤالٍ أطرحُهُ دائما في رأسيَ المنفوخ “لما قد وُجِدتُ على هذه الحياة بالأصل؟”.

لملمتُ أشلائي المبعثرة وأفكاري التي سقطت بين أحضاني وعلى الارض، بدءتُ بالسير قدماً متوجهة نحو سيارتي الحمراء الصغيرة التي ركنتها الى جوار المقهى التي كنت أجلس فيه وقبل وصولي الى باب سيارتي بثلاث خطوات فقط، رأيت سيداتي سادتي منظراً قد أعاد تخبّطيَ النفسي وصراعٌ لا ينتهي بيني وبين نفسي وكأنه جعلني عدواً لنفسي و للإنسان!

وقفت ثم تقدمت خطوة ثم وقفت ثم تراجعت وشعرت بلكمةٍ في حنجرتي الصغيرة,ارتجفت يداي وتمسكت بنفسي وكأنني سأُقلِع بطائرةٍ نحو بلدٍ لا وجودَ لهُ على الكرةِ الأرضية. شعرتُ بحرارة، نعم بحرارةٍ في جسدي وعرقٌ يصبُّ بين ابطيَّ وحيرةٍ قد جعلتني اقفُ مثل العمودِ في مكاني.

سيداتي سادتي, لقد كنت في صراعٍ داخلي كانت نتيجتهُ حقدٌ على البشر! رأيت عجوزاً يصبّه العرق وهواءٌ يلعب بخصل شعرهِ البيضاء التي داعبها الزمن وتجاعيدُ جبينهِ الأسمر تحكي قصة شبابهِ الذي انتهى مع مرور الدهر, وخطوطَ يديه قصةُ حربٍ قد عاشها هذا المسن وعمرٍ قد فُنِيَ في بلدِ مقبرة الأحلام “لبنان”. يمشي خطوات الطفل الذي أبصر الحياةَ لأول مرة رِكَبهُ التي صدِأت عبر الوقت لن تساعده في تخطي طريقه للوصول الى المنزل حاملاً لجالونين من المياه وفي جعبته علبة لبنة بلدية صغيرة بالكاد تطعمه هو وعائلته. أعجبني لباس نومه القديم الذي رافق أحلامه ليلاً حيث خبأ فيه أحزانه وخواطره المنكسرة. وقِفَ قُبيل سيارتي وأخذ نفساً عميقا لكي يستطيع أن يحمل هذا الوزن الهائل ويستعيد بكل ما فيه من قوة ليٌكمِلَ دربه ويصل الى منزله.

شدّني المشهد وجعلني أرتبك كأنني رأيت شيئاً لم أره من قبل وكأنني أرى فلسطينَ محررة! او مزارع شبعا محررة من أيدي المغتصبين! في الاول راودني شعور الخوف لأننا في زمننا هذا لا نستطيع الثقة بأحد, سيداتي سادتي لقد اختلط الحابل بالنابل نحن في زمن لا وجود للانسانية فيه وانعدام الأمان والاستقرار حتى داخل الأسرة الواحدة. نحن في زمنٍ نخنق بعضنا البعض فيه وننهشُ في لحم بعضنا كأننا لم نتذوق اللحمة في حياتنا من قبل!

صراعٌ قد شهدتُ على وجودي فيه! بين قلبي وعقلي أنصت لكلٍ منهما مع بعض، صراخٌ يعلو بينهما وأنا أقف بِحِيرة لمن أستجيب؟ عقلي يقول تراجعي لعله يمثّل لكي يستعطفَ البشر ذات القلوب القاسية يريد أن ينقضَّ على احدٍ منهم, بينما قلبي يقول أنظري له جيداً هل يبدو لكِ بكاذب؟ أنصتي لحدسَك وحاستك السادسة التي لم تخطئ قط! أنصتي جيداً! انتِ تدركين البشر جيداً يا سارة.

توجهت له بصوتٍ عالٍ واندفاع وقلت لهُ:”عمو وين بيتك؟” رأيتُ صدمته العارية التي رفعت تجاعيد وجهه, لقد شعرت بأن سؤالي قد هزَّ كيانه وجعله يرتعش فخطوط يده كانت تدل على ذلك، وقوع جالونين المياه من يده لشدة الصدمة وارتعاش سرواله الذي رأيته كان منظرا لا استطيع وصفه! تعثّرَ بكلماته حتى انني اذكر بأنه سرق بعض حروف الكلمات من شدة خجله، فأسرعت بالجواب وقلت له مرة أخرى:”عمو قلي وين بيتك؟” رفع اصبعه الصغير وقال لي بكل هدوء ” في اخر الشارع يا عمو” و من ثم حمل جالونين المياه وحاول ان يسرع بخطواته الطفولية ينجو من خجله امامي، يحاول أن لا يسمع لذاته التي تطرحُ صراعاً في داخله تقول فيه: “الله يلعن هالزمن لوصلنا فيه لهون..”، حاكياً لي “معليش عمو انا بروح لحالي ما بدي عزبك”.

انهالت يداي عليه بقوة وأخذتُ جالونين المياه من أمامه ووضعتهم في  صندوق سيارتي حيث رأيت عينيه الصغيرتين تلمعان من صدمته بردةِ فعلي السريعة التي لم تتجاوب مع مطلبهِ أبداً! 

قلت له: “عمو طلاع لوصلك ولو انت متل بيّي وتفضل عالسيارة”، أجابني بشيء لم أتوقع سماعه صراحةً، قد أدّلَ على بساطة تفكيره ونقاء قلبه: “عمو انا خايف تروح عليكِ صفّة السيارة خلص انا بروح لحالي”. 

رفضتُ طبعاً ومضيتُ بسيارتي نحو باب منزله وكان سعيدا بذلك الموقف, ربما شعر أنه طفلٌ صغير قد أمسكَ أحدُ المارةِ بيديهِ وساعده بقطع الشارع، تذكرون سيداتي سادتي ذلك الموقف عندما كنا صغاراً صح؟ 

ذلك المشهد جعلني اتصارع مع افكاري الهائلة داخل جمجمةٍ صغيرةٍ لا تتسعُ لتلك الملاكمات الفكرية! أطرحُ سؤالاً تلوَ الاخر لما نحن البشر كذلك؟ لما عُدنا نفتقر للإنسانية؟ لما أصبحَ زماننا خالياً تماما من الشعور؟ وأصبحت أحاديثنا لا تتعلق الا ب”اديش صار عندك فولورز؟” أصبحنا عباداً لمواقع التواصل الاجتماعي ونسينا بعضنا البعض, أصبحنا روبوتاتاً للمعاشرة الجنسية والاكل والنوم. عُمِيَت عيوننا كليا على ما هو مهم في حياتنا وهي النِعَم.. أصبحنا نقضي مصالحنا الذاتية على ظهر من نحب، نركل مؤخرة الناس ونضع رصاصةً برأسِ من لا يوافقنا الرأي أو المَمشَى!  

في الختام سيداتي سادتي فكرتي هي بسيطة تحاكي القلب والعقل “تمسكوا ببعض.. مش بخوانيق بعض!”.

Previous Story

رفع اسم لبنان محققاً نجاحات عدة..ما جديد DJ GEO؟

Next Story

الكارما الجماعيّة – زياد شهاب الدين

Latest from Blog