الجمعيّات في لبنان: “تفريخ” فوضوي مخيف!

الجمعة, 6 مايو 2011, 15:20

الجمعيّات في لبنان: “تفريخ” فوضوي مخيف!
591 جمعية خلال عام 2010
من يراقب نشاطها وما هو دور وزارة الداخلية

عبد الفتاح خطاب

في مجال تأسيس وتنظيم الجمعيات في لبنان أصدر وزير الداخلية والبلديات بالوكالة احمد فتفت بتاريخ 19 أيار 2006 تعميماً رقمه 10/ام/2006 يتعلق بتحديد آلية جديدة في أخذ وزارة الداخلية والبلديات العلم والخبر بتأسيس الجمعيات في لبنان، وتسهيل هذا الأمر تطبيقاً لأحكام قانون الجمعيات الصادر عام 1909م  وتعديلاته.

وتنص المادة الثانية من قانون الجمعيات على “ان تأليف الجمعية لايحتاج إلى الرخصة في أول الأمر ولكنه يلزم في كل حال إعلام الحكومة بها بعد تأسيسها”. ونصّ المادة واضح وصريح بأن الجمعية تنشأ بمجرد التقاء مشيئة مؤسسيها وبتوقيعهم على أنظمتها، دون حاجة إلى أي ترخيص من السلطات الإدارية، مع وجود بعض الإستثناءات المحددة حصراً في قوانين خاصة، فهناك جمعيات معينة أخضعها القانون لمُوجب ترخيص الإدارة المسبق وهي التالية على سبيل المثال: الجمعيات الأجنبية (مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء)، جمعيات الشباب والكشاف والرياضة (ترخيص وزارة الشباب والرياضة)، الجمعيات التعاونية (ترخيص المديرية العامة للتعاونيات)، الجمعيات التعاونية والصناديق التعاضدية الزراعية (ترخيص وزارة الزراعة)، النقابات العمالية والمهن الحرة (ترخيص وزارة العمل)، النقابات الفنية (ترخيص وزارة الثقافة).

إذن، ما عدا الجمعيات الخاضعة لترخيص مسبق، يكفي عند تأسيس جمعية معينة (اجتماعية، ثقافية، سياسية، بيئية، عائلية وسواها) أن يتقدم مؤسسوها لدى وزارة الداخلية والبلديات ببيان علم وخبر يتضمن المستندات التالية:
– إسم الجمعية وعنوانها.
– ثلاث نسخ عن أنظمة الجمعية موقعة من قبل المؤسسين ومصادق عليها بخاتم الجمعية، ويمكن الإستئناس بالأنظمة المعدّة من قبل الوزارة التي تعطى مجاناً للمؤسسين.
– إخراجات قيد للمؤسسين (يشترط أن لا يكون أحد المؤسسين دون العشرين وذلك وفقاً لأحكام قانون الجمعيات).
– سجلات عدلية شرط أن لا يكون قد مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر.

تتولى وزارة الداخلية والبلديات التدقيق في هذه المستندات وبناء عليه يُعطى المؤسسين بياناً يشير إلى أن الوزارة أخذت علماً بتأسيس الجمعية وذلك دون إحالة العلم والخبر لأي مرجع للإستفسار أو للإستقصاء عنه، إنما سيصار إلى تبليغ البيان بأخذ الوزارة بالعلم والخبر إلى المراجع المعنية فيه (وزارات، إدارات، نقابات، إلخ….).

ويحق لوزارة الداخلية والبلديات رفض تسليم البيان المشار إليه أعلاه في الحالتين التاليتين:
1- إذا كان البيان لا يشمل المعلومات المفروضة قانوناً.
2- إذا كان موضوع الجمعية مستنداً على أساس غير مشروع، مخالفاً لأحكام القوانين والأنظمة والآداب العمومية.

وفي حال رفض تسليم العلم والخبر للأسباب المبينة أعلاه تُحلّ الجمعية بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. وبعد أخذ البيان بالعلم والخبر يصار إلى نشره في الجريدة الرسمية وفقاً للأصول المعمول بها حالياً.

ونشير إلى أن تعبير “علم وخبر” هو تركي ويعني وثيقة تشهد بتسلم مبلغ من المال أو رسالة أو وثائق أو إشعار.

بعد هذه المرحلة تحال بيانات العلم والخبر المقدمة إلى وزارة الداخلية إلى عدد من الأجهزة الأمنية كالأمن العام وجهاز أمن الدولة للقيام باستقصاءات حول مؤسسي الجمعية الذين يتم استدعاؤهم إلى التحقيق في بعض الأحيان.

صحيح أن حق التجمّع والإجتماع وتأسيس الجمعيات مُصان في لبنان، وصحيح أن العمل الخيري وتنظيمه في إطار جمعيات خيرية وإنسانية يُعدّ خطوة طبيعية وبديهية نظراً لتأصّل أعمال الخير في المجتمع كجزء لا يتجزأ من الموروث المتأصل في أعماق الوجدان اللبناني، أو عبر الوازع الديني والأخلاقي الذي يتمشى مع الأحكام والمباديء وتعاليم مختلف الأديان التي تحض على التكاتف والترابط  والتكافل الإجتماعي بين أعضاء المجتمع، لكن أن يتحوّل تأسيس الجمعيات إلى “باب للرزق” والوجاهة  و”الشحاذة” أو ضمن إطار التحضيرات للإنتخابات، فهذا يفوق الحدّ ولا يمكن السكوت عنه. عدا عن تسلط  بعض مسؤولي الجمعيات (مع عدم قدرتهم وانعدام كفاءتهم في العمل الجماعي) وركضهم نحو الأضواء والأهداف السياسية التي تُبعد الجمعية عن أهدافها الأصلية، ناهيك عن تحوّل النقابات المهنية والحرفية إلى أدوات سياسية ومذهبية بعيدة كل البعد عن المطالب النقابية، وهذا مُعيب وخطير.

وعلى الرغم من أن أغلب الجمعيات تؤكد نجاحها في تحقيق أهدافها إلى درجة كبيرة، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى عدم وجود تخصص في الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات، وأن هناك ازدواجية بين الأعمال التي تؤديها الجمعيات الخيرية المختلفة إذ إن أغلب هذه الجمعيات تقوم بأدوار متشابهة إلى حد كبير، ولا تكاد تختلف كثيراً في نطاقها الجغرافي ومضمونها وأهدافها.

كما أن الطابع الغالب على عمل الجمعيات هو طابع الرعاية الإجتماعية، وليس طابع التنمية الإجتماعية الذي يتطلب التفاعل مع المستفيدين من الخدمات الإنسانية، والمشاركة في تحديد شكل هذه الخدمات.

ويُعاني العمل في الجمعيات في لبنان من ضعف الخبرات والمهارات الإدارية، وقلة الدورات والبرامج التدريبية، وعدم الخبرة في المسائل المالية، فضلاً عن ضعف استثمار موارد الجمعية، وضعف الرقابة على المسائل المالية، ونقص الدعم والتمويل الحكومي، والمحاباة في تقديم الخدمات وصرف المساعدة للمحتاجين.

وعلى هذا فإن تطوير عمل الجمعيات يتطلب زيادة فعاليتها في تحقيق أهدافها، وذلك من خلال العمل على وجود التنسيق والتكامل وعدم الإزدواجية بين أعمال الجمعيات نفسها وغيرها من الهيئات الحكومية ذات الأنشطة المتشابهة، علاوة على ضرورة الإستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال العمل الخيري والإنساني والبيئي، وكيفية الترغيب فيه، وحث المواطنين على المشاركة في هذا العمل كواجب وطني والتزام أخلاقي يؤدي إلى تحقيق التكافل الإجتماعي بين أفراد المجتمع، مع ضرورة تنمية المشاركين في العمل الخيري والإنساني، وتطويرهم إداريا ومهنياً.

وأخيراً، يجب تشجيع الجمعيات على تطبيق مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات داخل هذه الجمعيات، سواء فيما يتعلق منها بالمشاركين في العمل أو المستفيدين منه.

والمفارقة الكبرى هي في  المقارنة بين هذا الكمّ  الهائل من الجمعيات والهيئات الأهلية والإجتماعية التي تم تأسيسها في لبنان وبين نتائج عملها الميداني الفعلي على الأرض، حيث يتضح الكثير من التقصير، ويُثار العديد من التساؤلات.

واستعراض الجدول الإحصائي بعدد الجمعيات التي تأسست خلال عام 2010 وعددها الإجمالي  591  جمعية يُظهر أن المعدّل هو جمعيتان تتأسسان كل يوم (إذا احتسبنا أيام العمل الفعلية دون أيام العطلة الأسبوعية والأعياد والمناسبات الرسمية).

كما يُظهر الجدول أن محافظة جبل لبنان نالت حصة الأسد حيث بلغ عدد جمعياتها على اختلاف تراخيصها 193 جمعية، تليها محافظة بيروت 131، الشمال 112، البقاع 83، وأخيراً الجنوب 72 جمعية.

ويُشير قانون الجمعيات والتعاميم الصادرة بهذا الخصوص إلى نواحي تنظيمية وقانونية تتعلق بجلسات الجمعية العمومية، والإنتخابات الدورية للهيئة الإدارية، وتعديل أنظمة الجمعية، وحلّ الجمعية، وغيرها.  كما يُلزم  كل جمعية أن تتقدم من وزارة الداخلية، في الشهر الأول من كل سنة، بلائحة تتضمن أسماء أعضائها وبنسخة من موازنتها السنوية وعن حسابها القطعي للسنة الفائتة.

لكن السؤال الكبير هو كيف يتأتى مراقبة أداء عشرات الآلاف من الجمعيات المرخّصة على مرّ السنين ومعرفة الغثّ من السمين، أي معرفة الجمعيات النشطة الفاعلة من الجمعيات الوهمية الخامدة،  في حين أن “دائرة الشؤون السياسية والأحزاب والجمعيات” في وزارة الداخلية تضمّ  عدداً محدوداً من الموظفين، ناهيك عن افتقارها للأدوات والوسائل اللازمة التي تصبو إليها لأداء مهامها على أكمل وجه!

 * نشرت في جريدة اللواء (ص6) 3/5/2011

اترك تعليقاً

إضغط هنا

Latest from Blog

أم عبدالله الشمري تتحدث عن الشهرة والعائلة والتحديات في أولى حلقات “كتير Naturel”

استضاف برنامج “كتير Naturel” في حلقته الأولى، الذي يُعرض عبر تلفزيون عراق المستقبل من إعداد وتقديم الإعلامي حسين إدريس، خبيرة التاروت أم عبدالله الشمري. وتحدثت أم عبدالله بكل صراحة عن مسيرتها، الشهرة،

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop