مصر أم الدنيا، تبقى مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
ولن ينتهي الحديث عنها قريبًا، وهي تصنع التغيير الحقيقي، وتعيد إلى الربيع حقيقته وصفاته وعنوانه الأجمل… على ما يقول سعيد عقل: تفتَّح الفِكر، قلتَ الفكرُ نيسانُ.
شعب مصر، ثلاثة أرباعه، قال بكل تلاوينه: لا لحكم الإخوان المسلمين الذين كشفوا مرتين عن حقيقة وجههم، المخفي بقناع منذ زمن بعيد. المرة الأولى بفشلهم في إدارة حكم البلاد، لاعتمادهم أساليب قديمة لا تصلح للحاضر، ولرفضهم الديمقراطية على اعتبار أنها تناقض الشريعة، ولدكتاتورية مارسوها بعزل الآخرين والاستئثار بكل شيء، أين منها دكتاتوريات أفريقيا وجمهوريات الموز في أميركا اللاتينية… فسقطوا ولم يهنأوا بالتمني لممثلهم على رأس السلطة محمد مرسي، في الذكرى الأولى لانتخابه: سنة حلوة يا جميل…
أما المرة الثانية فتمثلت برد فعل الإخوان الدموي في مختلف أنحاء مصر، حين عزل المصريون محمد مرسي، فحرضوا على القتل ومارسوه بأبشع أنواعه، وعاثوا فسادًا وتخريبًا لم تسلم منهما دور عبادة، وتمردوا على إرادة غالبية شعبهم، وهم مستمرون في هذا النهج، حتى توريط الجيش في الصراع لإيهام العالم بأن ما حدث في مصر انقلاب عسكري.
الشعب المصري، بقياداته ومؤسساته وذراعيه العسكرية والأمنية، وقف في وجه هذه البلطجة، ليستعيد حقًّا بذل من أجله صبرًا طويلًا وتضحيات وعرقًا ودماء، وهو أن يحكم نفسه بنفسه، لا أن تتحكم به طغمة، أو تكون بلاده ذات الحضارة الموغلة في القدم، جرمًا يدور في فلك إقليمي أو دولي.
كأن الإخوان المسلمون، وإن كانوا يناهضون الفنون، لم يشاهدوا يومًا، فيلمًا سينمائيًّا، من تراثهم بلادهم الغني، عنوانه “لصوص ولكن ظرفاء”… كي يتعلموا ويعتبروا.
وبعد الطرفة العبثية عن السجين والنملة التي أوردتها في مقال الأسبوع الماضي، إليكم الطرفة والعبرة، من الفيلم المذكور الذي أنتج عام 1969، وهو يندرج تحت لافتة الكوميديا السوداء. البطولة لأحمد مظهر وعادل إمام وماري منيب وآخرين. والقصة أن مظهر وإمام استأجرا شقة قرب شقة منيب، في الاسكندرية، بهدف فتح كوة فيها لسرقة محل مجوهرات يقع تحتها، ودأبا، نهاية كل أسبوع، تعطل خلالها المؤسسات وتقفل المحال أبوابها، على تحقيق هذا الهدف. أحمد مظهر المخطط الذي كلما شكك أمامه عادل إمام المنفذ، في نجاح الخطة، كان يجيبه، واثقًا: “كل شيء مدروس، كل شي مدروس”، فيروح نجم الكوميديا يعمل في الحفر، وهو يغني: “بلدي طنطا وأنا أحب عيش أونطة”… فيما ماري منيب الجارة البسيطة، كانت تتردد على جاريها، بين حين وآخر، كأنها اشتمت أن أمرًا غريبًا يُحضَّر. إلى أن حانت الساعة الصفر، واكتمل حفر كوة في أرض المنزل، وجيء بحبل نزل عليه عادل إمام إلى المحل المقفل، وغرف من صناديق المجوهرات وواجهاتها، ما ملأ كيسين. وحين همَّ بالصعود، وهو يغني طنطا والأونطة، فوجئ من حول الحفرة، بغابة من سيقان رجال الشرطة، ساعدوه على الخروج منها. فابتسم لهم متذاكيًا، وقال: “هو أنتم هِنا؟ أصلنا كنا بنضرب تلفون”… ثم التفت إلى أحمد مظهر “المسركل” بـ”الكلبشات”، وقال له، معاتبًا: كل شيء مدروس؟… ليردف في نفسه: “جاتك نيلة، إيه العلقة السودا المهبِّبة دي”.
كأن أحمد مظهر أنظمة غربية وإقليمية شجعت “الإخوان” على اعتلاء السلطة وسهلت لهم الأمر، لغايات في نفوسها، وكأني بمحمد مرسي عادل إمام (المعارض حكم “الإخوان”)، أما ماري منيب فليست سوى الشعب المصري الواعي الذي أبلغ الشرطة، سرًّا، بمخطط السرقة، فضبطته بالجرم المشهود، وأجهضته.
هذا في مصر… أما ارتداداته فلا بد شاملة حيث طالت يد “الإخوان”، مباشرة أو بالواسطة. وما الصراخ الذي نسمعه في أكثر من بلد، وحتى في لبنان، من سياسيين وأحزاب وجمعيات، سوى عويل وبكاء على حلم ضاع وتبخَّر…
مؤلمة الخسارة، وجميل استرجاع الحق. ويبقى أن اسم الفيلم لا ينطبق كليًّا على أصحاب المخطط الحقيقيين ومنفذيه… لأنهم لصوص، ولكن غير ظرفاء.