رادار نيوز – حاولت إيجاد كلمة تختصر بعض التصرفات والمواقف من الواقع المعقد المتداخل، في العالم والمنطقة ولبنان، فلم يقع قلمي إلَّا على “الفجور”.
كان الفاجر في ما مضى يأكل مال التاجر فحسب، فإذا به اليوم يريد أيضًا أن “يأكل لنا رأسنا”، هو الذي يظن أن رَوِيَّ شخصه الكريم يعطيه الحق المعطى للشاعر، في أن يكون المعنى في قلبه.
– الفُجَّار في حق طرابلس كثر. وحدهم الغالبية العظمى من أهلها براءٌ من هذه التهمة. المتورطون في إيقاد نارها، الساعون إلى استعارها أكثر، المرتضون أن يكونوا وقودًا لها، المتواطئون معهم، الساكتون عنهم، العاجزون من ذوي السلطة عن وقف حمام الدم ومسلسل الرعب… جميعهم منبعثون في المعاصي والمحارم، أي أن جميعهم فجار.
لكن قمة الفجور في أن يُقطع بث البرامج في بعض المحطات التلفزيونية، (ومنها من لا تقطعه ولو كان الدافع وفاة مالكها – لا سمح الله – وهي تعرض برنامج منوعات يدر عليها أرباحًا طائلة)، لتنتقل الكاميرا إلى مؤتمر صحافي يعقده مباشرة – قال – من اتّفق على تسميتهم قادة المحاور.
أنعم وأكرم بإعلام فاجر يبث السُّموم على أنها حرية رأي.
– كم بدا أن زعماء كثر في هذا العالم، وسط تطورات ما سمي “الربيع العربي”، وما سبقها وما سيعقبها، يشبهون مضمون هذا الحوار الذي دار بين أستاذ لغة عربية وطالب فذٍّ فَكِهٍ، فيما هم يحاولون، في فجور ظاهر على سحناتهم، أن يوحوا أنهم صناع قرار ورجال دولة. قال الأستاذ: أَعْرِبْ: هَذَا الزَّعِيمَ. أجابه الطالب: بِحَسَبِ مَا قَبْلَهُ. تابع الأستاذ: أَعْرِبْ: وَمَنْ تَلَاهُ. فقال الطالب: “لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ”.
– وكم من دولة تصرفت على أنها ذات سيدة وحرة ومستقلة، وأنها لا تتلقى أوامر من أحد، وأن الكرة الأرضية تبدو ناقصة من دونها، وأن يدها طائلة، وأن لها فضلًا (غير شاكر طبعًا) عظيمًا على محيطها والعالم… فإذا بها، حين يُفتضح أمر فجورها، مجرد خادم، ولو كبيرَ خدم، في مكتب موظف في وزارة خارجية لدولة عظمى. وينطبق عليها ما أوردتُه في كتابي “مُبْتَدَأٌ جَاءَ خَبَرُهُ”: “جملة “كبير الخدم، مهما كبر”، أينما وقعت، هي دائمًا مضاف إليه مجرور بالإضافة. وهذا هو المضاف الوحيد في اللُّغة، علامة جرِّه السُّكون الظَّاهر على محيَّاه، لأنَّه يتلقَّى فعل أمرٍ دائمًا!”.
– ولكثرة الفجور المتعلِّق بحقوق الإنسان والعدالة والتنمية، وكلُّه مغلَّف بكلام جميل معسول، بمضمونٍ أشبه بمرِّ الحنظل (الذي لا أدري من ذاقه ليفيدنا)، لاحظت أن من ينادون بهذه الفضائل خانوا الشَّرائع والمواثيق الدَّوليَّة، التي لو التفت واضعوها ومدبِّجو نصوصها وموادها، بدورهم قليلًا، إلى قواعد اللُّغة العربيَّة وإعرابها، لاستشرفوا أن القيم الإنسانيَّة التي يدعون بثها في المجتمعات، سترتكز، في وضوح، في زمن الفجور هذا، إليها.
-فلم يدركوا مثلًا أن العدالة كمثل جملة صلة الموصول لا محلَّ لها… من الإعراب.
-ولم يتنبَّهوا إلى أن الحرِّيَّة لن تكون سوى جملة اعتراضيّة بين أوَّل شريعة غاب سنَّتها قبائل ما قبل التَّاريخ، وآخر شريعة غاب معمول بها إلى ما قبل يوم القيامة بلحظة.
-ولم يعرفوا قط أن حقوق الإنسان كمثل جملة إسميَّة غير فصيحة لأنَّ لا فعل فيها.
-وغاب عن بالهم أن الكذب هو دائمًا صفة مشبَّهة… بالسِّياسة.
-وأُسقط في يدهم أن ألدُّول العظمى أو الكبرى أو الجبَّارة ليست إلَّا أفعالًا متعدِّية… ومعتدية.
-وما تصوروا يومًا أنَّ بعض سياسات الدُّول “الكبرى” المذكورة أعلاه أشبه بلا النَّافية للجنس… البشريّ.
-وما تخيلوا أن كثرًا هم رجال السِّياسة المعرَّفة أسماؤهم مسبقًا، لا يستحقُّون أن يكونوا حتَّى نكرة، لأنَّهم جامدون… ومتحجِّرون.
-وما كنت أحسبهم يحيون إلى زمن يتولى غالبيّة أنظمة الحكم في العالم، حكَّام معرَّفون بـ”أل” الدَّم، أو “أل” الكذب، فتكون شعوبهم دائمًا نكرة… مسحوقة!
ولم يأبهوا لأنَّ ثمَّة حكَّامًا تكثر في أسمائهم أحرف العلَّة، ولكن هل فوجئوا بأن ثمَّة حكَّامًا هم هم العلَّة… من دون أحرف؟
وهل غضُّوا الطرف مثلًا عن أن الطَّاغية كمثل ألف همزة الوصل وألف الإطلاق، يَحسب نفسه البداية والنِّهاية، لكنَّه في الحالين لا يلفظ. بلى، يلفظه التَّاريخ.
– يبقى أخيرًا أن لا حاجة إلى جراحة لاستخراج معنًى ما، إذا كان في قلب الشّاعر. فالطَّبيب، في حال كهذه لا ينفع، ينفع اللَّبيب.
-فكيف إذا شئنا أن نستخرج المعنى من قلب الفاجر؟