رادار نيوز – أن تصادف الذكرى التاسعة والثلاثون للحرب على لبنان، ذكرى أحد الشعانين الذي دخل فيه ملك المجد أورشليم على جحش بن أتان… ففي الأمر ما يستوجب التأمل، على الأقل، في بضعة معانٍ ينطوي عليها هذان الحدثان.
أسباب الحرب على لبنان، التي لم تندلع في 13 نيسان 1975، بل في اليوم التالي لانتهاء حرب الأيام الستة عام 1967، حين اختير لبنان ودول أخرى لتكون إحداها الوطن البديل من فلسطين، قد تكون دولية في إطار صراع الجبارين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وإقليمية في ضوء الانقسامات العربية والصراع العربي – الإسرائيلي، ومحلية سياسية ومطلبية وطائفية، لكن سببها الأساس يبقى طبقة من السياسيين التقليديين أمعنت شهوة إلى السلطة، وتخلت عن القيم من أجل المصالح، واشتهرت بالكبرياء بدلًا من التواضع، فركبت رأسها بدلًا من أن تدخل المجد على جحش بن أتان.
أما السيد المسيح الذي نزل من السماء ليبذل نفسه عن البشرية جمعاء، ويمحو خطاياها المتراكمة منذ آدم، فركب في طريقه إلى المجد، الجحش ابن الأتان، مدركًا تمامًا أن التضحية بالنفس تتطلب أيضًا تواضعًا، وسائرًا بإرادته إلى موته، هو الذي ما جاء إلَّا ليغلب العالم، وما كان الأمر يستلزم منه سوى استخدام سلطته الإلهية، لكنه أطاع أباه السماوي، ولتكن مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض.
سياسيو لبنان، في معظمهم، أبقونا في الجحيم منذ 39 سنة. تسببوا باندلاع الحرب التي ما زالت مستمرة، بأشكال متنوعة، ولم تنفع بعد محاولاتهم لإيقافها، لأن الكبرياء هي التي تتحكم بسلوكهم، فجعلوا كل يوم من أيامنا جلجلة نحمل عليها صلباننا، فنصلب مئة مرة في النهار القصير، ولا قيامة بعد، لا في اليوم الثالث، ولا عشية السنة الأربعين.
أما السيد المسيح فدلنا إلى سبل الخلاص، فما وَهَنَ في مواجهة، ولا أجبره ألم على الانصياع، ولا دفعته شتيمة أو جلدة أو شماتة على الكره أو الحقد، ولا استوقفه أن الذين استقبلوه بسعف النخيل، طالب معظمهم بصلبه، ولا خشي جبروت قيافا، ولا جادل جاهلًا كبيلاطس، ولا هاله أن يصلب بين لصين… لأن حدث القيامة كان لا بد قائمًا، ليتم به كل شيء… واغفر لهم يا أبتاه.
فهل درى ما فعل حكام لبنان، بلبنان وشعبه؟ وهل، حين أفلتت خيوط اللعبة من أيديهم، استدركوا؟ وهل، آن باتت كراسيهم في مهب الخطر، تحسسوا أن لا وطن سيبقى، ليكون لهم فيه موطئ كرسي؟ وهل، في كبريائهم المستمرة، اعتبروا، فتخلوا عنها، وامتطوا بإرادتهم الجحش ابن الأتان، ودخلوا على شعبهم، معتذرين، مستعدين لبذل أنفسهم عن ناخبيهم وجمهورهم ومريديهم، وبالتالي عن الجميع، مؤيدين ومعارضين، واستحوا على دمهم، فحلوا عن ظهر الناس؟
يا سياسيينا الكرام، 39 سنة من أعمارنا ذهبت هباء منثورًا، ولم يرف لكم جفن بعد، ولم تعلمكم أمثولة الجحش ابن الأتان شيئًا من التواضع، ولم يدعُكم بعد طفل إلى الوقوف على خاطر فرحته بشمعته المزينة، رافلًا بثوبه الأبيض، مزهوًّا بزينة هيأها لأحلام وآمال، لن تكونوا يومًا في مستواها؟
وإذا كان للدول العالمية الكبرى والدول الإقليمية الكبرى مصالح لا تتفق ورغبة الشعب اللبناني، بعد طول معاناة، في طي صفحة المآسي والحروب، ألا يجدر بكم، أن تستلهموا من ذاك الجحش ابن الأتان أمثولة، فتصفقوا الباب في وجه الطامع، وتلتقوا على كلمة سواء، تنقذ وتخلِّص وتعمم طمأنينة وازدهارًا وسلامًا؟
قليل من التواضع قد يفرح قلب الشعب، والإمعان في الكبرياء قد يودي به إلى الهلاك، فلا تدعوا فرصة الإنقاذ تفوتكم…
لكن خبرتي بكم وبسجلكم السياسي وسلوككم، طوال السنوات التسع والثلاثين، وغيكم وشغفكم بالسلطة، ورهاناتكم العصية على أي فهم، وشهوتكم إلى السلطة، أي سلطة، تجعلني أرفع العشرة، عجزًا عن فهم ما تريدون، وأمشي خلف ملك المجد، ليس في مسيرة شعانينه، بل إلى جلجلته، قريبًا من يوحنا الحبيب وأمه، وعلى مرأى من قائد المئة، وأقول لكم، بلسانه: أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون… ولن يدروا.
حبيب يونس