رادار نيوز – ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال:”عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله التي هي الزاد، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. ومن التقوى، الاستهداء بما جرى مع ذي القرنين، الذي تحدث عنه القرآن في قوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا}. تقول الرواية، إن ذا القرنين عندما أخبر بوجود رجال حكماء يسكنون جزيرة، ذهب إليهم ليستفيد من حكمتهم، فسألهم مسائل فأجابوه، ثم قال لهم: سلوني حوائجكم، فقالوا له: نسألك الخلد في الحياة، فقال: وأنى به لنفسي ولا أقدر على زيادة نفس واحد من أنفاسي! فقالوا له: إذا عرفنا بقية آجالنا.. فقال: أنا لا أعرف بقية أجلي، فكيف لي بمعرفة أجل غيري! فقالوا له: إذا، دعنا نسأل حوائجنا ممن يملك ذلك، فهو أولى بأن نسأله”.
تابع:”أيها الأحبة، إن من الحكمة أن نستند إلى الله وحده، وأن نرجع إليه في كل أمورنا، فهو من بيده الأمر، فيما غيره محتاج إليه في الصغيرة والكبيرة، ومتى رجعنا إليه، واستندنا إليه، سنجد الأبواب عنده مفتوحة لنا، فبهذه الروح الواثقة بالله، نستطيع أن نخوض معركة الحياة، ونواجه التحديات، وهي كبيرة وكثيرة”.
واضاف:”البداية من غزة، التي خرجت مرفوعة الرأس عالية الجبين، رغم كل مشاهد الدمار التي تشير إلى حجم الجريمة التي ارتكبها العدو بحق الحجر والبشر، ومدى الحقد الذي يكنه هذا العدو لشعب غزة، ومدى خطره على الإنسانية. لقد أراد العدو من كل هذا الركام والدمار، أن يطمر القضية الفلسطينية، وأن يسقط إنسانها، وأن يجعله ينهزم ويستسلم، ولكن هذا الشعب خرج أقوى وأكثر إصرارا وتصميما على الثبات في أرضه، وتحريرها من دنس المحتلين، وأعاد إلى القضية الفلسطينية وهجها وحيويتها وحضورها”.
واعلن:”لقد قدمت غزة درسا جديدا للعدو، كالدرس الذي قدمه لبنان له، وأثبتت أنها لم تعد أرضا سائبة ومستباحة، يدخل إليها ساعة يشاء وعندما يريد، بل بات عليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يكرر عدوانه”.
واشار الى ان “المقاومة في فلسطين انتصرت بأخلاقيتها وإنسانيتها أولا، وقهرت جبروت الكيان الصهيوني بسلاحها وصبرها وثباتها، عندما وجهت سلاحها إلى صدر جيشه وجنوده، بخلاف العدو الذي صب جام غيظه على النساء والأطفال والمدنيين، وعمل على الثأر منهم، بعدما عجز عن مواجهة المقاومين الأبطال”.
وقال:”لقد أحرجت غزة بوحدتها وقداسة هدفها كل الذين صنعوا الحروب الداخلية، وأشعلوا نيران الفتن في هذا العالم العربي والإسلامي، لحسابات طائفية أو مذهبية، أو لحسابات خاصة، وأظهرتهم على حقيقتهم، وبينت أنهم صغار وهامشيون، وقالت لهم بلسان تضحياتها: إن المعركة هنا، والقضية الحقيقية هنا”.
ولفت فضل الله “الى ان غزة قدمت أنموذجا في قدرة هذه الأمة على صنع الانتصار، رغم تآمر العالم عليها، وتركها وحيدة لتواجه أعتى عدو في هذا العالم، ورغم الصمت المريب على جرائمه وطغيانه، فكان لسان شعبها يقول: “حسبنا الله ونعم الوكيل”. ونحن على ثقة بأن هذا الشعب الذي فوت على العدو فرصة الانتصار في المعركة العسكرية ومعركة الإرادات، سيفوت عليه فرصة تحقيق المكتسبات التي يريدها في المفاوضات، فهو لن يخضع لحرب الأعصاب والتهويل اللذين يمارسان عليه الآن، وسيبقى موحدا حتى يحصل على حقوقه”.
وتابع:”هنا، ندعو الشعوب والدول العربية والإسلامية، وكل أحرار العالم الذين وقفوا مع هذا الشعب، إلى أن يتابعوا دعمهم له، وألا يترك وحيدا في مطالبته بحقوقه الطبيعية في المفاوضات، برفع الحصار البري والبحري عنه، وإطلاق سراح الأسرى، وتقديم الدعم للذين تهدمت بيوتهم، وعلاج آلاف الجرحى ممن لا تتسع مستشفيات غزة لهم، لتكتمل صورة النصر”.
اضاف:”نصل إلى العراق، حيث تستمر الحرب عليه ممن لا يريدون لشعبه الوحدة والاستقرار، فيما لم تصل بعد مكوناته السياسية إلى اتفاق حول اسم رئيس الحكومة، ولا على حكومة تؤدي دورها في هذه المرحلة الصعبة”.
وقال:”في الوقت الذي ندعو الشعب العراقي وكل مكوناته إلى التلاحم في مواجهة الخطر الداهم، والذي لم يقف عند حدود منطقة معينة، ننوه بالتعاون الذي جرى بين المكون الكردي والحكومة العراقية، في مواجهة ما جرى ويجري في أربيل والموصل وسنجار، وندعو إلى الإسراع في تشكيل حكومة جامعة فاعلة، تأخذ في الحسبان الواقع التمثيلي للقوى السياسية، حتى تكون ضمانة لاستقرار العراق، في ظل ما يتعرض له من خطر كبير يتمثل في التهجير والقتل، الذي استهدف المسيحيين والإيزيديين والمسلمين، وكل من يختلف مع هؤلاء في الرأي”…
واعلن “هنا، لا بد لنا، وانطلاقا من مطالبة المطارنة المسيحيين في لبنان بموقف من المرجعيات الإسلامية تجاه ما يجري للمسيحيين في الموصل، من أن نشير إلى كل تاريخ التعايش الذي عاشه المسلمون والمسيحيون معا، فما يجري في الموصل ونينوى لا ينطلق من جذور إسلامية، تعيش الإسلام بعمق ووعي، فالذين يقتلون ويهجرون، لا ينطلقون من فتاوى العلماء المسلمين ولا المرجعيات الدينية، وليس لهم أي غطاء ديني، بل لهم منطقهم الخاص والخاطئ الذي ينطلقون منه، مستفيدين من مناخ سياسي دولي وإقليمي بات مكشوفا، يؤمن لهم كل أسباب الدعم. ومن هنا، فإن المرجعيات الدينية لا تحتاج إلى فتاوى جديدة تطلب منها في هذا الخصوص، فالرأي الإسلامي واضح في ذلك، ولا لبس فيه”.
وقال:”نصل إلى لبنان، الذي نأمل أن يكون قد تخطى المرحلة الأصعب في تاريخه، وأجهض المشروع الذي كان يريد أن يلحقه بما يجري في العراق وسوريا، من خلال اجتياح بلدة عرسال، واستهداف الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية، وقد يكون ذلك مقدمة للوصول إلى مناطق أخرى. لقد تم إجهاض ذلك بفضل وحدة اللبنانيين، ووقوفهم صفا واحدا وراء جيشهم، وابتعادهم عن كل الحسابات الطائفية والمذهبية”.
تابع:”إننا ندعو إلى مزيد من تراص الصفوف وتماسكها، وتجاوز الخلافات، فالوقت الآن ليس وقت تسجيل النقاط من هذا الفريق على ذاك أو العكس، أو نبش الماضي وما جرى فيه، أو استحضار الخلافات، بقدر ما هو وقت العمل الدؤوب لدرء الخطر الذي لم ينته بعد، وحماية هذا البلد من الذين يريدون العبث بأمنه، وتحويله إلى ساحة لتنفيس أحقادهم ومشاريعهم التقسيمية، والذين يهددون إنسانه ومقدساته”.
واشار الى “ان الدماء التي نزفت من أفراد الجيش اللبناني وضباطه، والتي هي من كل الطوائف والمذاهب، ينبغي أن تكون مدعاة للجميع، لمراجعة سياستهم ومواقفهم ومنطلقاتهم، فالخطر من هؤلاء لن يحدق بدين أو مذهب أو موقع سياسي، بل هو خطر داهم للجميع، ولا يفرق بين فريق وآخر. وفي هذا المجال، نقدر كل دعم يقدم للبنان لمواجهة الأخطار المحدقة به، وندعو إلى الإسراع في تأمين عناصر القوة للجيش اللبناني، وعدم التباطؤ في هذا الأمر، وخصوصا في هذا الظرف الصعب الذي يحتاج فيه الجيش إلى الدعم المباشر، لا إلى الكلمات فقط”.
وختم فضل الله قائلا:”إننا ندعو في هذه المرحلة الحاسمة والمصيرية إلى الارتفاع إلى مستوى خطورة ما جرى ويجري، وإلى مزيد من الوعي والتواصل والحوار، وأن تتسارع الحركة السياسية لتثبت الأرض سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتوجيها، قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، والشواهد من حولنا كثيرة، وهي كافية لنأخذ منها كل العبر والدروس”.
ممكن أن يهمك
- لبنان بين مطرقة الاعتداءات الإسرائيلية وسندان اللائحة الرمادية - بقلم العميد الدكتور غازي محمود
- نقيب محرري الصحافة اللبنانية السابق الاستاذ الياس عون في ذمة الله
- بعد محاولة اغتيال ترامب بايدن: لا مكان للعنف في اميركا
- أمانة السجل العقاري في بعبدا تستقبل معاملات جديدة لجميع انواع العمليات باستثناء عمليات البيع
Latest from Blog
مع اقتراب موعد اجتماع مجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force FATF)، يعود من جديد التهديد
قال نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي: تلقيت منذ قليل بكل حزن والم واسف نبأ وفاة
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها سلفه والمرشح الجمهوري دونالد
صدر عن المديرية العامة للشؤون العقارية، بيان أعلنت فيه أن “أمانة السجل العقاري في بعبدا سوف
تقوم وحدات الجيش ومديرية المخابرات فضلاً عن بقية الأجهزة المعنية بسلسلة من العمليات الاستباقية التي مكّنتها