لما سكن الليل، ورقدت الحياة، وارخت اسدال جفونها على الارجاء، وانطفأ السراج في المنازل، ولم يبقى من الانوار الا لمعات النجوم المتناجية، والشهب المترامية، واشعة القمر المنسكبة على هدوء السحر، وهتاف صوت الحكمة، وفكرة التأمل، لارسل النظر الى ذلك المجد الحضاري لتاريخ الامبراطورية الرومانية وفي أجمل بقعة من بقاع الارض لبنان وفي الموقع المختار لبناء اكبر واعظم الهياكل الرومانية في العالم، هليوبوليس قلعة مدينة الشمس بعلبك.
قرأت كثيراً عن هذا المجد وسمعت أكثر, لم أفهم ماذا يعني الأباطرة وكأنني في حلم استرسلت فيه عبر الآثار، لذلك التاريخ العظيم الذي صنعه الانسان آنذاك، وما زال شامخاً شموخ النفس البشرية التي اوجدته!!
ولكن يبقى السؤال، من الذي اوجد ذلك التاريخ وتلك الآثار…؟ اعمدة مهيبة، ارتفعت بفن راق ومدهش، يذهل العقول! من بناها؟ ومن صنع كل ذلك المجد والحضارة؟
اهم اباطرة روما، تلك المخلوقات التي حكمت الناس آنذاك؟ ماذا عن تلك العقول، والايدي، والاجساد، والجهود التي بذلت وصرفت لصنع تلك الحضارة؟ لماذا لا نقرأ او نمجّد العقل البشري آنذاك، الذي خطّ وابدع في تلك الرموز من بناء المعابد، وهندسة المقابر، ونحت الصخور؟ هل من حقّهم… ان يكونوا اباطرة في حياتهم وموتهم… وما بعد التاريخ؟! وهل من حق الشعوب… ان تبقى عبيدا في زمنها… والزمن الذي يأتي؟ شعوب تعمل، تبني، تفكر، وتبدع. ثم يصادر كل ذلك منها لخدمة الاباطرة في حياتهم، ولتمجيد ذكراهم في ما بعد الحياة؟! وانا في دهشتي لعظمتها! افكر في تلك الانامل المبدعة التي حولت تلم الصخور الضخمة الى معابد تنطق بالحياة! أفكر في اصحاب العقول التي ابدعت في هندستها، وبنائها، والذين استطاعوا ان يبنوا لأنفسهم كل هذا المجد! احاول ان اتلمس تلك الارواح التي كانت تخدم الامبراطورية الرومانية وتصرف جلّ أعمارها لتقضي حوائجها، وتسيير أمور البلاد!!
تاريخ اكبر، واكبر من ان تصادره الامبراطورية الرومانية حتّى فرّ خيالي هاربا من دهاليز التاريخ يبحث عن تاريخ ليصنعه. عندها انتهت الرحلة، وصودر الحلم، والفكرة. حيث لا يحق لغير من بنيت على ارضه هذه القلعة ان يكون له تاريخ!
رئيس التحرير