الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

237 views

عن دارالفارابي صدر كتاب الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي للدكتور سمير التنير الذي قسّم كتابه الى قسمين: القسم الأول: في السياسة العربية والدولية في مصر … الشعب اراد والقسم الثاني: في الإقتصاد العربي والدولي.
يعرض المؤلف كيف تطوعت الأنظمة السياسية في العالم العربي سواء في الممالك أو الجمهوريات أو الإمارات بتقديم العديد من المبررات لدعم استمراريتها وتأبيد سياساتها المعادية للديمقراطية والتنافس السلمي الديمقراطي، الذي وحده يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين. من هذه المبررات أن المجتمعات العربية غير جاهزة للممارسة الديمقراطية، وأن التعدد والمنافسة السياسية لم يتطورا بعد ليكونا أساس الاختلاف السياسي. وعادة ما يتم تصوير التنافس السياسي على أنه تعزيز للاختلاف مثل الصراع الطائفي والإنثي والمناطقي. وتقدم الأنظمة العربية نفسها على أنها صاحبة القواسم المشتركة التي تدفع جانباً بالتنافس غير الإيجابي. ومن جانب آخر تقدم نفسها للعالم على أنها الأفضل بين البدائل المتاحة، ولكن ليس بالضرورة من وجهة نظر شعوبها.

 يشير الكاتب كيف يختلف بعض المثقفين العرب المستقلين عن مثقفي السلطة من ناحية تشخيص الظاهرة والتعامل معها. ففي الوقت الذي يرى المثقفون المستقلون أن الأسباب التي تقدمها الأنظمة ضد التنافس السياسي غير شرعية، يرى منظرو الأنظمة أن هذه الأسباب تشكل عوامل تشتيت وتفرقة للوحدة الوطنية. يبقى الرأي العام العربي مغيباً في مثل هذه الحالة لعدة أسباب: أولها عدم وجود بيانات علمية موثوقة تدل على اتجاهات الرأي العام العربي نحو هذه الظواهر الاجتماعية السياسية، وثانيها أن الرأي العام العربي غير مؤثر في عملية صنع القرار السياسي بحكم عدم وجود ديموقراطية سياسية يمكن أن يؤثر (أي الرأي العام) في مجراها.

 تقدم الأنظمة العربية عروضاً لأميركا وأوروبا لخدمة مصالحها الأمنية في المنطقة خاصة مع بروز تحديات أمنية إقليمية جديدة منها: اتضاح انهيار المشروع الأميركي في العراق، وفوز الإسلاميين في انتخابات بعض الدول العربية، وصعود إيران كقوة إقليمية. ولكن هذه العروض لم تنطوِ عملياً على المساهمة الجادة في وضع حد نهائي لأي نزاع. فالاستراتيجية المشتركة للنظم العربية كانت دائماً الحرص على إبقاء النزاعات الإقليمية ساخنة، بحيث تحافظ على استمرار هاجس الأمن القومي متقداً دائماً، وقابلاً للتوظيف مع الشعوب ونخبها السياسية والثقافية، لإبقاء اهتمامها مركّزاً على العدو الخارجي، وبالتالي الدعم غير المباشر لمشروعية استمرارها دون تغيير، ولكن دون السماح لهذه النزاعات بالتفاقم إلى درجة تتهدد فيها مصالح هذه النظم.

وتصور تلك الأنظمة الإسلاميين كفزاعة لتثبيط حماسة الدعوة إلى الديموقراطية سواء لدى المجتمع الدولي، أو لدى النخب السياسية المحلية الليبرالية واليسارية والعلمانية والقومية، وتواصل ممارسة كل أنواع القمع البوليسي والإداري والتشريعي والإعلامي، بما في ذلك تكثيف حملات الاغتيال المعنوي عبر وسائل الإعلام للرموز السياسية الجديدة الصاعدة. كما تستغل، أي النظم الحاكمة، التناقضات والاختلافات بين النخب المعارضة، وضرب بعضها ببعضها الآخر، وخلق فجوة ثقة دائمة بينها، كي يستحيل بعد ذلك تحقيق توافقات ذات طابع استراتيجي قادرة على الصمود، مقابل القدرة الدائمة على إقامة تحالفات تكتيكية قصيرة الأمد بين النخبة الحاكمة وأقسام من النخب غير الحاكمة في مواجهة الأقسام الأخرى.

 ونظراً للتشرذم الحاصل بين النخب المعارضة، لم يتوافر لها حد أدنى من قوة الدفع نحو الداخل لفرض تطبيق الديموقراطية، بل كانت مجرد أشواق تتطلع إلى الديموقراطية بصوت عال وأشكال صاخبة من دون أن تكون على استعداد لدفع ثمن الحصول عليها. ولا بدّ إذن، من وجوب تقديم النخب غير الحاكمة تنازلات متبادلة، بما يمكنها من تشكيل قطب أو رقم حقيقي في المعادلات السياسية، قادر على القيام باختراق، ولو محدود، أو فتح ثغرة في جدار احتكار النخب الحاكمة للسلطة والثورة.

 وإذا نظرنا إلى الانتخابات في البلدان العربية لرأينا ممارسات عجيبة غريبة لا تتفق أبداً مع الممارسات الديموقراطية الصحيحة. ففي الدول الديموقراطية ينتخب المواطنون أعضاء المجلس النيابي ليخدموا مصالحهم ويعملوا من أجل الخير العام. لكن أنظمة الاقتراع وهيكلية المجلس النيابي تختلفان من نواح عدة في العالم العربي. كذلك نجد، في حالات كثيرة ، أن أعضاء المجلس النيابي لا يخضعون لتصويت المواطنين بل تعينهم سلطات تنفيذية أعلى. وفي بلدان عربية أخرى تحظى السلطة التنفيذية الرئيسة – أي الرئيس أو الملك – بسلطات أكبر من المجالس التشريعية أو النيابية التي تقتصر مسؤولياتها الأساسية على المصادقة على القوانين أو إصدار البيانات.

 يستخدم مصطلح “الانتقال إلى الديموقراطية” على العكس من مصطلح “الانفتاح السياسي” للتعبير عن مرحلة أكثر تقدماً وأهمية وأشد جذرية في التغيير. فإذا كان الانفتاح السياسي يمثل إعادة ترتيب البيت القديم الذي انطفأت ألوانه وتآكلت جدرانه، فإن التحول إلى الديموقراطية يعني هدم البيت القديم وإقامة منزل جديد على أنقاضه، بتصميم مختلف ومواد بناء مختلفة. ولذلك يعرف الانتقال إلى الديموقراطية بأنه عملية “تفتيت النظام الاستبدادي القائم وإعادة بنائه وفقاً للأسس الديموقراطية”. وتنطوي عملية الانتقال إلى الديموقراطية على توسيع المشاركة السياسية بطريقة تمكن المواطنين بشكل مباشر وجماعي من السيطرة الفعلية على صنع السياسة العامة.

 يفتقد النظام الاستبدادي للشرعية الداخلية. وهو ما يمكن أن يحدث لأسباب كثيرة أهمها على الإطلاق في العالم العربي التراجع الاقتصادي الفجائي. أما بالنسبة للفشل العسكري، فلا يبدو في ظل التجارب التاريخية أنه ذو أهمية في بقاء النظام أو زواله، إلا إذا كان الفشل العسكري في مواجهة القوى الساعية إلى تغيير النظام. ويفتقد النظام الاستبدادي أيضاً للشرعية الدولية، وتتعدد الأسباب التي يمكن أن تجعله غير شرعي في نظر المجتمع الدولي. لكن أهم تلك الأسباب هو وصول المجتمع الدولي إلى قناعة بأن النظام الاستبدادي لا يلتزم بالأعراف الدولية؛ ويؤدي فقدان النظام للقبول الدولي إلى ضمان أن المجتمع الدولي لن يعارض عملية تغييره.

 إن توسيع قاعدة المنادين بالديمقراطية يتطلّب بروز قيادة ديمقراطية تقدر المسؤولية وترتقي إلى مستواها، وتتحلى بعنصر العمل الجماعي، والمشاركة مع الآخرين والتخلي عن عقلية الإقصاء، والاعتماد على العقل بدلاً من العاطفة في وضع برامج العمل والتصدي للتحديات.

 إن على القادة الديمقراطيين والقوى السياسية إدراك خطر ثقافة الاستبداد والتخلف وسط الجماهير والعمل على مواجهة أبعادها الثقافية (ثقافة الخوف، وثقافة الإفلات من القانون ومن العقاب، وتقنين الفساد بين طبقات المجتمع وفئاته) وذلك باستخدام كل الوسائل الممكنة من وسائل إعلام وتربية وصحافة ونشر ولقاءات مباشرة، وكذلك إنشاء مراكز لتعميم ثقافة المواطنة والديموقراطية.

 يعرض المؤلف كيف هبت على أقطار الوطن العربي، منذ فترة، نسائم حرية، بدت في البدء ضعيفة ثم تحولت إلى عاصفة عاتية أخذت في طريقها كل شيء. كان الوضع في الوطن العربي يبدو جامداً والأزمات تتراكم من دون حلول. لكن العاصفة التونسية أجبرت بن علي على الهروب وفرعون مصر، غادر إلى فيلا في شرم الشيخ. فرض الشبان نظاماً جديداً، بعد أن كسروا جدار الخوف. وحطموا الفساد والمفسدين، طالبين الحرية والخبز مع الكرامة. وكان الحكام المستبدون يقولون للغرب: “إما نحن… أو الإرهاب الإسلامي”.

ولكن الأحداث أظهرت لهما أن لا مستقبل لحكام الاستبداد، وأن مقولة “نهاية التاريخ” التي راجت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن القطب الأوحد الأميركي سيعيد تشكيل العالم كما يريد، طروحات خاطئة ومزورة.

 ينظر الحاكم العربي إلى السلطة بوصفها ملكاً له، وإلى الدولة بوصفها سلعة يحق له التصرف بها للإثراء الذاتي أو للتوريث. من هنا كان الإلحاح على البقاء في السلطة لعدم خسارة تلك الثروات الخيالية. أما الطريقة التي اقتلع بها الشبان الثائرون حكامهم فكانت “الإنقلاب الشعبي”.

يضع المؤلف في كتابه تحليلاً واسعاً لهيكل الديكتاتوريات وكيفية تدميرها وكسرها. إذ إن النظام الديكتاتوري يكون مسيطراً على مفاصل الدولة كافة، والثورة السلمية عند قيامها يجب أن تبعد تدريجياً سيطرة رجال السلطة عن تلك المفاصل، وأن تنتبه لعدم وصول ديكتاتور جديد مكان السابق.

 عرض كيف انتصرت الثورات السلمية في صربيا وأوكرانيا وجورجيا ومصر وتونس. ورأى أوباما أن الملوك في المنطقة سينجون على الأغلب من تلك الثورات بينما يسقط رؤساء الجمهوريات. لماذا؟ يرى أوباما أن النظام الملكي يستطيع تغيير الحكومات وتعديل الدساتير، إنه نظام مرن ويقبل التسويات.
وفي بلدان الخليج العربي ومنها دولة البحرين، حيث أغلبية السكان من الشيعة، يأمل الأميركيون بأن يحل الملك مشاكلها سلمياً، إذ أعطى أوامره بانسحاب الدبابات من ساحة اللؤلؤة ولكن بعد سقوط 7 قتلى من المتظاهرين. وتنظر أميركا إلى البحرين بعناية خاصة، إذ إنها القاعدة الرئيسية للأسطول الخامس، مما يجعل إرضاء المتظاهرين ضرورياً، ولأن البحرين قريبة جداً من المملكة العربية السعودية حيث يتركز الاحتياط النفطي الأكبر في العالم.

 أما في اليمن حيث يحكم علي عبدالله صالح البلاد منذ 32 عاماً، فقد أعلن صالح في 20 شباط أنه لن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية لفترة حكم جديدة. ولكن المعارضة لم تقبل بذلك. ويعتبر صالح في أميركا كحليف وثيق وشريك في الحرب على الإرهاب.

 وأخيراً لم يعد بوسع أميركا الآن مساندة الحكام الديكتاتوريين، كما كان الأمر زمن الحرب الباردة. والتأييد اليوم يأتي سرياً، أما علناً فيجري تأييد الانتقال إلى الحكم الديموقراطي لفظياً. وهم يأملون أيضاً بعدم انتقال ثورة الشبان العرب إلى القارة الأفريقية وإلى البلدان الآسيوية وحتى بعض دول أوروبا.

انه كتاب مترامي الصفحات، غني في مصادره وتحليلاته، واستنتاجاته. يمتاز بالإختصار المفيد، عكس المصنفات العربية القديمة، التي عرفت بالتطويل وكثرة التفاصيل… انه يختصر السير وهو لتبيان العبر. ويقتصر على عرض نسائم الحرية في كل أقطار الوطن العربي التي بدأت ضعيفة، ومن ثم تحولت الى عاصفة أخذت في طريقها كل الأنظمة الفاسدة.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

نيكول سابا ومفاجأة بعد شهر رمضان

Next Story

تعيين اللبناني خالد شهاب رئيسا تنفيذيا لعلامات كرايسلر/لانشيا

Latest from Blog