رادار نيوز – الكورة – وجه رئيس لجنة البيئة في “التجمع الوطني الديمقراطي” جورج قسطنطين العيناتي، كتابا مفتوحا إلى كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، ناشدهم فيه “اتخاذ الإجراءات التي تكفل وضع حد للكارثة التي حلت بطبيعة الكورة وبيئتها، نتيجة تشويه مصانع اسمنت شكا لها”، مؤكدا انه “إذا استمر الوضع في الكورة على ما هو عليه، فإن ذلك ينذر بتدمير اخضرار لبنان والقضاء على الحياة الإنسانية فيه”.
وجاء في الكتاب: “أنقل إلى فخامتكم ودولتكم عبر هذا الكتاب الواقع المأساوي الذي نعيشه في الكورة، آملا من حضرتكم اتخاذ الإجراءات التي تكفل وضع حد لهذه الكارثة التي حلت بأهل الكورة وطبيعتها، فقد شوهت شركات شكا طبيعة الكورة الجغرافية واعتدت على بيئتها وأزالت جبال واجهتها البحرية بشكل لم يحدث في أي مكان آخر من العالم. فقد أقامت مقالع على مسافة كيلومترات طويلة فوق الينابيع التي شحت وفوق شلال الشرفة الذي أزيل من الوجود، وفوق شرايين المياه الجوفية التي تغذي أهم بحيرة مياه جوفية في الشرق. مقالع تعمل فيها مئات الجرافات والشاحنات، أزالت مئات ملايين الأطنان من تراب الكورة، ترتكب فيها جميع أشكال المخالفات بدءا من رمي الأتربة والصخور من ارتفاعات شاهقة تصل إلى أكثر من مئة متر ما يشكل موجات من الغبار الناعم تنتقل مع الرياح الجنوبية الغربية إلى رئات المواطنين وبيوتهم، وصولا إلى استعمال المتفجرات بكميات هائلة على مسافة قريبة من الشاطئ ومن البيوت السكنية وفوق المياه الجوفية. كل هذه المخالفات وهذه المقالع ترتكب في منطقة مصنفة كمنطقة زراعية وعلى مقربة من الأحراج المحمية وداخل بساتين الزيتون.
كما إن مصانع إسمنت شكا هي في مكان خاطئ تماما حيث أن منشآت هذه المصانع تقع على الشاطئ وبالقرب من ينابيع المياه العذبة في البحر وعلى الشاطئ، كما تقع فوق أهم خزان مياه جوفية تشرب منه العديد من قرى الكورة، كما أنها تقع بين البيوت السكنية والقرى الآهلة، وفي منطقة هي أساسا منطقة سياحية عرفت بجمال شاطئها ومنتجعاتها السياحية، وقرب المدافن، كما أنها تخزن جبالا من الكلينكر وجبالا أخرى من البتروكوك على هذا الشاطئ وبقربه، مع ما يتطاير منهما من غبار قاتل مسرطن يتحرك مع الرياح، ليصيب من تبقى من أهلنا في القرى المجاورة بأبشع الأمراض، كفاكم الله شرها، أملا ألا يصيب أهلكم ويحل بدياركم ما حل بأهلنا في الكورة وشكا.
لقد سببت هذه المصانع انبعاث مئات ملايين أطنان ثاني أوكسيد الكربون، أول أوكسيد الكربون، أوكسيد النيتروجين، أوكسيد الكبريت الذي يتفاعل مع رطوبة الجو والندى الكثيف الموجود في الكورة ليتحول إلى أسيد الكبريت، الذي سبب القضاء على زراعات تراثية كالتين والعنب وآثاره ظاهرة للعيان على أشجار الزيتون في منطقة المندى الكوراني جنبا إلى جنب مع مرض عين الطاووس الذي أدت إلى استفحاله هذه الشركات أيضا بعدما حفرت مقالع التراب الأحمر التي تحول إلى بحيرات أدت إلى ارتفاع معدل الرطوبة الجوية.
كما أن هذه المصانع تستخدم الفحم البترولي (البتروكوك) بين البيوت السكنية مباشرة ما يشكل مخالفة صريحة لقانون البيئة العالمي الذي ينص على أن كل مصنع يستخدم البتروكوك أو الوقود النفطي الثقيل يجب أن يبتعد مسافة الأمان الكافية على البيوت السكنية وهي 120 كيلومترا على الأقل. وقد سبق أن نُقل مصنع اليمامة من ضواحي مدينة الرياض في المملكة السعودية إلى أطراف منطقة الخرج تحت مبدأ أن صناعة الإسمنت مضرة بالصحة والبيئة. كما أن لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري قد أصدرت قرارا في الأسابيع الماضية بنقل جميع مصانع الإسمنت من داخل المحافظات إلى مناطق بعيدة نظرا لما تسبب من أمراض وأوبئة ودمار بيئي. لم يعد خافيا على أحد أن دول العالم المتقدم قد صنفت صناعة الإسمنت كإحدى أخطر الصناعات القذرة وأقفلت العديد من مصانعها ونفتها إلى الصحاري أو إلى البلدان التي تحل فيها الرشوة مكان القوانين البيئية. إننا نطلب نقل هذه الشركات من مكانها الحالي واستبدالها بمؤسسات سياحية يعمل بها العاملين في هذه الشركات والمئات من العاطلين عن العمل من شباب الكورة وجوارها.
سبق أن قدمت إخبارا إلى النيابة العامة البيئية في الشمال عن موضوع الإعتداءات البيئية الخطيرة التي تقوم بها مصانع إسمنت شكا. وقد طالبت بالتحقيق مع أصحاب الشركات والقيمين عليها شخصيا والطلب منهم إبراز التراخيص التي يحفرون بموجبها هكذا مقالع تشوه خارطة الحياة الطبيعية في الكورة منذ تاريخ بدء الحفر. فإذا كانت التراخيص غير قانونية يجب إيقاف هذه المقالع بشكل فوري. وإذا كان لديهم أي تراخيص، فيجب أن يحاسب الذي أعطاهم هذه التراخيص ويطالب بالإستقالة من منصبه.
إننا ندعو إلى تطبيق قانون حماية البيئة الذي تنص المادة 57 منه على منع نشاط معين بسبب أخطار جسيمة يسببها للبيئة وإلغاء الترخيص العائد له وإقفال المؤسسة. وتطبيق القانون رقم 64 الذي ورد فيه أن كل من يسبب، عن قصد أو عن غير قصد، تلويث البيئة، يرتكب جرما يعاقب عليه بالحبس وقد يذهب العقاب حتى الأشغال الشاقة والإعدام.
لقد سبق أن زار معالي وزير البيئة وسعادة مدعي عام البيئة في الشمال هذه المقالع واطلعوا على هذه الجريمة البيئية المروعة، وإنني أدعوكم إلى القيام بزيارة شخصية مفاجئة لهذه المقالع ولمصانع الإسمنت، لتشاركوا أهل الكورة جزءا من معاناتهم، فتثبتون لهم أنهم ليسوا وحدهم في معركة الدفاع عن ترابهم وحياتهم، كما تكونوا قد اطلعتم على ما يحدث مما يندى له الجبين. كما ندعو عبركم مجلس الوزراء اللبناني إلى عقد جلسة إستثنائية في الكورة، وفي بلدة كفرحزير تحديدا، وأمام المقالع في منطقة المجيدل المطلة على خليج شكا السياحي، والتي تعتبر من أجمل المناطق اللبنانية السياحية، لكن للأسف إن شركات الإسمنت تزيل هذه المنطقة من الوجود. وهدف هذه الجلسة هو إنقاذ الكورة من براثن الدمار البيئي الشامل حفاظا على ما تبقى من اخضرار لبنان.
إن السعر العالمي للإسمنت هو حوالي 40$ للإسمنت الأخضر المستخرج بالغاز الطبيعي وليس بالفحم البترولي، وإن عددا من الدول المجاورة تبيع طن الإسمنت بحوالي 30$ فلماذا تبيعه شركات شكا للشعب اللبناني بحوالي 100$، علما أن كلفته لا تتعدى دولارات قليلة؟ نطلب السماح باستيراد الإسمنت الأسود ونطلب إلزام هذه الشركات بأن ترجع للشعب اللبناني فرق سعر الإسمنت الذي باعته طوال سنوات للشعب اللبناني بحوالي ضعفي ونصف سعره العالمي.
فخامة الرئيس، دولة الرئيسين، إذا استمر الوضع في الكورة على ما هو عليه، فإن ذلك ينذر بتدمير اخضرار لبنان والقضاء على الحياة الإنسانية فيه، وأن يسجل التاريخ أن بعض ناشري التلوث البيئي قد قضوا على أهم معالم الاخضرار في لبنان الأخضر”.