رادار نيوز – نظّمت جامعة الروح القدس – الكسليك بالتعاون مع مبادرة “لبنان الأفضل” مؤتمراً حوارياً تحت عنوان “لبنان اليوم: مقاربات في أزمات التعدّديّة، اللّجوء والنّزوح، الدّيموقراطيّة التّمثيليّة، والموازنة”، اليوم في حرم الجامعة الرئيسي في الكسليك، لتسليط الضوء بشكل معمّق على التساؤلات البنيوية التي نواجهها اليوم من بحث إدارة التعددية العالمية، مروراً بمخاطر اللجوء والنزوح إلى مرتكزات الديموقراطية التمثيلية، خلوصاً إلى الحاجة لربط الموازنة العامة برؤية اقتصادية اجتماعية، وذلك، بحضور حشد سياسي ودبلوماسي وأكاديمي وكوكبة من الخبيرات والخبراء.
بدأت الجلسة الإفتتاحية بالنشيد الوطني اللبناني، وقدّمتها الإعلامية تانيا اسطفان، وتحدث فيها المهندس نعمة افرام، مؤسس مبادرة لبنان الافضل، والأب البروفسيور جورج حبيقة ، رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك.
كلمة المهندس نعمة افرام- مبادرة لبنان الأفضل
استهل المهندس نعمة افرام كلمته بالقول: “… لو كان لكم إيمان مثل حبّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم”.
واضاف: “لو كان لنا إيمان بلبنان بقدر حبّة الخردل، فلا يكون شيء مستحيلاً علينا.
شرط حبّة الخردل، أن يعرف زارعها أن ينقّي ما يشوبها. أمّا شرط إيماننا بلبنان، وعلى مثال حبّة الخردل، فهو وضوح الرؤية وأن نضع نصب أعيننا المبادرات العمليّة لحلّ الأزمات.”
وذكّر افرام بأنّ “آليّات اتّخاذ القرارات تعطّلت منذ نهاية عصر الوصاية في العام 2005، في ظلّ وجود فسحات استثنائية من الإيجابيات، استطاعت أن تأتي لنا برئيس للجمهورية، وأن تعيد النبض إلى مؤسّساتنا العامة من خلال التعيينات العسكريّة والأمنية والماليّة، وأن تنتج البارحة قانوناً جديداً للانتخابات”.
وأضاف: “كم يؤلمني أن يكون لبنان اليوم، ليس ذاك الذي يشبه اللبنانيين في كفاءاتهم ونجاحاتهم الفرديّة. ولا هو الذي نطمح إليه مقيمين ومغتربين.لكن هذا اللّبنان هو وطننا، ونتطلّع إلى تغيير إيجابيّ فيه. ولهذا نحن هنا، في صرح أكاديميّ عريق ضارب الجذور في لبنانيته هويّةً ورسالةً، نرفع الصوت عالياً في وجوب إنهاض لبنان”.
واعتبر أنّ مؤتمر “لبنان اليوم: مقاربات في أزمات التعدّديّة، واللّجوء والنّزوح، والديموقراطيّة التمثيليّة، والموازنة” ،” رؤيةً لمستقبل دولة كان يجب علينا بناؤها منذ زمن طويل، وبحث تشاوريّ في العمق في كيفيّة معالجة هذه الأزمات”.
واعتبر أنّ “التجارب الانتخابية السابقة وتشكيل الحكومات، لم تستطع كسر حلقة الجمود والشلل العامّ إلاّ بقدر قليل”، مشدداً على “أنّه من أجل خلق ديناميّة جديدة لصالح وطن يتجدّد، بات الواجب يقضي بالتطلّع إلى معالجة بنيوية قبل فوات الأوان”، مضيفاً: “من هنا كانت مبادرة “لبنان الأفضل” في عام 2013. وهي تطمح إلى نظام تشغيليّ للجمهورية اللبنانية من قلب الطائف وجوهره. يفعّل إنتاجية المؤسّسات، يطلق النموّ، يفتح آفاق الإبداع، ويحصّن الأمن والاستقرار”.
وقال افرام: “صحيح أنّ المأزق البنيويّ الذي نحن عليه، فرضته ظروف جيوبوليتيكيّة معقّدة. لكنّنا كلبنانيين، أسهمنا في إذكاء تداعياتها الكارثيّة، بسبب استقالة شبه جماعية عن التصدّي لها بحكمة استشرافيّة.لذلك، كان هذا المؤتمر اليوم. وهو يطرح هموم الحاضر وتحديد كيفيّة المعالجات والحلول”.
وتساءل افرام: “هل نجحنا في حسن إدارة التعدّديّة بمعنى الحفاظ على المواطنة الحاضنة للتنوّع دون أوهام الصّهر الانسيابيّ القاتل للخصوصيّات؟ أليس علينا بناء سياسة عامّة متماسكة تعيد النازحون واللاجئون إلى أرضهم دفاعاً عن عدالة قضيّتهم وهويّتهم وردءاً لانهيار لبنان؟ أليس علينا تأسيس مناخ خصب لتحقيق حماية مجتمعية شاملة تتزامن مع نهضة اقتصادية في العمق، ما يؤهّلنا للتطوير في بنانا التحتية؟”
وتابع افرام: “نبحث في أزمات لبنان اليوم ونتطلّع إلى لبنان الأفضل، بعيداً من بازار الشّعبويّة والارتجال. من واجبنا أن نبني دولته المنتجة. ومن مسؤولياتنا، فتح السّبيل لضخّ دم جديد في السّلطتين التّشريعيّة والتّنفيذيّة. ولبنان الاقتصادي ما عاد يستطيع القبول بموازنات حسابيّة ماليّة، بل يترقّب إصلاحاً بنيويّاً في الموازنة برؤية اقتصاديّة – اجتماعيّة.فلنجعل إيماننا بلبنان بقدر حبّة الخردل. ولنقف وقفة ضمير مطلقين ورشة عمل منهجيّة”.
وختم حديثه قائلاً: “حين تكون الرؤية واضحةً، يصبح الإيمان أقوى وأفعل. وكما يقول الرّوائيّ العالميّ باولو كويلو في روايته “الخيميائي”: “عندها… تتآمر النّجوم والأقمار والكواكب والكون كلّه لتحقيق الهدف الواضح”، فعندما تكون المعالجات مترفّعةً بنّاءة، نقول لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل. ولا شيء يكون مستحيلاً علينا. وعندها فقط، يكون لنا لبنان أفضل”.
كلمة رئيس جامعة الروح القدس الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة
ثم ألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، وجاء فيها: “لم يكن لبنان يوماً بلداً عادياً، وبالتالي باهتاً. وتقوم معجزة استمراريّته على أنه لم يخرج قطّ من دائرة المخاطر عبر كلّ حقبات تاريخه الطويل والضارب في عمق الزمن الإنساني. قدره أن يعيش دائما في خطر وفي أزمات متلاحقة، لأنه بلد الحياة. والحياة لا تنمو إلا في المخاطر والأزمات (Vivre c’est risquer). ذلك أنه كان على الدوام، حتى الآن أقلّه، تلك المساحة الحرّة والفريدة لبشريّة متألّمة، هاربة من عذابات ماضيها، تائهة في حاضر متقلّب وغامض ومتوجّسة من غد قد يكون أفجع وأهول، في شرق ميّال، بالرغم من تكدّسات حضاراته وثقافاته وتقاطعها الغني، إلى نوع من الأحاديّة اللغويّة والدينية والسياسيّة والمجتمعيّة. من مصائب هذا الشرق الكبرى، استناداً إلى اطّلاعي الوثيق على الحركات الدينية والسياسية، منذ القرن التاسع عشر حتى القرن الواحد والعشرين، أنه يتوهّم أنّ الوحدة التي يسعى إليها كمدخل إلى القوّة المنشودة، تولد من رحم الانصهار […]”
وتابع بالقول: “إنّ الانصهار الذي تتناوله وتشدّد عليه، بكلّ أسف، نصوص اتفاقيّة الطائف، ويطفو كزبد مرضيّ على سطح الخطب السياسيّة، إنما هو مصطلح يستعمل، أصلاً وحصراً، للمعادن التي تدخل متنوّعةً إلى الأتّون لتخرج منه شكلاً واحداً ولوناً واحداً وتركيباً كيميائياً واحداً. فلبنان لم يعش قطّ هذه الحالة الانصهارية المذوّبة لحقّ الآخر في الاختلاف. تقوم رسالة لبنان الاجتماعية والسياسيّة على أنّه ليس مطلقاً مشروع انصهار، بل دائماً مشروع وحدة إنسانيّة ووطنيّة بين عائلات روحيّة ومجموعات إتنيّة وثقافيّة وحضاريّة، على شاكلة وحدة الجسد القائمة على التكامل الوظائفي بين خلايا وأعضاء لا يجمعها إلاّ الاختلاف في التآلف […]، ونستخلص مما سبق أنّه كلما كانت الدولة حاضنةً للفروقات وراعيةً لها بإخلاص واقتناع، كان المجتمع أكثر تماسكاً وأشدّ اتّحاداً وأصلب استمراريّةً في الاستحقاقات الحرجة […]”
ثم أضاف الأب حبيقة: “أما بالنسبة إلى مفهوم التسامح، ولئن عرف هذا المصطلح رواجاً كبيراً بشكل خاص في عصر التنوير واعتبر شرطاً أساسياً لتلاقي الشعوب المتمايزة وتضامنهم، فإنني أرى فيه، من زاوية بحت فلسفيّة، مسّاً قاسياً بحقوق الإنسان الطبيعيّة والأساسيّة، إذ ينطوي على المدلولات السلبية التالية: المتسامح هو المقتدر الذي يتحمّل وجود الآخر المختلف والمستضعف ويسمح له بالبقاء معه لا كشريك متساو في الحقوق والواجبات، بل كإنسان ينتهي طموحه عند سقف الاستمراريّة في الحياة ليس إلاّ. في التسامح، يستعطي الإنسان الأقلي بقاءه في الوجود من الآخر الأكثري والقوي […]”
وأردف قائلاً: “انطلاقاً من حقوق الإنسان الطبيعية، فالكائن البشري لا يستجدي وجوده من أحد، وبناءً على ذلك، فهو ليس بحاجة إلى تسامح الآخرين في حقه اللامنقوص في الوجود الحر وبالتالي في الاختلاف. له الحرية المطلقة في أن يكون كما هو يريد أن يكون، ضمن حدود احترام الآخر في الأمور عينها والمحافظة على السلم العام. هذا المنطق الذي أدى إلى قيام لبنان والميثاق اللبناني والطائفية البناءة، يجد دعما قويا في ما يسميه تشارلز تايلور (Charles Taylor)”سياسة الاختلاف” (la politique de la différence). إن هذا الحق في الاختلاف، الذي يقوم عليه لبنان، مجتمعا ودولة وحكما، يتعارض كليا مع مفهوم التسامح”.
كما اعتبر أنّ “هذا هو البعد الذي سعى لبنان دوماً إلى عيشه، بإعطائه كلّ مضطهد وكلّ هارب وكلّ امرئ خائف على ذاته في هذا الشرق المعلّق على خشبة الأحادية، بعضاً لا يستهان به من حقّه الإنساني في وجود حرّ وكريم. فكان الميثاق الوطني اللبناني الذي أعاد الحياة، بعد حوالي أربعة عشر قرنا، “لميثاق المدينة” أو “صحيفة المدينة” أو “دستور المدينة” المبرم في يثرب، المدينة المنورة، بين نبي المسلمين محمّد واليهود والنصارى والصابئة، والذي ينشئ بصريح العبارة مجتمعاً سياسياً واحداً تحت لفظة أمّة، في تعدّدية دينية وثقافية وفي إدارة متساوية لشؤون المدينة. غير أنّ هذا الاتفاق الذي يعتبره الباحثون أول نصّ في القانون المدني العربي، سقط ودخل بعده الإسلام شيئا فشيئا في ذهنيّة مغايرة، بفرضه الشريعة الإسلامية على الجميع، من دون أن يفقد كلّياً بعض الحنين المتقطّع إلى ما تداعى من روحيّة “ميثاق المدينة” وفلسفته، كما يظهر لنا ذلك من تساؤل عمر بن الخطاب وتأنيبه: ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا “.
وأشار إلى أنّ “المحلّلين يرون في هذا الكلام أوّل مسوّدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث نقرأ في المادة الأولى: “يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم البعض بروح الإخاء”. من هنا القفزة النوعيّة التي أنجزتها الصيغة اللبنانية، أو الطائفية البناءة، التي هي نظام إشراكي وليس إقصائيا، عندما أبىت أن تبقي أحداً أو جماعةً من اللبنانيين خارج التمثيل النيابي وخارج السلطة، وحالت دون استئثار أية طائفة بإدارة دفة الحكم أو السيطرة على الآخرين أو تطويعهم أو إلغائهم، وأرست الحكم على قاعدة تقاسم السلطة والاعتراف بالآخر المختلف، ليس كعدوّ لي أو خطر على نموّ ذاتي المغايرة، بل شرط أساسي لتأطير ذاتي ولوجودها، إذ لولا الآخر لما كان من الممكن أن أعي ذاتي في غيريّتها. فالآخر هو طريقي إلى ذاتي. من خلاله أعي من أنا. وهكذا بات الآخر دينياً وعرقيّاً وثقافياً، بفضل الصيغة اللبنانية، جزءاً لا يتجزّأ من ذات الجميع، وشريكاً فاعلاً لا متفرّجاً في رسم السياسات التي من خلالها تدار شؤون لبنان كافةً. وكذلك بفضل الميثاق الوطني، قامت الديمقراطية اللبنانيّة على التناوب السلمي على الحكم، وضمن مهل زمنيّة محدّدة في الدستور، الأمر الذي يبدو نادراً في شرقنا العربي البائس. وعندما نسمع بعض السياسيين اللبنانيين يتكلمون عن النظام اللبناني بألفاظ تحقيرية ولا أقسى، لا نستغرب البتّة وجعهم واشمئزازهم وخيبة أملهم من هكذا نظام، لأن هذه الطائفية التي يصنفونها بالبغيضة، هي التي تمنعهم فعلا من احتكار السلطة وإقصاء الآخرين ومن التحكم الكامل من دون أي منازع في مفاصل الإدارة في الدولة اللبنانية”.
ثم تابع قائلاً: “في مقاربتنا للنظام اللبناني الحالي، قد نتّهم، من الناحية المنهجية، بأننا لا نقيم المسافة الضرورية بيننا وبين واقعنا السياسي الذي نعالجه، الأمر الذي قد يمنعنا من رؤية الأمور على كامل حقيقتها، فتتعطل الموضوعية وتنتصر الذاتانية المتطرفة. قد يكون ذلك صحيحا. من هنا الضرورة الماسة إلى سماع آراء علمية في نظامنا وتركيبة مجتمعنا، من أناس اختصاصين، يعيشون في بلدان يشهد لها بالتقاليد الديمقراطية العريقة المبنية بشكل أساسي على مبادئ المساواة والعدالة والمواطنة الصرفة. في المؤتمر الألماني اللبناني المنعقد في ألمانيا، بمدينة لودفيكسهافن (Ludwigshafen) في 7 أيلول 2009، وفي مداخلة تحت عنوان: “أصحيح أن الطائفية السياسية في لبنان هي فعلا سيئة إلى هذا الحد؟”، يقول الخبير الألماني السابق لدى الأمم المتحدة والمسؤول عن ملف لبنان، كلاوس د. هيلليبراند (Claus D. Hillebrand)، إن هذا النظام يؤمّن في الوقت الحالي نوعا من الاستقرار ويتلاءم بمهارة، في آليات أخذ القرارات، مع مصالح المجموعات اللبنانية كافة. من هنا، يتابع هيلليبراند، إن كل سعي إلى إحداث أي تغيير جوهري في النظام إنما هو محفوف حتمياً بمخاطر جمّة، لا سيّما في الظروف الراهنة، حيث نرى أن الدول المجاورة والشرق أوسطية في مجملها لا ترتدع عن رسم سياسات توسعية جامحة، محفّزة في الكثير من الأحيان من حركات إسلامية أصولية متطرفة. ثم أدهش المؤتمرين بإقامته مقارنةً بين الطائفية المقوننة في لبنان، من جهة، والطائفية، ولو بمقدار خفيف، غير المكتوبة، الخفية والمستترة، في ألمانيا الاتحادية، من جهة ثانية. فهو يقول إن المناصب الأساسية في الدولة والحكومة تتوزع على سياسيين من طوائف ومناطق متعددة، حفاظا على التوازن العام والمشاركة الواسعة…”
وأضاف: إذا أقمنا، من ناحية أخرى، مقارنة بين الصيغة اللبنانية وما يسمى في سويسرا بالصيغة السحرية (la formule magique)، لوجدناهما يتقاطعان بشكل مذهل. جميعنا يعرف جيدا كيف ولدت سويسرا، على مر العصور والسنين، من رحم الأوجاع والصراعات الدينية واللغوية والمناطقية ورست متشرنقة في كانتونات يصل عددها إلى ستة وعشرين. وراء تكوين هذه الكانتونات، كان الحرص الشديد على الحفاظ على الذاتيّات المختلفة واللغة والدين والذاكرة التاريخية الخاصة. فكان هذا الاتحاد السويسري أبهى تجسيد لتآلف الاختلاف. وفي التفتيش العنيد والدؤوب عن أنجع الأنظمة لإدارة تعقيدات هذا التنوع، توصل السويسريون في عام 1959 إلى استنباط ما استنسبوا أن يدعوه الصيغة السحرية، التي تعكس في الواقع نظام التوافق (Le système de concordance). تقوم هذه الصيغة على توزيع المقاعد السبعة التي يتألف منها المجلس الفدرالي (Le Conseil fédéral)، أي السلطة التنفيذية أو الحكومة، تبعا للانتماء السياسي والديني واللغوي. فالمجلس الفدرالي السويسري هو فعلا حكومة الأضداد كحكومات لبنان. تأخذ هذه السلطة التنفيذية القرارات الهامة بالتوافق، وهي بالتالي لا تمثل أمام المجلس النيابي للمساءلة، لأن كل الكتل النيابية الوازنة ممثلة في المجلس الفدرالي. في هذا الصدد، يقول الرئيس السابق للمجلس الفدرالي السويسري باسكال كوشبان (Pascal Couchepin)، “إن مبدأ التوافق يشكل مكمن الضعف في الجهاز التقريري السويسري، لكنه، ويا للأسف، لا بد منه ولا بديل عنه. فالبطء في الوصول إلى القرار الحاسم خير من التهور وجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه. ويقول متأوها: قد نبدأ بطرح الموضوع على بساط البحث اليوم، فلا ننتهي منه إلا بعد سنوات حيث يتم التلاقي ويتّخذ أخيرا القرار”. هذا الأمر يحدث طبيعيا في سويسرا التي نتغنى برقيي نظامها الديمقراطي وإدارتها للتنوع، وعندما يحدث هذا الأمر بالذات في لبنان، نصرخ بدون تردد “إنه جمهورية الفشل”.
وأردف: “نستخلص مما سبق، من ناحية، أن حصر أزمات لبنان في نظامه الطائفي، الذي هو في الواقع أرقى نظام مشاركة للدول غير المتجانسة، هو اعتداء سافر على المنطق وعلى الفكر الموضوعي. ومن ناحية ثانية، إن لبنان، بفضل ميثاقه الوطني الثابت ودينامكية صيغة الحكم فيه المتمظهرة في الطائفية البناءة، إنما هو البلد المدني والديمقراطي الوحيد في جامعة الدول العربية. جميعنا يعرف حقّ المعرفة أن لا دينا رسميا للدولة في لبنان. فالدولة اللبنانية تحترم جميع الأديان وتعترف رسميا بعدد منها، من دون أن تلتزم بواحد منها. بينما نرى، في المقابل، أن جميع الدول العربية الأخرى، إضافة إلى إسرائيل، تعلن الإسلام (أو اليهودية في حالة إسرائيل) دينها (أو دين رئيسها) رسميا وبالتالي مصدر التشريع فيها. وهكذا، يبقى لبنان في هذا الشرق الحالة الاستثنائية الوحيدة بين التيوقراطية الإسلامية والتيوقراطية اليهودية”.
وختاماً قال الأب حبيقة: “وفي خلاصة الكلام، يمكننا التأكيد أنّ لبنان قد نجح بنسب مرضية في إرساء أكبر ديموقراطيّة توافقيّة في أصغر مساحة حرّة لبشريّة تسعى على الدوام إلى المصالحة مع ذاتها في الاختلاف والغيريّة والتعدّدية. ولشدّة شوقنا إلى رؤية الإنسان المشرقي يعيش بسلام العاقلين في أكثر الحواضر أنسنةً وأكملها محبةً وعدالةً ومساواة، نرانا مندفعين تلقائيا إلى إطلاق هذه الصرخة في نهاية كلمتي: الويل الويل لهذا الشرق إن تحوّلت ثوابت لبنان إلى هواجس، وهواجس لبنان إلى ثوابت!”
الجلسات
ثم عقدت أربع جلسات شارك بها نخبة من الخبيرات والخبراء وفي هاجسهم توسيع مساحات الحوار في وطن الرسالة.
حملت الجلسة الأولى عنوان “لبنان التعدديّة: نموذج في تناغم التمايزات”، أدارتها الإعلامية رلى كساب حداد وشارك فيها كل من الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، ومدير المعهد العالي للعلوم السياسية في جامعة الروح القدس- الكسليك السفير الدكتور ناصيف حتي، والباحث والأستاذ الجامعي الدكتور إزرا تزافاديا. فيما تمحورت الجلسة الثانية حول موضوع “لبنان واللجوء والنزوح: أي سياسة عامة؟” بإدارة الإعلامية نتالي مبارك بو كرم وبمشاركة وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، والرئيس السابق للجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني الدكتور خلدون الشريف، والخبير في السياسات العامة وشؤون اللاجئين زياد الصائغ. أمّا الجلسة الثالثة فأدارها الإعلامي فادي شهوان وتناولت مسألة “لبنان وقانون الانتخاب: خيارات الديموقراطية التمثيلية” وشارك فيها عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب سيمون أبي رميا، والأمينة العامة لحزب القوات اللبنانية الدكتورة شنتال سركيس ومستشار الشؤون العامة في جامعة الروح القدس– الكسليك المحامي الدكتور أنطوان صفير. واختتم المؤتمر بجلسة رابعة بعنوان “لبنان والموازنة العامة: أي إصلاح بنيوي؟”، أدارتها الإعلامية سابين عويس وشارك بها كل من رئيس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم (RDCL World) الدكتور فؤاد زمكحل، وعميد كلية إدارة الأعمال والعلوم التجارية في جامعة الروح القدس–الكسليك البروفسور إيلي عسّاف والخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني.
وفي ختام المؤتمر، سيصدر المجتمعون بياناً ختامياً وسلسلة من التوصيات.