/

سلبيتان لا تصنعان أمّة… فكيف نصنعها بأكثر؟- العميد الركن خالد حمادة

776 views

موقف اللبنانيين جميعهم من خروج مسلّحي النصرة من الجرود العرسالية ليس موضع نقاش، وهو في الأصل لم يكن كذلك. خروج المسلحين المعتدلين أو المتطرفين من الجرود هو مطلب لبناني عارم، بصرف النظر عن مواقف اللبنانيين المتناقضة حيال الصراع الإقليمي الدائر في سوريا – نظراً لضحالة أجندات المعارضة والنظام – وبالرغم من الرائحة والنكهة الإقليميتين اللتيّن رافقتا العملية العسكرية منذ انطلاقتها وحتى وقف إطلاق النار، وانتهاءً بتفاصيل نقل المسلحين وعائلاتهم. لم تُثنِ كلّ حملات الاتّهام التي سيقت جزافاً بارتباط أهل عرسال بالمجموعات المسلّحة وتجاهل المناشدات المتكررة لأهل البلدة اللبنانية الأبيّة بدخول الجيش لحمايتهم منذ ما قبل دخول المسلحين إلى البلدة في آب 2014 عن التزامهم الولاء للقوى الشرعية.

ما لا يُجمع عليه اللبنانيون، وما يثير حملة كبيرة من التساؤلات، هو في محاولة قسم كبير من اللبنانيين تلمُّس ساعة انطلاق الدور المأمول للدولة الذي يتوقف معه العجز الرسمي عن اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والذي تُقلع بعده الدولة عن الإكتفاء بحفظ الأمن، وتضطلع بدورها في مواجهة الأخطار الخارجية.

التساؤلات المشروعة متعددة، تبدأ من البحث عن أسباب قدرة حزب الله على فرض توقيت المعركة واختيار اللحظة المناسبة للنجاح وعجز الدولة اللبنانية عن ذلك، بالرغم من امتلاكها الشرعية أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي لحفظ الأمن الوطني، بالإضافة إلى قدرات القوات المسلّحة اللبنانية على مستوى الاستطلاع والأداء العملاني، بما يفوق قُدرات حزب الله والنصرة بأضعاف، ولا تنتهي بالتساؤل عن جديّة الإجراءات التي ستتخذها الدولة لمسك الجرود التي تمّ طرد المسلحين منها، واستنفار المؤسسات الرسمية للقيام بدورها في عرسال وجرودها وفي كافة قرى وبلدات السلسلة الشرقية لاستعادتها لحضن الدولة رعائياً وأمنياً، وبالمعنى العملي والحقيقي. وقبل وبعد كلّ ذلك اكتساب الصدقيّة الوطنية بالإقدام على تحرير ما تبقّى من الجرود وإثبات القدرة على مسك الحدود الشرقية على الأقل لعدم وجود اختلاف في وجهات النظر حول قدرة الجيش على ذلك، كما يحصل لدى إثارة مسألة سلاح حزب الله وتطبيق القرار 1701. ولا بدّ هنا من الإضاءة على موقف حكومة الرئيس السنيورة في تكليف الجيش بمهمة الدخول إلى مخيم نهر البارد والتي سجلت فارقاً نوعياً في اتّساق القرار السياسي مع العمل الأمني لمواجهة تهديد على المستوى الوطني، والتضحيات الكبيرة التي قدّمها الجيش اللبناني على مدى مئة وخمسة أيام من القتال المتواصل.

ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي يصرّ محور حزب الله على اعتبارها أيقونة الإستقرار والأمن الوطني في لبنان، هي في الحقيقة ثنائية خلافية أُضيفت إلى العشرات من الثنائيات السلبية التي تُصدّع الوحدة الوطنية. القسم الأكبر من اللبنانيين مع ثنائية الجيش والشعب والقسم الآخر مع ثنائية الشعب والمقاومة، وإدخال الجيش في هذه الثنائية إنّما من قُبيل الإستهلاك الإعلامي ليس إلاّ. الأدلة على ذلك كثيرة، فالخطط الأمنية المتعددة فشلت كلها في مناطق نفوذ حزب الله سواء في بيروت أو البقاع، وستضيف نتائج معارك الجرود نموذجاً آخر ليس لتماهي الأمن الشرعي للدولة مع مقتضيات النفوذ الإقليمي، بل لإدخال لبنان في مخاض توزيع مناطق النفوذ في سوريا بحكم سقوط الحدود بين الدولتين وتحوّل القلمون السوري وجرود عرسال ورأس بعلبك إلى مسرح عمليات واحد.

الصحافي والوزير السابق جورج نقّاش الذي كتب مقاله الشهير «سلبيتان لا تصنعان أمّة» في العاشر من آذار 1949 نعى فيه لبنان بمسلميه ومسيحييه الذين لم يتمكنوا من الإتّفاق يوما على مفهوم للوطن الواحد. وقد صدق حدسه إذ تصدّع الميثاق للمرة الأولى في العام 1958 لتبدأ بعدها سلسلة من التصدّعات لم تهدأ حتى يومنا هذا. اللبنانيون المنقسمون حول سلاح الـمـقـاومـة وتـرسـيـم الـحـدود بـيـن لـبـنـان وســوريــا، بـمـا فيها حـدود مــزارع شبعا والدور الإيراني في المنطقة والعلاقة مع سوريا والسلاح الفلسطيني داخـل المخيمات وخـارجـهـا أضافوا إلى خلافاتهم اليوم ثنائية جديدة هي «مسؤولية الدولة عن أمن السلسلة الشرقية من دون حزب الله أو مع حزب الله».

نجاح الجيش اللبناني منفرداً في استكمال تحرير الجرود قد يكون، في حال حصوله، بداية الاقتناع بإمكانية الرهان على لبنان من خلال مؤسساته الوطنية، وبداية السبيل لتحويل السلبيات والتناقضات اللبنانية نحو الإعتدال والوسطية من دون الإصطدام بالعامل الإقليمي من أجل بناء لبنان الدولة ولبنان المواطن.

فهل نتحلى بالواقعية في زمن نشهد فيه انهيار الشرق ومدائنه وتراثه وقيمه، أم نترحّم على سلبيتيّ جورج نقاش؟

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

سياج لبنان ومطرقة الارهاب…. سعدالله فواز حمادة

Next Story

عاجل: الطيران الاسرائيلي يواصل طلعاته الاستكشافية فوق حاصبيا والعرقوب

Latest from Blog