/

طرابلس الثورة الخامدة: الرضوخ للفقر.. أو السباحة إلى قبرص

162 views

رادار نيوز – تحت عنوان: “طرابلس الثورة الخامدة: الرضوخ للفقر.. أو السباحة إلى قبرص”، كتبت جنى الدهيبي في “المدن“: حالة من الهدوء المريب، تشهدها عاصمة الشمال في الأيام الأخيرة، من دون أيّ تحركات احتجاجية في الشارع، حتى كتلك التي كانت تضم العشرات. وخلافًا لأيام الجمعة المعتادة ما بعد 17 تشرين، لم تُنفذ بعد ظهيرة الجمعة 10 تموز، أيّ مسيرات في المدينة احتجاجًا على انحدار الأوضاع المعيشية إلى القعر، واستمرار الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والأساسية رغم وعود دعم “السلة الغذائية”، وتراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون 8000 ليرة.
بدأ يتسلل إلى طرابلس سؤال “وينيه الثورة؟”، الذي أصبح يتناقله اللبنانيون، استنكارًا على حالة “التخدير” الجماعي التي تضرب البلاد، رغم أنّ أسباب الانتفاضة قائمة أكثر بأضعاف من لحظة “17 تشرين”. وواقع الحال، أثبت عدم صحة نظرية التعويل على “ثورة الجياع” في لبنان، وأنّ الجوع بمعناه العميق ليس كفيلًا وحده بانتفاضة الناس ضدّ السلطة. لا بل قد يكون واحدًا من أبرز أسباب “تخديرهم” وتعوّدهم. وعمليًا، هذا ما يفعله الجوع أو الحاجة: تتقلصّ “المساحة الثورية”، التي يتشارك الناس فيها بشأنهم العام. وتصير “الثورة” كأنها ترف غير مقدور عليه، مقابل تقوقعهم في شأنهم الخاص لتدبير أمورهم الشخصية البائسة، بأقل الخسائر اقتصاديًا ومجتمعيًا وحتى أمنيًا.

على مدار شهور، بقيت طرابلس تتحرك في انتفاضتها خارج سرب جميع المناطق اللبنانية، قبل أن تدخل أخيرًا في حالة صمتها وتعوّد أبنائها على “الفقر” واليأس. حتى المجموعات المشبوهة التي أثارت الرعب الأمني والخراب الممنهج في المدينة، انكفأت من دون سابق إنذارٍ على نفسها. وهكذا، خلت “ساحة النور” من أيّ تجمع أو تظاهرة، فيما تبقى الطرقات سالكة، والليل ساكناً من دون تحرك أو إضرامٍ للإطارات والحاويات. حتى باحات السرايا وقصر العدل والدوائر الرسمية والبلدية والمصارف التي سيّجت جميعها بالباطون العازل أو الحديد المصفّح، لم تعد تشهد أيضًا أي تحركات شعبية أمامها، بعد أن كانت تلك التحركات طقسًا يوميًا من طقوس الانتفاضة. يوميات البؤس والذل ثمّة أخبار أنّ التحركات الكبيرة شمالًا مؤجلة إلى ما بعد عيد الأضحى. لكن التعويل على فترة ما بعد الأعياد، يبقى غير مجدٍ، لا سيما أنّ مؤشرات الانتفاضة بمعناها الكبير لا تزال ضعيفة. وفي ظلّ هذا السكون، تستمر يوميات المدينة بإيقاعها البطيء والمُحبط. عشرات أصحاب المحال التجارية يواظبون واحدًا تلو الآخر على إغلاق أبوابهم، وهم غير قادرين على انتظار الأعياد. البعض يمتنع عن عملية البيع والشراء، فيما آخرون يقاومون باللحم الحيّ كخيارٍ لا بديل عنه. يقول أحد تجار الألبسة الرياضية غاضبًا لـ”المدن”: “نزلت إلى بيروت أحمل عدة ملايين من الليرات لبنانية في جيبي لشراء قليل من البضائع والنواقص. لكن الصدمة أنّ التجار امتنعوا عن بيعي. كما فعلوا مع غيري من أصحاب المتاجر الصغيرة. بعضهم طالب دفع كلفة البضائع كاش بالدولار الأميركي، أو ما يوازيها في السوق السوداء، وهذا غير ممكن. كما يتطلب مضاعفة الأسعار بشكل كبير على الزبائن”. تابع تعبيرًا عن يأسه: “ما نعيشه هو جنون رسمي، فقدنا القدرة على تحمله. وفي نهاية المطاف سيدمرنا جميعًا”. ومن أكثر المشهديات اللافتة في طرابلس، هي أحوال أصحاب سيارات الأجرة الذين أصبحوا يقفون بالطوابير منذ ساعات الفجر الأولى أمام محطات المحروقات لتعبئة مادة المازوت. معروف في طرابلس، أن مهنة “شوفير التاكسي” هي ملجأ من لا عمل له. يكفي أن يملك صاحبها سيارة مرسيدس “قطش”، يضع فيها مادة المازوت بدل البنزين، و”يتكّس” عليها مقابل ألف ليرة لبنانية على طلب الزبون الواحد. محمد (40 عامًا) يعمل شوفير تاكسي منذ سنوات، قال لـ”المدن” وهو ينتظر دوره متعبًا أمام المحطة لتعبئة المازوت: “بدأنا نطالب الزبائن بدفع ألفين ليرة بدل الألف على الطلب الواحد، ومعظمهم غير قادر على ذلك في طرابلس، بينما نحن ننتظر في طابور الذل لتعبئة المازوت الذي صار ثمنه غاليًا. لم تترك السلطة الخيار لنا للعمل بشكلٍ قانوني، وهي تحتاج لثورة عارمة من أجل إسقاطها، ولا بد أن يأتي يومها مهما تأخر”. مساعدات وهجرة وفي عكار التي لا تقل أحوالها سوءًا واستسلامًا، كانت يوم الجمعة 10 تموز، تنتظر 121 عائلة في بلدة ببنين دورها لاستلام المساعدات المالية من الجيش بقيمة 400 ألف ليرة لكل عائلة (أي ما يوازي نحو 50 دولار أميركي)، من ضمن ما يسمى بـ “المساعدات” التي أقرتها الحكومة. وفي سياق متصل، أوقفت دورية من مديرية المخابرات الجمعة في محلة سقي البداوي – الشمال، 14 شخصًا من الجنسية السورية بينهم نساء وأطفال بالإضافة إلى لبناني واحد، وذلك لمحاولتهم مغادرة لبنان إلى قبرص عبر البحر بطريقة غير شرعية، وتجري متابعة الموضوع لتوقيف باقي المتورطين. وحسب معلومات “المدن”، فإن عددًا كبيرًا من الأفراد والعائلات اللبنانية، وتحديدًا في المناطق الشعبية، بدأت تفكر جديًا بالهروب إلى أوروبا عبر البحر بواسطة مهربين غير شرعيين بدأوا ينشطون، رغم صعوبة أداء هذه المهمة التي تذكر بموجات اللجوء غير الشرعية إلى أوروبا في العام 2015. الأمن الذاتي ومقتل طفل على مقلبٍ آخر، تتوسع في طرابلس دائرة تنفيذ “الأمن الذاتي”، مع الانتشار الكبير لظاهرة السرقات التي تطال المنازل والسيارات والمحال التجارية، وكذلك عملية النشل للمارة. وهو ما دفع عددًا كبيرًا من أصحاب هذه الممتلكات لتحصين محلاتهم بالبوابات الحديد المصفحة، والكاميرات للأبنية السكنية، بموازاة تنفيذ مهمات الحراسة ليلًا. أمّا السلاح الذي يتفلت على نطاقٍ واسعٍ في المدينة، فسقط ضحيته ظهر الجمعة الطفل طلال إبراهيم (8 سنوات)، في ميناء طرابلس. وكان قد أصيب بطلق ناري من المدعو س.ع. عن طريق الخطأ إثر حادث فردي. وعلى الفور، سادت حالة من الهرج والمرج في المنطقة، وقد تعرض مُطلق النار للضرب المبرح من قبل أبناء المدينة، الذين أضرموا النار أيضًا بالمقهى الخاص به. أما اللافت في جنازة الضحية، فهو الاستمرار في انتشار السلاح المتفلت، واطلاق النار بكثافة عشوائية في الهواء تعبيرًا عن غضب عائلته. لم ينته يوم الجمعة على خير في طرابلس، إذ ألقى مجهول ليلًا قنبلة يدوية على سيارة في منطقة باب التبانة، ما أدى إلى احتراقها. وقد لاذ الفاعل بالفرار. فيما سادت حالة من الهلع والخوف في المنطقة، وقد حضرت عناصر الجيش إلى المكان لملاحقة الفاعل. وعلى هذا الوقع، تستمر يوميات طرابلس والشمال.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

قيومجيان: بشير الجميّل نقيض عمالتهم وفسادهم وحقدهم

Next Story

مصادر ديبلوماسية عن رسالة السيسي الى عون: اهتمام عربي متجدد بالوضع في لبنان

Latest from Blog