رادار نيوز-
مع انطلاق الجولة الاولى من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، يقترب لبنان خطوة من دخوله نادي الدول النفطية، خصوصاً وانّ حظوظ ايجاد الغاز، لا سيما في الحقول المشتركة مع اسرائيل، كبيرة لا بل شبه مؤكّدة.
يؤكّد المتخصصون في الشؤون النفطية، انّ بدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية يعني انّ المسألة «منتهية»، وانّ لبنان بات على قاب قوسين من إنجاز الترسيم ضمن مهلة زمنية معقولة. وبما أنّ الشياطين تكمن في التفاصيل، لا بدّ من التساؤل عن التنازلات المطروحة، كيفية تقسيم المناطق النفطية المشتركة، وعن تقديرات مكامن الغاز الموجودة في هذه المناطق؟
في السياق، يؤكّد خبير اقتصاد النفط والغاز د.فادي جواد، انّ المفاوضات انتهت، فبعد مرور 10 سنوات على انطلاقتها من هوف وصولاً الى شينكر، وبعد 6 اشهر من اللقاءات المكثفة، يمكن القول انّ ما نشهده اليوم هو closing the deal اي التوقيع على الاتفاقية، وباعتقادي سوف نشهد تنازلات من الطرفين، وذلك للإسراع بحجز مركز في نادي الدول المنتجة للغاز، واستغلال الثروة قبل بروز سوق الطاقة البديل.
أضاف: «بالنظر الى ما تمرّ به المنطقة من استحقاقات، يُتوقّع لها ان تغيّر وجه المنطقة، في ظلّ القوى المتصارعة على ثروات الدول، فإنّ عملية الترسيم سوف تسلك مساراً مختلفاً وسريعاً، للوصول الى نتائج تسمح لكل من البلدين باستغلال ثرواته النفطية، بما يضمن استقرار عمليات الاستكشاف والاستخراج، في ظروف امنية وسياسية تطمئن الشركات العالمية الى استمرار عملها. وبالتالي، فإنّ كل الاطراف ستتجّه نحو حلول لضمان نجاح ترسيم الحدود البحرية والبرية، لتليها تحدّيات ايجاد اسواق للثروة الغازية، مع تأمين عملية النقل عبر تحالفات. وقد نشأ أخيراً منتدى غاز شرق المتوسط لتحقيق هذه الغاية، وقد تحوّل الى منظمة اقليمية ضخمة، تحت مظلة اميركية- فرنسية».
وعمّا اذا كان الاهتمام الدولي بالترسيم يعكس توقعات ايجابية في المكامن النفطية قال: «توجد هجمة دولية على ثروات المنطقة، لأنّ موضوع الطاقة أمن قومي لجميع الدول، وهناك سعي لتخفيف سطوة السيطرة الروسية على اسواق الغاز العالمية، والتي تهدّد القارة الاوروبية في حال نشوء اي نزاع. وبالتالي، هذا الاهتمام بسبب الكميات الموعودة التجارية، التي سوف تكون أحد الحلول الاستراتيجية لاحتياجات القارة الاوروبية من الغاز».
أسباب بدء التفاوض
عن الاسباب التي دفعت لبنان الى الموافقة على بدء التفاوض، اوضح جواد، انّ عملية التحكيم سوف تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً انّ اسرائيل لم تنضمّ الى قانون البحار، مما سوف يؤخّر الوصول الى حلول مجدية، وكان لا بدّ في ظلّ الضغط الاقتصادي الذي يتعرّض له لبنان، وإحجام الشركات العالمية عن التعاون مع اسرائيل، اللجوء الى التفاوض وحلّ موضوع النقاط الـ 13 البرية بالاضافة الى مساحة 860 كلم البحرية، التي خُلقت بسبب خطأ تقني في اتفاقية لبنان وقبرص، والتي بنت عليها اسرائيل تفاوضها مع لبنان. مع العلم انّه يوجد بين لبنان وفلسطين في عام 1923 ولاحقاً في العام 1949، اي بعد نكبة فلسطين، اتفاقية حدود موقّع عليها من الامم المتحدة عُرفت بإتفاقية «بولييه نيوكمب»، والتي أفضت الى اول ترسيم حدود معترف به دولياً. ولاحقاً، وضعت خطوط لم يوافق عليها لبنان، مثل الخط الازرق وخط «هوف»، لذا يطالب لبنان بانطلاق التفاوض من اتفاقية1923».
توقعات الثروة النفطية
وأعرب جواد عن اعتقاده، انّه «فور إنجاز الاتفاق المنتظر، سوف نشهد فورة تنقيب لدى الطرفين، ليبدأ صراع التسويق والمناطق المشتركة وكيفية الاستفادة منها بشكل عادل للطرفين، منها على سبيل المثال حقل « كاريش» الاسرائيلي الذي يبعد 7 كلم عن البلوك رقم 9، بما يؤكّد أنّ هناك خزاناً مشتركاً ويجب تقاسمه».
وقال: «في العالم يكون هناك مناطق مشتركة او مقسومة، مثل خزان الغاز المشترك بين قطر وايران، والمتوافق عليه. او مناطق ادّت الى نزاعات، مثل ما حصل بين الكويت والعراق». وبرأي جواد، اذا فازت شركات عالمية بعقد التنقيب في المناطق المشتركة، فلن نشهد هكذا نوع من الصراعات، وعادة ما توضع شركة عالمية لاستغلال هكذا مناطق او اتفاقية، تحدّد الانتاج والكميات لكل طرف حسب القانون الدولي.
أما عن توقعات حجم الثروة النفطية في لبنان، قال: «جميع الدراسات تشير الى انّ حجم الثروة النفطية في حوض شرق المتوسط تبلغ 122 تريليون قدم مكعب تبلغ حصة لبنان منها حوال 32 تريليون قدم مكعب. ولكن كل هذه التوقعات تختلف عند بداية الحفر والاستكشاف، حيث عندها فقط تُعرف الكميات الصحيحة». واشار الى انّه من المتوقع ان تكون كمية الغاز في المناطق المشتركة هي الاكبر، بسبب قربها من حقول ناشطة، عُثر فيها على كميات ضخمة، مثل حقل زهر، تمار، ليفياثان. انطلاقاً من ذلك، نحن على ابواب كميات كبيرة من الغاز في هذه المناطق، يُتوقّع لها ان تحيي الوضع الاقتصادي في لبنان.
النفط والأزمة المالية
ورداً على سؤال عمّا اذا كان نجاح لبنان في التفاوض سيحلّ أزماته المالية والاقتصادية، قال: «بلد بحجم مساحة لبنان مع عدد سكان لا يتعدّى 5 ملايين نسمة، لا يحتاج ثروة نفطية لحلّ أزماته المالية والاقتصادية، لا شك انّها ستكون عاملاً اضافياً في انتعاشه، ولكن لبنان يملك مقومات وثروات كفيلة بإطفاء دينه. ولو وضعت استراتيجية اقتصادية متكاملة تستغل الثروة المائية والطاقة المتجددة واستغلال اراضي الدولة «المشاع» وطاقة بشرية منتجة وانتشار اغترابي ضخم، بالإضافة الى وقف الهدر القاتل والقضاء على الفساد المستشري، وتحويل لبنان الى واحة امن وامان، كل هذه العوامل سوف يجذب عدداً كبيراً من الاستثمارات الكفيلة بإخراجه من وضعه الحالي خلال سنة واحدة وتحويله الى قبلة اقتصادية مهمة في المنطقة».
أضاف: «صحيح انّ ليس للبنان بنية تحتية داعمة للصناعة البترولية، بسبب عدم وجود خبرة سابقة له في هذا المجال، والمصفاتان الموجودتان في طرابلس والزهراني الخاصتان بالعراق والسعودية مدمّرتان بسبب الحرب اللبنانية، ولكن يجرى العمل حالياً على انشاء بنية قادرة على احياء هذه الصناعة وابرزها التعاقد مع الشركة الروسية «روسنفط» في طرابلس وإنشاء 3 محطات تغويز عائمة ومشاريع اخرى فردية لمواكبة هذه الصناعة. واكّد انّه فور اعلان اول استكشاف تجاري، سيدخل لبنان في نادي الدول النفطية، ومنها تنطلق دورة العروض الثانية للبلوكات الثمانية المتبقية في خريطة لبنان النفطية.
وشدّد جواد على ضرورة فتح باب التراخيص لجميع البلوكات فور انتهاء المفاوضات، لأننا لم نعد نملك ترف الوقت في موضوع النفط والغاز وانتظار جولة جديدة لوضع جدول دورات تراخيص متباعدة.
البلوك رقم 4؟
الى ذلك، وطالما لم تعلن «توتال» بعد عن نتائح الحفر في البلوك رقم 4، يبقى هذا البلوك مفتوحاً على كل التكنهات، وفي هذا الاطار يقول جواد: «ستعلن «توتال» في الايام المقبلة نتيجة الحفر في البئر رقم 4، التي جرت في شهري شباط وآذار 2020 والتي تأخّرت 6 شهور بسبب ضغوط لتأجيل الاعلان، لحين الوصول الى حل شامل لتوزيع الحصص بين الدول في البلوكات اللبنانية وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود. وما مجيء الرئيس الفرنسي ماكرون شخصياً الى لبنان مرتين خلال شهر، الّا الدليل على تهافت دول الصراع على محاولة وضع اليد على هذه الثروة والسيطرة عليها، حيث انّ الغاز هو امن قومي لأميركا ودول الاتحاد الاوروبي. فهي من أكبر مستهلكي الغاز في العالم، ومن منطلق كسر احتكار الغاز الروسي للاسواق العالمية وايجاد بدائل من دول اخرى، قادرة على تلبية احتياجات القارة الاوروبية».