رادار نيوز- النزوح السوري وتبعاته الداخلية كان احد العوامل التي سرّعت الشروع في ترشيد الدعم، بعد ان طارتْ دولارات المصرف المركزي على الدعم العشوائي غير الممنهج للأدوية والمحروقات والمواد الغذائية، حيث شكلت المواد المدعومة ملاذاً لإستفادة المهربين. كما تبين مؤخراً في الدراسات الاقتصادية ان ٢٠ في المئة فقط ذهبت الى الفئات الفقيرة في الداخل، فيما استفاد الأغنياء لقدرتهم على الشراء والتخزين، وذهب حوالي الثلث الى النازحين السوريين المقيمين في لبنان، الذين يقصدون السوبرماركت ومحطات المحروقات ويتعالجون في المستوصفات والمراكز الصحية.
المشكلة لا تكمن فقط في ما يحظى به النازح في لبنان من الدعم من مليارات المصرف المركزي فقط. فالنازحون في لبنان يحظون بإمتيازات الحصول على الكهرباء والمياه والخدمات واستهلاكها بتكلفة بلغت وفق التقديرات اكثر من ٢٥ مليار دولار منذ العام ٢٠١١. ويُشكّل النزوح عبئاً على لبنان لأسباب كثيرة، منها منافسة اليد العاملة السورية للبنانيين في الأعمال التي يغزوها السوريون بشكل واسع منذ بداية الأزمة السورية، كما يستفيد الطلاب السوريون من التعلم في المدارس الحكومية وفق المنهج اللبناني.
استقبل لبنان منذ الحرب السورية مليون ونصف المليون نازح، وقياساً الى عدد سكان لبنان يمكن القول ان لبنان يشكل بلد النزوح الأكبر. وهذا الرقم من النازحين خلق إشكاليات اجتماعية وإقتصادية وأمنية كثيرة، لتداخل السكان الأصليين مع النازحين. فالدول اذا فاق عدد الغرباء فيها ال٢٠ في المئة من عدد سكانها تتعرض للمشاكل، فكيف إذا كانت أعداد السوريين توازي أهل البلاد؟
إلاّ أن القضية التي يطرحها النزوح اليوم بعد الافلاس والانهيار الاقتصادي صار لها وجه ثانٍ. فالمواطن اللبناني فقد مدخراته في البنوك، وتدنّتْ قيمة راتبه، ويفتقد الدولار، فيما تحظى العائلات السورية بالمساعدات الدولية التي تضاعفت تحت وطأة الأزمة اللبنانية بإضافات لإشتراك الانترنت للتعلم عن بعد، وحيث يقف السوريون أمام الصرافات الالية لقبض المساعدات بالدولار، الذي لا يستطيع المواطن اللبناني تأمينه من المصرف، مما أدى الى خلق فوارق اجتماعية ومعيشية.
لم يعد لبنان قادراً على تحمل تبعات النزوح السوري، مما يهدد بإنفجار اجتماعي واسع بعد ان تحوّل النازحون الى قنبلة موقوتة داخل المجتمع. فصحيح ان السوريين عانوا قبل أعوام من ويلات الحرب والتهجير والقتل، إلاّ ان اللبنانيين اليوم في آخر الاحصاءات الأممية باتوا الأكثر تعاسة. وبالمقارنة بين ما كان عليه وضعهم قبل عام، هم اليوم يتفوّقون بعد انفجار بيروت وضياع أموالهم وأعمالهم، على كل شعوب العالم. وفي التصنيف الاحصائي والأممي، احتل لبنان المركز الثالث في المشاعر السلبية بسبب الانقسامات السياسية وكورونا وإنفجار المرفأ.