رادار نيوز- يكاد لا يمرّ يوم إلّا ويظهر فيه تحذير جديد، سواء من الداخل أم الخارج، بما ينتظر لبنان من صعوبات وانهيار سيطال جميع الفئات والقطاعات بلا استثناء، وبأنّ الأيّام المقبلة لا تبشر أبداً بالخير، والأمور تتجه من سيّىء إلى أسوأ.
بعد أيّام قليلة من إنطلاق شرارة الحراك الشّعبي في 17 تشرين الأول العام الماضي، مضى أكثر من عام شهد خلاله اللبنانيون تصدّعاً في بنيان دولتهم وانهيار طال مختلف نواحي الحياة في بلدهم، من أزمة سياسية أدّت إلى استقالة حكومة ومجيء أخرى لم تسهم في لجم الإنهيار وإصلاح ما أفسده السياسيون في دهور، وأزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة جعلت الليرة اللبنانية تنهار بشكل غير مسبوق، وتراجعت معها قيمتها الشّرائية، و”حبست” المصارف حسابات صغار المودعين الذين تعرّضوا للذلّ والمهانة من أجل تحصيل جنى عمرهم، إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
كل شيء في البلد كان يتراجع وينهار تدريجياً، وكانت الأزمات تتوالى، من غير أن تجد من يتصدّى لها ويعالجها، بعدما نفض جميع المسؤولين أيديهم ممّا أصاب لبنان من نكبات أكلت الأخضر واليابس. السلطة السّياسية منقسمة ومشلولة وعاجزة، الإقتصاد ينهار ومعه العملة الوطنية، البطالة ترتفع بشكل تصاعدي وسريع، الفقر يتفشّى، التعليم يصاب بضربات في الصميم قضت على ما تبقى سمعة لبنان بهذا المجال، وكذلك حال القطاع الصحّي الذي نُكب منذ تفشّي فيروس كورونا؛ القطاعات الإنتاجية من الصناعة إلى الزراعة والسياحة والخدمات تعلن الإستسلام وترفع الراية البيضاء، وفوق ذلك كله جاء إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ليقضي على ما تبقى من آمال بالنهوض، والخروج من نفق المجهول الطويل.
وسط هذه الأزمات العميقة والبنوية حاول الفرنسيون مدّ حبل النجاة للبلد الذي أوجدوه قبل 100 عام، لكن محاولتهم باءت بالفشل بسبب إعتراض خارجي عليها، وتحديداً من الجانب الأميركي، الذي عرقل المبادرة الفرنسية لأسباب مختلفة وكونها لا تتوافق مع سياساته ومصالحه في لبنان والمنطقة، ما دفع أكثر من مسؤول فرنسي إلى التحذير من “إختفاء لبنان عن الخارطة في السنوات المقبلة”.
برغم كلّ هذه المخاطر التي تهدد لبنان، والتهديد بوقوعه في براثن الفوضى، وإمكانية كبيرة لحصول إنفلات أمني فيه، فإنّ أحداً من مسؤوليه لم يبادر إلى طرح حلّ ومبادرة للإنقاذ، ووضع حدّ للإنزلاق نحو هاوية لا قرار لها، بل قامت الطبقة السياسية بالعكس، وغسلت يديها من التجاوزات التي أغرقت البلد وتهدّد بزواله.
ومع أنّ الفضائح والإرتكابات التي شهدها لبنان طيلة فترة السنة ونيّف الماضية كانت مهولة ومفجعة، فإنّ أحداً لم يتحمّل المسؤولية، ولم توجّه إتهامات إلى أحد، فبقي الفاعل مجهولاً، بما فيه من يقف وراء إنفجار مرفأ بيروت، ومن تسبب بسرقة ودائع اللبنانيين وإفقارهم، ومن نهب البلد واستباحه، لا بل إنّ الطبقة السّياسية ـ إيّاها ـ قامت بتحشيد اللبنانيين سياسياً وطائفياً ومذهبياً خلفهم، وسط أجواء تحريض بالغة الخطورة، في خطوة تهدف إلى أمرين: الأول تحويل الأنظار وإبعادها عن احتمال القيام بأي مراجعة ممكنة أو محاسبة؛ والثاني حرصهم الشديد أولاً واخيراً على مصالحهم ومواقعهم، ولو كان ذلك على حساب دفع البلد إلى المجهول، وكل واحد من هذه الطبقة السياسية يرفع شعار: “أنا ومن بعدي الطوفان”.
عبد الكافي الصمد-سفير الشمال