ملاحظات سريعة على أمور كثيرة:
* كنت لأصدِّق أنَّ نهاية العالم اقتربت، لو لم تبدأ منظومة المادِّيَّة الوصوليَّة المركنتيليَّة الميكيافيليَّة الرأسماليَّة المتوحِّشة تتفكَّك وتتهاوى حجرًا بعد حجر، وكرسيًّا في إثر كرسيٍّ، وهالة تلو هالة.
ألله كبير!
* كنت لأصدِّق أن الفصل الَّذي نعيشه ليس الرَّبيع المعهود، لو لم يحجب رحيق أزهاره أشواك الأفكار الرجعيَّة الطالعة من هشيم الجهل والتَّعصُّب، ولو لم تطغَ ألوانه على صور الشَّاشات الخادعة، ولو لم تبدِّد نسائمُه دخان الحرائق المشتعلة من حولنا، ولو لم يسمَّ عريس الفصول رافضًا أن يتحوَّل اسمه مأتمًا للجمال والقيم والمبادئ والحقِّ والحريَّة.
سبحان من سمَّاه!
* كنت لأصدِّق أنَّ توقيف شخص في طرابلس، مشتبهٍ بعلاقته بتنظيم إرهابيٍّ، سيفجِّر الوضع في لبنان، فتستعيد الذَّاكرة معركة نهر البارد، في ضوء تحويل التوقيف مسألة مذهبيَّة، وميوعةِ بعض المواقف الرَّسميَّة والسِّياسيَّة، لو لم يؤكِّد الجيش اللُّبنانيُّ حضوره ويحذِّر وينتشر ويَقُلْ: أنا هنا، ممنوع العبث بالأمن، وممنوعة الجزر الأمنيَّة، وممنوع جعل أيِّ منطقة من لبنان تعصى أو تتمرَّد أو تستقلُّ أو تُستَغلُّ متراسًا خلفيًّا أو متقدمًا لأيِّ حَراك إقليميٍّ… ولو لم تكن طرابلس وأهلها أصلاء في لبنانيَّتهم، وغيارى على السِّلم والوحدة الوطنيَّين، ومثالًا للتَّنوُّع والتَّسامح والتَّآخي.
… الجيش والطَّرابلسيون سيقولون كلمتهم، وما قالوا يومًا سوى الكلمة الحقِّ.
* كنت لأصدِّق أنَّ المعركة على الإرهاب خاسرة، في ضوء التباس المواقف الدوليَّة والإقليميَّة والمحليَّة من ممتهنيه، وتصاعد قوَّة الإرهابيِّين ونفوذهم وانفلاشهم على عينك يا تاجر، لو لم يكن الإرهاب يحمل بذور موته في داخله، مهما طال الزَّمن.
… وإنَّ غدًا!!!
* كنت لأصدِّق أنَّ الدَّين العام الَّذي ترتب على لبنان، في العقدين الأخيرين، صُرفت أمواله على إنماء وإعمار، لو لم تتكشَّف حقائق عن إهدار وسرقات ودفاتر حسابات وهميَّة وغير صحيحة، يعمل بعضُ مَن في السُّلطة اليوم للتَّغطية عليها، لغاية في نفسٍ، أو نكايةً، أو لأنَّ لله في خلقه شجونًا وشؤونًا.
… وعش رجبًا!!!
* كنت لأصدِّق أنَّ ثَمَّة انتخابات ستُجرى في الجمهوريَّة اللُّبنانية، رئاسيَّة ونيابيَّة، وأنَّ مرشَّحين بدأوا يجهرون بنيَّتهم خوض غمار المعركة، وإن قبل أوانها بكثير، ووسط عجزٍ عن سن قانون يحقِّق تمثيلًا حقيقيًّا، حتَّى الآن… لو كانت الجمهوريَّة.
قفا نبكِ…
* كنت لأصدِّق أنَّ تبليط البحر دعوة تنطوي على استحالة، لو لم يتحوَّل شاطئنا “منتجعات سياحية”، تجعل ارتياد الموج حكرًا على المقتدرين ماليًّا… وما همُّهم إذا توالت موجات التسونامي، فبالمال يُخضعون الخطر لمشيئتهم.
وعِشْ يا فقير، أو على ما تقول النُّكتة الفرنسيَّة: أصمت واسبح، فأميركا بعيدة.
* كنت لأصدِّق أنَّ نتيجة التَّصويت، عبر الأرقام الخاصَّة للهاتف الخلويِّ، لمسابقات الجمال وبرامج صناعة النُّجوم والتَّرفيه وغيرها، صحيحة وسليمة مئة في المئة، لو لم يكن سعر الدَّقيقة يكلِّف المتَّصل، إلى تعرفتها الأصليَّة، وهي الأغلى في العالم، “قدّ بقرة جحا”.
كم سعر بقرتك يا جحا؟
* كنت لأصدِّق أنَّ يد ذاك الصَّحافي الحاملة ميكروفونات خمس محطَّات تلفزيونيَّة معًا، تستأهل هذا العناء، لو أنَّ ما أدلى به المسؤول، لحظتذاك، يستأهل أن يسمعه أحد.
كلمات، كلمات، كلمات.
* كنت لأصدِّق أنَّ الغباء (الذي قال عنه نيتشه إنه عطية إلهية وعلى الإنسان أن يحسن استخدامه) من صفات الحمير وحدها، لو لم أقرأ لأبي أنطوان يونس، رحمه الله، في ديوانه “كلُّن يومين”، هذين البيتين:
الْعاشو معَكْ وبيِدِّعو دْراويشْ
وبِالغَشْمَني بيعرْقلو سَيْرَكْ،
أَكْبَرْ مصيبي مَع حْمار تْعيشْ
وتِدْفَعْ تَمَنْ عَنْ حَمْرَنِةْ غَيْرَكْ.
يا ليت شعري…!
* كنت لأصدِّق أنَّ في كرة القدم مدرِّبًا فذًّا وخطَّة يضعها لكلِّ مباراة، ينفِّذها لاعبوه بحذافيرها، لو لم تكن الكرة مستديرة، والحظُّ لاعبًا يسَجِّل نفسه، من دون إنذار مسبق، على قائمة أيٍّ من الفريقين المتنافسين، خصوصًا في لحظات المباراة القاتلة.
كم من قلب كاد يتوقف عن الخفقان في مدينة مانشستر؟
… كنت لأصدِّق، لكنِّني، في هذه اللَّحظات المصيريَّة بالذَّات، مغرمٌ بالمثل القائل: إنَّ بعض الظَّنِّ إثم.