… تأخَّرنا سبع سنوات، فلا نتأخرنَّ أكثر! – حبيب يونس

106 views
38 mins read

“ثورة التغيير الحقيقية التي عاشها لبنان عام 2005، وأفضت إلى جلاء آخر جندي أجنبي عن أرضه، لم يكتب لها النجاح لأنها لم تتوَّج بمؤتمر تأسيسي يرسم مستقبل الوطن الخارج من أسره، ويعتبر مما سبق ويتعلم لتدارك الوقوع في الخطأ ثانية. مؤتمر يتمثل فيه الجميع، ولا يستثني أحدًا، فينكبُّون خلاله، مهما طال “أسرهم” داخل القاعة، على وضع رؤية تقي البلاد الحروب والشرور والأخطار”.

هذه خلاصة سلسلة مقالات كتبتها عام 2005، تحت عنوان “أزمة حكم، أو أزمة نظام حكم”، بعد جملة كنت أسوقها شفاهَةً، بأسًى، تعليقًا على التطورات التي تلاحقت عامذاك، تقول: “ثورة الأرز انتهت حين عاد كلُّ من شارك في تظاهرة 14 آذار الشهيرة إلى منزله مساء”. كانت، في رأيي، ثورة انتصر فيها لبنان، لا فريق على فريق، فأضاع القيمون على العباد والبلاد فرصة تاريخية لالتقاء شامل على خلاص دائم.

وعليه، عجِبتُ للحملة التي استهدفت دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، إلى معاودة جلساته في قصر بعبدا، في 11 حزيران، ومن ثم اقتراح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى عقد مؤتمر عام يكون بمثابة مؤتمر تأسيسي.

إذ لا يخلو تصريح اليوم من عبارة إن لبنان في خطر. فكيف نرد الخطر؟ أبالخطب والكلام الممجوج والتحليلات والحكم على النيات وتبادل الاتهامات، والتمترس كلٌّ في مواجهة الآخر، أم بالحوار؟

وإذا كانت نتائج حلقات الحوار السابقة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، فالدعوة اليوم إليه تختلف ظروفها عما سبق. ففضلًا عن أن لبنان، محكوم بموقعه وتركيبته، ومنذ نشأته، أن يكون طاولة حوار دائمة بين أبنائه، لتعزيز صيغة الحياة المشتركة، وتصدير تجربة قبول الآخر ضمن نظام واحد إلى العالم أجمع، يقع اليوم على خط زلازل سياسية، دولية وإقليمية ومحلية، تفرض على المسؤولين فيه، في ضفتي الموالاة والمعارضة، أن يخرجوا من اصطفافاتهم الحادة، ويلتقوا على كلمة سواء، تجنب لبنان مخاطر وكوارث وويلات، هو الذي لم يتعاف بعد من آثار الحرب التي عصفت على أرضه، وارتداداتها.

فدوليًّا، ثمة حرب باردة جديدة، على ما يبدو، بين معسكرين. معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الذي يعاني سلسلة أزمات دولية وداخلية سياسية واقتصادية ومالية، وانكفاءات لئلا نقول خسارات في أكثر من مكان في العالم. ومعسكر دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) التي تعد قوى صاعدة لا تعاني أزمات حادة. وهذه الحرب الباردة، وإن كانت لا تشبه تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، واستمرت حتى تفتت الأخير، تنعكس على مجمل أوضاع العالم، ومنها لبنان، خصوصًا أن ثمة لاعبين إقليميين، يؤيدون هذا المعسكر أو ذاك. وهي في بدايتها ولا أحد يعرف إلام ستؤول نتائجها، في ضوء شبه ثبات سياسي في معسكر البريكس، في مقابل متغيرات في المعكسر الغربي تتضح ملامحها بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، الخريف المقبل.

أما إقليميًّا فما شهده العالم العربي منذ نحو سنة ونصف السنة، تحت مسمى الربيع العربي، بدَّل المشهد رأسًا على عقب. فاجتاحت الثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، وغاب أربعة رؤساء اقترنت أسماؤهم بدولهم هذه، وأفضت إلى بلوغ إسلاميين كراسي الحكم، أو إلى بروزهم قوة فاعلة. وشهدت دول عربية أخرى، من مثل البحرين، اضطرابات ما زالت مستمرة، في حين عرفت دول ثالثة كيف تستبق التطورات وتجري تغييرات جنبتها التغيير الثوري أو الدموي، من مثل المغرب والجزائر. ولا تزال سوريا تحت تأثير هذه الرياح الربيعية، إذا جاز التعبير، مع ما لها من انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني، لترابط سياسي قديم، وتجاور جغرافي أزلي.

ويضاف إلى موجة التغييرات هذه، عدم استقرار في العراق، وأزمة أميركية – إيرانية لاحت بشائر حلول لها في اجتماع عقد في بغداد قبل أيام، وسيتابع قريبًا، ركيزته نشاط إيران النووي، وكذلك محاولة دول الخليج منع الجمهورية الإسلامية من بسط نفوذها أكثر، فضلًا عن تنطح تركيا إلى أداء دور إقليمي يسترجع بعضًا من سلطان الدولة العثمانية، من دون أن ننسى المشكلة الأم وهي الصراع العربي – الإسرائيلي العاصي على الحل حتى الآن.

أما محليًّا، فحدث ولا حرج عن المشكلات التي تبدأ بحكومة لم تقلع بعد كما يجب، وحملة المعارضة الشرسة عليها، وتمر بالمشكلات الأمنية التي ترجمت معارك شوارع ظهر معها السلاح الكثيف بين أيدي أفرقاء كثر، وخصوصًا في طرابلس وعكار وبيروت، وسط كلام على خطة لاقتطاع شمال لبنان وجعله إمارة لجماعات إسلامية، وبالتالي منطقة معزولة تتغذى منها الحركة المعادية للنظام في سوريا؛ من دون أن نغفل الحملة القديمة الجديدة من أجل نزع سلاح حزب الله، والحملة المستجدة على الجيش اللبناني واستهدافه قيادة وضباطًا وأداء والتشكيك فيه، وهو المؤسسة التي كان ثمة إجماع على أنها الوحيدة الباقية فوق الصراعات، ومهمتها حفظ الاستقرار في الداخل وحماية الحدود (ويجب أن يبقى هذا الإجماع)؛ وفلتان أمني يتمثل باعتداءات وسرقات وجرائم قتل؛ واعتصامات واحتجاجات جعلت من حرق الإطارات وقطع الطرق “موضة”؛ ناهيك بالأزمات الإدارية والاقتصادية والحياتية والمعيشية… الأمر الذي جعل الناس في حال اشمئزاز، وتخوف من الآتي الأعظم، حتى أن هذا المناخ انسحب على الموسم السياحي، على عتبة صيف كان مؤملًا أن يجلب إلى لبنان مئات آلاف السياح.

وعليه، ووسط هذه التطورات، ماذا غير الحوار قادر على التبصر في ما آلت إليه الأمور، والبحث عما يقي لبنان شر امتداد الاضطرابات إليه أو تفجيره داخليًّا، وتحييده عن سياسات المحاور، وحصر أي خلاف في إطار التنافس الديمقراطي المشروع على السلطة.

الواضح حتى الآن أن ثمة أفرقاء كثرًا، خصوصًا في فريق الموالاة، وفريق الوسطيين، أيدوا الدعوة إلى الحوار، فيما ظهر انقسام أو تباين بين مكونات المعارضة، فرحب مثلًا حزب الكتائب بالخطوة وأعلن نيته المشاركة، وتدرج موقف تيار المستقبل من اشتراط استقالة الحكومة وتأليف حكومة حيادية إلى احتمال المشاركة في الحوار بقيادات من الصف الثاني. أما حزب القوات اللبنانية فحكم على هذا الحوار منذ الآن بأنه سيكون مضيعة للوقت.

إنها فرصة لالتقاط الأنفاس ومراجعة ما حدث والتفكير بصوت عال على طاولة حوار، بدلًا من التراشق بالكلام عبر منابر الإعلام والخطابة، أو بالسلاح. فهل يتلقفها الجميع، ومن دون شروط، كما طالبت قيادات روحية، فينجو لبنان من خطر داهم؟ أَوَلا يكفي أن ما كان يجب أن يحدث بعد تحرر لبنان عام 2005، أُجهض، لأن ثمة من أضاع البوصلة، وآثر الاستفراد والاستئثار؟ فما المانع اليوم، وبعد سبع سنوات، من تصحيح الخطأ، بعقد ذاك المؤتمر التأسيسي الإنقاذي؟

تأخَّرنا سبع سنوات، فلا نتأخَّرنَّ أكثر. فعود ثقاب قد يشعل غابة. أما الحوار، إذا لم ينفع ويؤدِّ إلى نتيجة، فهو حتمًا لن يضر.

Previous Story

“الشيوعي”: لانجاح اللقاء النقابي بعد غد الاربعاء

Next Story

مسرحية “زيارة السيد الوزير”

Latest from Blog