حول الجانب المظلم للولع بالتقانات الجديدة وسراب الحماية الالكترونية والتكنولوجية
خداع الـ «جي بي آس»…
ويتوقع أحد أبحاث مركز (أيه بي آي) أن تصبح برامج تحديد الموقع الجغرافي المتوفرة كأدوات تضاف إلى لوحة التحكم في السيارة أو عبر الهاتف النقّال، قيد الاستخدام لدى 900 مليون شخص بحلول العام 2013. إلا ان شيئاً آخر كان يجري في أثناء توسع استخدام هذه التجهيزات المزودة بميزة تحديد الموقع الجغرافي لدى شريحة كبيرة من الناس، لم يعد البعض منا يرى العالم كما اعتاد البشر أن ينظروا على مدى آلاف السنين، فصاروا يتقبلون أي شيء تعرضه عليهم هذه الأدوات.
يقول المؤلف ان حاجتنا الى المعرفة حاجة أساسية، والمعدات النقالة توفر لنا هذه الوسيلة بطريقة لم يسبق ان كانت ممكنة في التاريخ البشري. فكثيرون من الناس، يعتبرون أنه من المغالطة القول اليوم لا يستطيعون العيش من دون هذه التقنيات.
فماذا لو ضللتنا معدات تحديد الموقع الجغرافي بشكل منظّم؟ إن معدات تحديد الموقع الجغرافي في سياراتنا لا تزودنا بإمكانية التنقل فقط، بل إنها تحذرنا من الانسدادات والحوادث الطرقية القادمة. فماذا لو كانت تكذب؟
وبما أن إنذارات نظم تحديد الموقع الجغرافي الطرقية ليست معمّاة مشفّرة، فبإمكان أي شخص يملك المعدات والمعرفة اللازمة بالاشارة المستخدمة في معدات لوحات التحكم أن يقوم بذلك. أي إنه يمكن لأحدهم أن يحجب رسالة طارئة إن كان يعرف بهجوم حجب الخدمة.
ثم يعود المؤلف ويقول بأن أي شخص يملك جهاز إرسال راديو قصير المدى، ويعرف التردد المستخدم في وحدة تحديد ارسال راديوياً قصير المدى، ويعرف التردد المستخدم في وحدة تحديد الموقع الجغرافي، يمكنه أن يبث معلومات، صحيحة أو غير ذلك. الى المسافرين العابرين في الجوار. واذا كان هذا البث المرتجل غير قانوني في الولايات المتحدة. فإن الوضع مختلف في البلدان الأخرى.
تستخدم معدات تحديد الموقع الجغرافي الأحدث إنذارات تعتمد على الأقمار الصناعية، وخداعها أصعب بكثير، ولو انها تستخدم أيضاً إشارات غير معمّاة لكن الوحدات لا تزال تعتمد على اشارات “الأف أم”، وهي بالتالي غير منيعة أمام مثل هذا الهجوم.
ارباكات
كذلك يذكر المؤلف جهاز (الآيفون) على سبيل المثال، بانه لا يستخدم تقنية تحديد الموقع الجغرافي “جي بي آس” في خدمات تحديد الموقع، إذ ارتأت شركة (أبل) أن الربط بين اتصال “واي فاي” المستخدم في الهاتف والموقع الجغرافي يعد بآفاق أوسع مقارنة بالـ”جي بي اس”. أما (مايكروسوفت) و(غوغل) فتقدمان خدمات تحديد موقع “واي فاي” خاصة بهما. الا أن تقنية الـ”واي فاي” ليست بالضرورة متفوقة على الـ”جي بي أس” في تحديد الموقع الجغرافي، بل كل مافي الأمر أنها أكثر راحة.
يشير المؤلف في هذا الكتاب الذي يعود الى سنة 2008، بأن فريقاً من الباحثين في زوريخ بسويسرا قد وجد طرائق يمكن من خلالها اختراق شبكة “أبل” لتحديد الموقع باستخدام تقنية الـ”واي فاي”، فأجهزة (الآيباد) و(الآيفون) و(الآيبود) اللمسي، تستعلم لدى أقرب نقطة وصول لشبكة لاسلكية، قد تكون في مقهى انترنت، أو في شركة، أو في مكان اقامة ما، وتنقل هذه المعلومات إلى قاعدة بيانات، حيث يتم ربطها بموقع فيزيائي خط طول وعرض. فقام الباحثون السويسريون بإعطاء معلومات غير صحيحة لهذه الخدمة، تخبر خدمة (أبل) أن جهاز (الآيفون) موجود في نيويورك، بينما هو في زوريخ. لكن ماذا لو أمكن استغلال نقطة الضعف هذه لتحقيق أهداف أكثر سواء؟
يتناول هذا الكتاب أيضا جانبا مظلما تخفيه هواتفنا الذكية، والكاميرات الرقمية والحواسب المحمولة الجديدة المزودة بشبكة لاسلكية. مما يشير بأننا كيف لا نقرأ تعليمات الاستخدام قبل أن نبدأ التشغيل، بينما هي تخفي إعدادات الحماية، كما وتبين الدراسة بحسب قول المؤلف أن المستهلك يريد تجهيزات معقدة، ويجد قيمة أكبر في المعدات التي تقدم القدر الأكبر من الامكانيات حتى حين لا يفهم كيف تعمل. يقول المؤلف ان مصنّعي المعدات الذين يعملون على تبسيط تقنياتهم المعقدة، لا يقدمون لنا سوى وهم السيطرة على هذه المعدات، وهو ما يفتح بدوره الباب أمام المزيد من المخاطرة. فآلات التصوير تتذكر مستنداتنا الحساسة والصور المنشورة على الانترنت تكشف عن موقعنا في لحظة التقاطها، مما ينتهك خصوصيتنا من حيث لا ندري. فمعظمنا لا يدرك تبعات اقتناء مجيب آلي يراقب تحركاتنا اليومية، الى أن يأتي محامي الطلاق ويستخدم هذه البيانات العمياء ليبني عليها سرداً غنياً حول اقامتنا علاقة في ظهيرات أيام معينة.
خصوصيات
وبإضافة أنظمة البث اللاسلكية هناك شارات الموظفين وشهادات القيادة وجوازات السفر، فإننا نسرع عملية التعرّف، لكننا أيضاً ننتج أشكالاَ جديدة من انتحال الشخصية. فاستنتاج الإشارات اللاسلكية عملية سهلة. ومن دون وجود عملية تحقق من الهوية، ومن دون وجود تشفير كما هي الحال غالباً، يمكنني أن انتحل شخصيتك من دون حتى أن أحتك بك أو بأوراقك مادياً. إضافة إلى ذلك، تقوم محال البيع بإضافة معرفات التردد الراديوي الى المنتجات التي نشتريها.
ومع أن أياً من المعلومات الشخصية لم يتم الكشف عنها، فإن هؤلاء الوكلاء الالكترونيين الذين يؤخذون أحياناً من علمنا، ليسوا أكثر دقة في تمثيلنا من المعلومات التي تقوم أحياناً بإعطائها شخصياً عن علم.
فلطالما ساد الاعتقاد أن بصمات الأصابع قرينة فريدة، لكن مقارنة بصمات الأصابع ليست سوى اسطورة. والقياسات الجسدية تفتقر الى الكثير من البيانات التي تجعلنا فريدين؛ تماماً كما لا يمكن لأدوات الجي بي ار آس أن تراعي جميع التفاصيل المتعلقة بكل طريق فرعية في العالم.
يشير المؤلف إلى أنه ربما تكون احدى الطرائق لمجاراة كل هذا التغير التقاني هي الجمع بين الكترونياتنا المختلفة في أداة واحدة؛ إذا قمنا ببناء نظام الحماية على هذه الأداة منذ البداية، ولم نؤجله الى وقت لاحق. فنحن نبدي ميلاً الى عدم نسيان هواتفنا النقالة ابداً، ولكن احياناً ننسى مفاتيح السيارة او المحفظة. وربما تكون هذه الهواتف اذا تم تصميمها على نحو آمن، قادرة على الاحتفاظ بمعلوماتنا الشخصية ولوائح مهامنا وبطاقاتنا الائتمانية. فهواتفنا النقالة اليوم هي أشبه بمجموعة ادوات نقّالة. وهي على خلاف المحفظة المادية، إذا حدث أن فقدت أو سرقت، يمكن مع بعض البرمجيات الإضافية أن يتم قفلها أو تفريغها، مما يحيلها الى قطعة عديمة الفائدة بالنسبة الى السارق. لكن قبل أن نتمكن من التوصل الى تقانة تامة التكامل نضعها في خدمتنا اليومية فإننا نحتاج الى تغيير سلوكنا مع ِأدواتنا والى ان نصبح بشكل عام اكثر احاطة بكثير بطريقة عملها وبنقاط ضعفها المختلفة.
في كتابه هذا يساعدنا المؤلف على فهم التقنية في حياتنا اليومية وتطوير اسلوبنا العفوي لحماية انفسنا، فهو دليل لفهم حقيقة ما ينتظرنا مستقبلياً ويكشف عن السرية للأجهزة الالكترونية بحيث نتمكن من ادارة المخاطر المحتملة.
الكتاب: سراب الحماية الالكترونية والتكنولوجية
المؤلف: روبرت فاموسي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
المصدر: جريدة الاتحاد الاماراتية – عماد جانبيه