سؤال الهوبة الكردية

Wednesday, 15 August 2012, 23:27

قوميتان في بلد واحد.. هل من مستقبل؟

رادار نيوز – “سؤال الهوية الكردية” كتاب أخذت الفكرة مؤلفه، بلا رقابة، بحذر قليل استند فيه إلى ابن العربي: “واعلم بأن ذوي الأفكار في عمهٍ فكن من الفكر يا هذا على حذر”، ولذلك ظل سؤال “الهوية الكردية” غير مطروح فكرياً وبجدية على الأقل. إهمال غير متعمد تكرر في انعطافات تاريخية لشعوب أخرى في فترات وظروف محددة، كاليابان وألمانيا الخارجتين من الحرب العالمية الثانية بهزيمة ساحقة: هل تندمجان كلية في الغرب الحديث، أم تقاومان؟ إذا اختارتا المقاومة ماذا تفعلان؟ حتى أن أديباً مثل توماس مان رفض العودة إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب قائلاً: إنها ما زالت محتلة، فاتهمه مثقفو الداخل بالخيانة والجبن لأنه فر من هتلر. وكان السؤال هنا اليوم: هل يندمج الشعب الكردي ويذوب في الهوية العراقية التي لم تتشكل وتعاني صراعاً أكبر من صراع اللهجات، أم يقاوم؟ ماذا سيكسب من المقاومة؟ ماذا سيخسر؟ هل يندمج في الهوية الدينية الإسلامية رغم الجروح القديمة؟

السوء والتعافي

يذكر المؤلف عبد الكريم يحي الزيباري بأن العراق اليوم في حالة سيئة، بينما يبدو إقليم كردستان متعافياً بعض الشيء، لكن هذا لا يعني أن الأول شرط الثاني، كما يريد بعض المغرضين أن يصوروا لأنفسهم باستمرار عدواً وهمياً، غاب عنهم جدل مهم بخصوص القبل والبعد، فالإقليم لم يتعاف اليوم بالذات، ولا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تدهوراً في بغداد سوف يعني ازدهاراً في أربيل، بل تذهب على العكس تماماً جميع المؤشرات، فالعلاقة بين أربيل وبغداد ليست علاقة نفي، بل تاريخية وطنية، تكمل إحداهما الأخرى، كالأب والابن، فلا أحد غير حكومة بغداد بمقدوره تبرير هذا الاستقلال النسبي لإقليم كردستان، وهي التي تمنحه الشرعية الدولية. بالمقابل: يمكن للعراق الاستفادة بشكل استراتيجي من الاستقرار النسبي في كردستان، كما أن أي خلل يصيب هذه العلاقة، سوف يفتح الأبواب مشرعة لتدويل الأزمة، وتشظيها في جميع الاتجاهات، وما كان ذلك كذلك، إلا لأن كردستان عانت لعقود طويلة، ولم تحظ بحوار متكافئ مع بغداد قبل 2003، رغم أننا لا يمكننا تجنب الحديث عن أزمة، لأننا إذا فعلنا ستبدو الصورة غير مكتملة، ومصدر الأزمة هو تضارب المصالح، وافتقاد الثقة اللازمة في الدخول في حوار جاد، هو فوز بعض المتطرفين في انتخابات مجلس النواب العراقي، نتيجة شعارات تضمر إلغاء حقوق الآخر على أساس الهوية المغلقة، كما حدث في أوروبا وأميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر.

ويذكر المؤلف مونتين بقوله “إن كل فرد في حد ذاته يحمل شكل الوضع البشري برمته”. لأنه قبل أن تكون له هوية هو إنسان، سموه في إنسانيته.
لمحة دستورية

ويعرض الكتاب الحقوق والحريات في القانون الأساس لسنة 1925 التي كانت ضئيلة إلى حد ما، فلم يرد أي ذكر للشعب الكردي، ولا لغيره من الإثنيات. ووفق قانون آخر قسموا العراقيين إلى تبعيات عثمانية وفارسية، ومنحوا الوظائف العامة للوافدين من سوريا ومصر والجزيرة العربية، ثم صدر دستور العراق المؤقت في 27/07/1958، ونصت المادة الثالثة منه على ما يلي: “يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية). فازدهرت الثقافة الكردية لثلاث سنوات فقط، ثم صدر الدستور العراقي 29/04/1964 لتنص مواده على أن العراقيين “لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين ويتعاون المواطنون كافة في الحفاظ على كيان هذا الوطن بمن فيهم العرب والأكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية”، فعين للكرد واجب الحفاظ على كيان الوطن، ولم يمنحهم أية حقوق. ويتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية. وتكون اللغة الكردية اللغة الرسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية. فانتشرت النزعة القومية المحلية الإقليمية الكردية. ويشير المؤلف إلى أن الهوية الكردية تمر اليوم بمرحلة انتقالية خطيرة، بعد معاناة عدة قرون، والنقلة من غريزة حب البقاء، إلى غريزة حب النمو والتطور، ثم نقلة بعد نقلة وفجأة لم يعرفوا ماذا يريدون بحسب قول المؤلف؟ وإلى أين هم سائرون؟ ولا يكادون يعرفون ماذا لديهم؟ ماذا يملكون؟ وماذا ينقصهم؟ خصوصاً أن الظروف الخارجية من حولهم مضطربة، وبإزائها اضطربت الرؤى والطموحات، مقابل ذكريات ثابتة عن حجم المعاناة التي ما زالوا يبدون قلقاً صريحاً وواضحاً بشأن إمكانية تكرارها، حالة الاضطراب هذه، أشفق منها أدونيس فوقف في 16 أبريل 2009 أمام رفات الضحايا في مقبرة حلبجة، وقال: أجبرتني ذكرى مجزرة حلبجة على البكاء، أنا الذي لا أبكي، وهذه إحدى سيئاتي الكثيرة، ولكن لا تفسحوا المجال لهذه الذكرى الأليمة أن تفسد عليكم حياتكم. يبدو أن شيئاً لا يفسد الحياة كما تفعل الذكريات الأليمة التي لا تنسى.

الحقوق والواجبات

يقول المؤلف إن في هذا العصر، يتحدث الناس عن حقوقهم فقط، لم نسمع أحداً يتحدث فيه عن الواجبات، فعدم اهتمامنا بواجباتنا هو أساس المشكلة، فعدم قيام الجماهير بواجبها الضروري لتصحيح المسار، هو سلوكنا الدائم، وهو الذي يجعل الآخرين على ما هم عليه، فلو تعاملنا بطاعة عمياء، سيعاملوننا كعبيد، ولو تعاملنا معهم بلطف ودماثة، وسهولة وأخلاق لينة، سوف يعاملوننا بالمثل، وهوية المرء تتبدل بحسب الآخر الذي يواجهه، يقول بيركلي: “إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها ـ فالتفاحة بذاتها لا طعم لها ـ وليس في فم من يأكلها، وإنما الطعم في التواصل بين الاثنين”، فهوية الإنسان ليست في نفسه، بل في الشخص المقابل، وعند الغوص عميقاً، في أعماق الإنسان، في دوافعه ورغباته المكبوتة، نكتشف أن الإنسان يدفع جوهره الذي يجعله هو، يفاجأ بأن في داخله غابة، لم يكتشف حدودها بعد.

يتناول المؤلف في كتابه السياسي العراقي الحالي الذي يجد أن هويته ملتبسة، فهو عسكري محترف وأكاديمي، واقتصادي، وكل شيء، ولكن الغالب على هوية السياسي، هو العنصر العسكري، ولهذا أسماه العسكسياسي. ويقول أيضاً إنه لا يدري لماذا لا يرتدي ساسة المنطقة الخضراء الزي العسكري؟ خصوصاً وهم متخندقون في المنطقة الخضراء وراء أكداس من أكياس الرمل الكبيرة، ونقاط التفتيش الكثيرة. هل هذه مأساة تاريخية أم مهزلة؟ بالأمس القريب احتفل الشعب العراقي مجبراً بتحرر الكويت، واليوم يحتفل بتحرير العراق! بالأمس احتفلنا بانتصارات زائفة كأم المعارك ويوم النصر العظيم، اليوم نحتفل لأن العراق أكثر دول المنطقة استقراراً وأمناً!

يقول: نحن نعيش هذا التطور الهائل، قد صار واضحاً جلياً، أن كل شيء متعلق بكل شيء، وتقاعسنا وكسلنا الذهني ينأيان بنا عن اكتشاف العلائق المجهولة بين الأشياء.

يختم المؤلف بأن كتابه هذا هو محاولة تنفيذ حفريات في الهوية الكردية المعاصرة، وفيه كانت أسئلة تضمنت أجوبة… لتبقى الجرأة في طرح السؤال، وترك الجواب للمتلقي، لذا اختلطت الأمور فيه أحياناً، وأحياناً انفصلت… فكان كلامه مختلفاً، مكهرباً في المعنى، واقعياً، وقويّ الشبك، بين عناصر الكتابة ومدلولات النص، وعبرة من تاريخ، سيترك في موضعه بصمة ثبات…

المصدر: جريدة الاتحاد  –  عماد جانبيه

الناشر/ دار الفارابي – بيروت

Leave a Reply

إضغط هنا

Latest from Blog

أم عبدالله الشمري تتحدث عن الشهرة والعائلة والتحديات في أولى حلقات “كتير Naturel”

استضاف برنامج “كتير Naturel” في حلقته الأولى، الذي يُعرض عبر تلفزيون عراق المستقبل من إعداد وتقديم الإعلامي حسين إدريس، خبيرة التاروت أم عبدالله الشمري. وتحدثت أم عبدالله بكل صراحة عن مسيرتها، الشهرة،

رامونا يونس: العناية بالبشرة هو استثمار..

ولعدم النوم أبداً دون ازالة الماكياج! في عالم الجمال والعناية بالبشرة، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة من استطعن الجمع بين الاحترافية والشغف الحقيقي بما يقدمنه. من بين هؤلاء، السيدة رامونا يونس، الناشطة

زخم الرئاسة الاولى وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي – بقلم العميد الدكتور غازي محمود

يعيش لبنان منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية عرساً حقيقياً، ويشهد زحمة مهنئين شملت كل من الرئيسين الفرنسي والقبرصي بالإضافة الى امين عام الأمم المتحدة، وكل من وزير خارجية الأردن ووزيرة
Go toTop