كتب الدكتور خضر ياسين:
احتل العدو الإسرائيلي مزارع شبعا خلال مراحل زمنية متعددة ولم ينسحب منها أثناء التحرير في العام 2000 بالإضافة الى بعض المناطق الجنوبية المحتلّة، مما جعل من هذا الأمر أهم المواضيع العالقة في إطار النزاع بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
تقع مزارع شبعا على السفوح الغربية لجبل الشيخ، وضمن منطقة مثلث الحدود اللبنانية – السورية – الفلسطينية، وتتكون من المنطقة المحددة بوادي العسل شرقاً، وبقصر شبيب شمالاً وبخراج قرى شبعا – كفرشوبا – المجيدية ونهر الوزاني غرباً وحدود فلسطين الى بانياس جنوباً، وتشرف على مساحات كبيرة من الجولان السوري والجنوب اللبناني والجليل الأعلى وسهل الحولة شمالي فلسطين المحتلة، كما تشرف أيضاً على مجرى نهر الحاصباني ونبع الوزاني اللذين يشكلان جزءاً من الروافد المهمة لنهر الأردن.
تضم مزارع شبعا (15) مزرعة هي: ضهر البيدر – بيت البراق – جورة العقارب – رويسة القرن – خلة الغزالة – فشكول – مراح الملول – برختا الفوقا – برختا التحتا – رمتا – قفوه– زبدين – مغر شبعا – النخيلة – الربعة. ويقع معظمها تاريخياً وحالياً بإستثناء مزرعة مغر شبعا في قضاء حاصبيا الحالي الذي يفصل بينه وبين محافظة القنيطرة التابعة للجمهورية العربية السورية وادي العسل وبركة مرج المن. وبالإضافة الى هذه المزارع توجد مناطق أخرى ما زالت محتلة من قبل العدو الاسرائيلي وهي مرتفعات كفرشوبا والجزء اللبناني من جبل الشيخ، وشريط من الأراضي من شرق مستوطنة المطلة حتى نهاية الحدود اللبنانية مع سوريا وفلسطين المحتلة، وقمة لبنانية من بلدة العديسة (قضاء مرجعيون) بمساحة 2500 دنم تقريباً ضمتها اسرائيل منذ 28/4/1970 الى مستعمرة مسكاف عام، واراضي لبنانية مقابل بلدة رميش (قضاء بنت جبيل).
تمتاز منطقة شبعا ومزارعها بخصائص جيو – استراتجية فهي منطقة سياحية تقع على مفترق الحدود بين ثلاث دول، لبنان وسوريا وفلسطين، تشرف على مساحات كبيرة من الجولان السوري والجنوب اللبناني والجليل الأعلى وسهل الحولة (شمالي فلسطين المحتلة)، وتتمتع بثروة زراعية ومائية، فهي تختزن كميات كبيرة من المياه مما دفع بخبير المياه الاميركي “أريك جونستون” إلى أن يطلق عليها وعلى امتدادها في الجولان المحتل وصف “البيضة الماسية” للشرق الأوسط.
وتركزت المخططات الاسرائيلية نحو هذه المنطقة الاستراتيجية منذ ما قبل نشأة الكيان الاسرائيلي في العام 1948 بسنوات عديدة، بحيث شكلت منطقة تتجاذبها الأطماع الاسرائيلية في الأرض والمياه، فالمؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة (بال) السويسرية عام 1897 أعلن عن غايته بخلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين تكون حدوده الشمالية متصرفية جبل لبنان على الأقل.
وهذا ما أشار اليه “بن غوريون” في كتابه (أرض اسرائيل) إذا اعتبر فيه أن متصرفية جبل لبنان هي الحدود الشمالية للدولة العبرية.
وقد ركّز الإسرائيليون على هذه المسألة الهامة بالنسبة اليهم، بحيث يظهر لنا ذلك في العديد من المواقف التي نستنتجها من بعض المذكرات ذات الصلة ومنها:
– عام 1871 جاء في تقرير البعثة اليهودية الأوروبية خلال زيارتها لفلسطين بأنه لا بد من الاستيلاء على الليطاني وجبل الشيخ ومزارع شبعا والجولان وسهل حوران. كما أن تيودر هرتزل ركزّ في مذكراته على جنوب لبنان وجبل الشيخ نظراً لأهميتهما الاقتصادية والعسكرية ولاحتوائهما على مصادر المياه الضرورية لتطوير الحياة الإقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
– بعثت الحركة الصهيونية الى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح بمذكرة مؤرخة بتاريخ 3/2/1919 جاء فيها”… إن حدود فلسطين يجب أن تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بجوار مدينة صيدا… وأن جبل الشيخ هو أب المياه الحقيقي لفلسطين ولا يمكن فصلها من دون توجيه ضربة قاسمة الى جذور حياتها الاقتصادية بالذات.
– بتاريخ 10/3/1969 أعلن القائد العسكري الاسرائيلي بيغال آلون عقب عدوان 1967 أن علامات خطوط الهدنة سنة 1949 أصبحت أثرية وفي ذمة التاريخ وأن خطوط الهدنة لعام 1949 ليست حدوداً يمكن الدفاع عنها ولا يمكن العودة اليها.
– بتاريخ 15/2/1984 دعا رئيس الاركان الاسرائيلي (رفائيل ايتان) الى ان الطريقة الوحيدة لضمان سلامة مدن وقرى الجليل هي بقاء القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان الى الأبد، بدوره عرض رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق “بنيامين نتنياهو” على الرئيس بيل كلينتون اثناء زيارته للولايات المتحدة الاميركية في شباط 1997 مدى أهمية استمرار سيطرة الكيان الاسرائيلي على قمم جبل الشيخ.
وعلى أساس هذه الخلفية وتنفيذاً لهذه الطموحات قام باحتلال مزارع شبعا عقب عدوان الخامس من حزيران 1967، بالرغم من عدم اشتراك لبنان في هذه الحرب، فاجتاح المزارع بعد وقف إطلاق النار في تلك الحرب، وعلى عدة مراحل:
– المرحلة الأولى: بدأت يوم 15/6/1967، حيث اجتاح الجيش الاسرائيلي مزارع: مغر شبعا، خلة غزالة، ضهر البيدر، رويسة القرن، جورة العقارب، فشكول.
– المرحلة الثانية: في 20/6/1967 وسّعت القوات الإسرائيلية إحتلالها ليصل إلى ثلاث مزارع وهي: قفوة، زبدين والرمتا.
– المرحلة الثالثة: في 25/6/1967 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المزارع التالية: الربعة، بيت البراق، برختا التحتا، برختا الفوقا، مراح الملول.
– المرحلة الرابعة: تمثلت باحتلال مزرعة بسطرة عندما أنذرت العدو الاسرائيلي سكان المزرعة(60 عائلة) طالبة منهم إخلاءها، فرفض الأهالي ذلك إلّا أن قوات الإحتلال أبعدتهم بالقوة وهدمت منازلهم وأحاطت المنطقة بالشريط الشائك وضمتها إلى المزارع الأربع عشرة المحتلة عام 1967.
ولم تقتصر الإعتداءات الإسرائيلية ضد منطقة مزارع شبعا على إحتلالها والتنكيل بسكانها وطردهم من أراضيهم، بل عمد العدو الاسرائيلي في العام 1985 إلى بناء ثلاث مستعمرات وضع حجر الأساس لها الحاخام الإسرائيلي “مائير كاهانا” وقد خصصت مستعمرتان، الأولى في رويسة النعمان والثانية في زبدين لتوطين اليهود الفالاشا، فيما خصصت المستعمرة الثالثة في خراج مستعمرة مراح الملول للسياحة والتزلج.
أما الخطوة الإسرائيلية الأخيرة في إحكام السيطرة على كامل مزارع شبعا تمثلت بالقرار الصادر عن القيادة العسكرية الإسرائيلية بضم المزارع وطرد ما تبقّى من السكان، وذلك في العام 1989 عندما تم تخييرهم ما بين ترك المزارع وإخلائها قسراً خلال فترة (10) أيام وبين الموافقة على إمضاء صكوك البيع وقبض التعويضات والمغادرة، إلاّ أن الأهالي رفضوا القبول بالبدل المالي عن أملاكهم مما دفع بالقوات الإسرائيلية إلى طردهم بالقوة.
بالإستناد إلى ما تقدم يؤكد الإحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا أن أراضي لبنان ومياهه في صلب الأطماع الإسرائيلية، كما ان الخطوة الإستيطانية التي بدأت بإسكان اليهود الفالاشا في مزارع شبعا تعد دليلاً على هذه الأطماع، ولذلك فإن هذين الأمرين، (الإحتلال والإستيطان) يشكلان مخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي، بحيث تنص الفقرة السادسة من المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين الى الأراضي التي تحتلها”، كما أن القرار رقم (2625) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول ينص على أن “أي احتلال للأرضي بالقوة أو التهديد باستخدام القوة لايمكن اعتباره مشروعاً”، إذ ان قاعدة عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة هي قاعدة مستقرة في القانون الدوليوهذا ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في الفتوى التي أصدرتها بتاريخ 9/7/2004 بشأن تشييد الجدار العازل في فلسطين المحتلة عندما اعتبرت أن القانون الدولي يرفض ضم أراضي الغير نتيجة الحرب.