رادار نيوز – اصبحت الطائفية اليوم هي قضية القضايا ويمتهنها من لامهنة له، فكم من عاطل عن العمل تحول الى ناشط طائفي؟! وكم من فاشل في الحياة تحول الى برلماني طائفي؟! بل وكم من جمعية ولجنة تحولت لتفريغ العقول بدعوة مساعدة الفقراء؟! الم ينتبهوا ان الخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن الذي لا يأخذ طرفاً مع هذا او ذاك، ولا يتعاطف مع أي من هذه القوى ولا يعادي أياً منها، ولا يعزف على الوتر الديني لأي جهة.
لقد انتكست طموحات الكثيرين من أبناء هذا الوطن وهم يرون حالات التخوين والتشكيك والتمترس خلف الكيانات الطائفية، هذه الانتكاسة التي بدأت تلاحظ في الندوات والتجمعات والمكالمات والتي تحولت بين ليلة وضحاها الى هاجس يعاني منه الكثيرون.
لاشك فيه، ان ليس لهذه الممارسات الا تفسيراً واحداً وهو رغبة البعض في تجزئة الوطن وتقسيمه عبر ثقافة السب والشتم ولغة التهديد والوعيد، في فترة هي من أصعب الفترات التي تمر بها بلادنا وكأنها تمهيداً لتنفيذ مشروع التقسيم الى كانتونات طائفية وعرقية.
لا أحد ينكر بأن ادبيات السب والشتم هي من اسهل الأدبيات، فلا تحتاج إلى مناهج علمية، ولا دراسات أكاديمية، ولا casino online أطروحات تحليلية، كل مافي الأمر هو أن يتصفح الطائفي الجديد بعض الكتب التاريخية وبعض المواقع الالكترونية التي سطرت في صفحاتها ثقافة الشتائم والسباب ومن ثم اجتزاء مواقف منها وتحويلها الى محاضرات واشرطة تسجيل ليتهافت عليها الموهومون بغلبة الطائفة!!
العالم يتضامن ويتماسك، ونحن نلتفت حتى نرى ان هناك من يتعدى بسب طائفة معينة وتكفيرها والبحث في صفحات التاريخ ما يعزز هذا الطرح واعطائه الشرعية اللازمة، وفي المقابل اصوات تدعو لسب طائفة مقابلة وتكفيرها وإخراجها من الملة!!
إن بناء الدولة يتطلب الضمير الوطني والتجرّد الكامل من الاعتبارات الذاتية والجذور والانتماء، وفرض السيطرة على “الأنا”. علينا ان ننزل من بروجنا العالية ومن زوايانا الجانبية للالتقاء بالآخر والاستماع اليه؟!
كلكم طائفيون ومذهبيون وحزبيون وقبائليون، وليس عيباً أن ينتمي الشخص الى طائفة او حزب او قبيلة وان يعتز بانتمائه، ولكن العيب أن يتحول هذا الانتماء الى تعصب اعمى، فلا يرى الا نفسه ولا يدافع إلا عن طائفته ولا يتحدث إلا عن حزبه، وكأن الآخرين لا يحق لهم في اعتناق معتقد ما!، أو ابداء رأي ما!، ولربما بأن الأخرين ليس لهم حق في الحياة اصلاً!!.
الواجب على رموزنا الدينية والوطنية التحرك لاحتواء الأمر وتوجيه الناس إلى المطالبة بقضاياهم الوطنية وتجاوز هذه المرحلة وذلك من خلال الحكمة في الاستقرار، الحكمة في المطالب، الحكمة في التعامل مع الآخر، الحكمة في مشاركة الجميع والالتفاف حول فكرة جامعة موحّدة.
وبات من الملح أن نبدأ بعملية انتفاضة تكون على الجموح الهدّام، انتفاضة على الطائفية. إنتفاضة على الجشع والرياء والاحتيال، إنتفاضة على الفوضى والأنانية، إنتفاضة على الكراهية والعنف. إنتفاضة على الخوف، إنتفاضة على الظلم، إنتفاضة على الجهل والإهمال والكسل.
ستأخذنا هذه الطريق إلى إنجازات عظيمة فلا تعدو الانتفاضة حكراً على فريق بمفرده بل تصبح غاية أمة بأكملها، وما نحرّره من مساحات يكون مساحات مستقبلنا الواعد.