محام بالأستئناف
رادار نيوز – حرك المجتمع المدني المياه الراكدة في لبنان بعد طول انقطاع ، وأظهر بالدليل الحي أن اللبنانيين لم يموتوا بعد بسموم الطائفية والفساد والتبعية للخارج . لقد سقط النظام السياسي منذ أول صرخة في ساحات بيروت ، ولم يعد لدى الطبقة السياسية وسيلة لقمع انتفاضة الشباب اللبناني المطالب بالتغيير ، سوى الوسائل اياها التي تستخدمها الانظمة الساقطة : جدران الفصل ، وهراوات ورصاص العسكر ، وحبل طويل من الاكاذيب والاضاليل .
ان تفاقم الازمات المعيشية وتراكمها ، وعجز الطبقة السياسية عن معالجتها، لانها المسبب الرئيسي لها ، لم يترك لشباب لبنان الا خيار الثورة على الاوضاع المزرية للبلد ، وعلى الحالة المتردية التي اوصلت حكومة ائتلاف 8 و 14 اذار المواطنين اليها. لقد فضح الوضع الراهن كذبة عمرها من عمر اتفاق الطائف ، وهو ان النظام سليم والوضع بخير ، وان كل الازمات سببها سياسي طائفي، وان تغيير حكومة من هنا ، او اجراء انتخابات من هناك ، يكفي ، وخصوصا في مرحلة 2005 وما بعدها .
كلا الوضع ليس بخير ، وشباب لبنان محقون بمطالبتهم باسقاط النظام الطائفي ، ودعوتهم مشروعة تماما ، لانه نظام محاصصة وتقاسم جبنة ، ولا يعول عليه باي شكل من الاشكال ، لايجاد حلول لازمات البطالة والفقر والتعليم والبيئة . لذا نتوقع أن تتجذر حركة الشباب في ساحات بيروت للتحول الى قوة شعبية قادرة على فرض التغيير بايجاد عقد اجتماعي جديد ، وبارساء نظام علماني ديمقراطي يقوم على نظام المواطنة ، لا الطائفة .
ان الدعوة لاسقاط طائفية النظام ، والدعوة لعقد اجتماعي جديد ، لا تعني ، كما يقول بعض المغرضين ، الدعوة الى مؤتمر تأسيسي يعيد انتاج النظام الطائفي بحصص جديدة . فالمطلوب تطبيق اتفاق الطائف ، ولا سيما البند الذي يطالب رئيس الجمهورية (الاول بعد الاتفاق ) بتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية ، فيضم اليها النخب والمثقفين والخبراء والاكاديميين وقادة المجتمع المدني ، لوضع اسس نظام بديل لنظام المحصاصصة الطائفي . واذا كان الرؤساء منذ الطائف وحتى اليوم تذرعوا بالاحتلال الاسرائيلي ثم بالوصاية السورية ثم بالظروف الاقليمية ، فاحجموا عن تنفيذ هذا البند الاساسي من الميثاق الوطني للعام 1990 ، فان المجتمع المدني اليوم يأخذ المبادرة ، وخصوصا في ظل الشغور الرئاسي ، وتعطيل المؤسسات كافة .
الشلل التام للدولة اليوم هو نعمة وليس نقمة ، فائتلاف 8 و 14 اذار الحاكم منذ العام 2005 اثبت فشله في ادارة هذه الدولة ، لانه يعتمد المحاصصة الطائفية والمذهبية ، ويتنازع المغانم والمكاسب ، وقد ذهب بعيدا في غييه ، عندما تجرأ على النقابات والهيئات المهنية والاهلية وهاجمها بكل قوى السلطة ، فنجح في الغائها ـ او تعطيل فعاليتها ، وآخرها هيئة التنسيق النقابية . وعندما لاحت بوادر تحرك مدني مقلق للنظام ، أطلق جماعاته المعبأة مذهبيا للاندساس في تحركات ساحات بيروت بهدف اجهاضه من “الداخل ” .
الشعب اللبناني يستحق افضل من هذه الطبقة السياسية . هو لم يقصر في واجباته الوطنية فدحر الاحتلال والوصاية ، ولم يقصر بواجباته السياسية فشارك بفعالية في كل الاستحقاقات الدستورية ، وهو لم يقصر بحبه فصمد من دون ادنى مقومات العيش ، من ماء وكهرباء وفرص عمل وتعليم ووسائل نقل وغيرها ، ولم يقصر في اثبات انتمائه فرفض كل اغراءات الطبقة السياسية بتجديد الحرب الاهلية .
الشباب يعبرون اليوم عن هذا الشعب ، وليس سياسييه . واذا كان من مستقبل للبنان فهو بيد هؤلاء الشباب ، ولا أحد غيرهم .