رادار – في ظل ما تعيشه بلادنا من حروب وانقسامات ارتفعت وتيرة الأزمات الفكرية والاجتماعية الموازية لتلك الحروب، وعلت أصوات هنا وهناك تهاجم العروبة والفكر العروبي على شموله جملة وتفصيلا، وتدعو هذه الاصوات الى الغاء الهوية العربية والتخلي عنها والخروج من عباءتها والنظر الى أن العروبة اثم وجرم وهوان وتحميلها كل المصائب التي نعيشها اليوم، وزيادة في الهجوم على العروبة والهوية العربية لشعوب منطقتنا تدعو تلك الأصوات الى انكارها والعودة عنها الى هويات فرعية والاصرار على تضخيم هذه الهويات وجعلها بديلا وسبيل خلاص، وتسوق تلك الاصوات ـ وفي معرض اتهام العروبة بالفشل ـ مبررات ليس لها صلة بالحقيقة والواقع.
هل يمكن لعاقل أن يصدق هجوما على العروبة باعتبارها هوية مخترعة غير ذات معنى باستدلاله على ذلك بممارسات احزاب أو انظمة حكم أو اشخاص نسبوا انفسهم الى الفكر العروبي أو اعتبار أخطائهم البشرية دليلا على خطأ هذا الفكر ونسفه ومهاجمة المنادين به؟
هل يمكن أن لا نستسخف رأيا يقول بأن لا وجود ولا معنى للعرب والعروبة والمناداة بها لأن نظام حكم هنا عادى أو ارتكب فعلا بحق بلد شقيق أو جار هناك، وهل يمكن الحديث عن مصير فئة صغيرة أو الادعاء بهوية فرعية داخل الهوية العربية الجامعة دون أن نستهدف بهذا السهم المسموم الموجه للعروبة نفس تلك الهوية الفرعية؟
هل یمکن الرکون الى أن تمزق الأمة العربية واحتراب بعض ابنائها وانقسامهم اليوم دليل عدم وجود أمة عربية وهوية عربية، وبرهان نظرية افلاس الفكر العروبي والمناداة بتبني فكر فئوي ضيق يعود بنا الى زمن الضياع الأكبر ويبشر بتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ.
هل يعقل أن ينفي البعض وجود عوامل ومقومات تجمع أبناء الامة العربية أكثر من المصلحة بقليل، وهل يعقل أن لا يرى البعض شعوب وأبناء البلاد العربية وأمالهم وتطلعاتهم، وأن يجزموا على أن لا جامع بينهم ولا مشترك لمجرد أن خلافا بين أنظمتها منع اظهار هذه المشتركات؟!!
لماذا تجتمع الانظمة الرجعية والتابعة مع قوى حاقدة على العروبة علت أصواتها الهجومية عليها في السنوات الأخيرة ولماذا الآن وفي لحظات الضعف والاحتراب والانقسام تظهر هذه الأصوات وكأنها جزء من حرب محمومة على العروبة ومفكريها وقواها، لنلاحظ حملة شيطنة وتخوين وتشنيع وتلفيق الاكاذيب لتشويه العروبة ودعاتها في مقابل ضخ سموم الانقسام والتفرقة والعودة لعصبيات وهويات مدمرة لن تقوم للأمة بعدها قائمة.
ألم تمثل اللغة عاملا أساسيا في تكوين هوية الامم عبر التاريخ، أين هي الامة التي تخلت عن لغتها في عصرنا الحاضر، من هي الشعوب التي لم تعتمد لغتها كعامل أساسي في تكوينها وفي التعبير عن هويتها، من هي الجماعة البشرية التي اعتبرت أن التواصل والتفكير بين أفرادها وداخل مجتمعاتها بغير لغتها الأم هو دليل على اندماجها وتماشيها مع قيم الحداثة والتطور.
لا بد من الاشارة دوما الى أن فكرة العروبة ليست وليدة مرحلة تاريخية بعينها كما أنها ليست ردة فعل على حدث أو ممارسة أو تصرف هنا أو هناك، وأن العروبة فكرة تجتمع فيها كل مقومات الكمال فهي جامعة حضارية عادلة تستوعب الجميع، وإن أي دعوة الى وحدة أو تجمع داخلها هي دعوة محمودة وليست في خصومة معها كما أن أي دعوة للتوحد خارجها هي دعوة محمودة لا خصومة معها.
لا خلاص ولا عاصم لنا الا العروبة… وهذا فكر يحمله كثير من شباب الأمة بعد شيبها، العروبة التي تحمل العدل والخير والنهضة، العروبة الهوية الجامعة التي لا تظلم اهلها من قوميات أخرى ولا تعادي الآخرين لاختلافهم بالعرق أو الفكر أو الانتماء، العروبة الديمقراطية التي تؤمن بحق التداول السلمي للسلطة، العروبة التي تحافظ على استقلالنا الوطني والقومي، العروبة التي تجدد نفسها وتنظر بعين منفتحة للعصر وطبيعته ومتطلباته، العروبة التي تجمع ولا تفرق، العروبة التي تسعى لتنمية مستقلة شاملة يستفيد من خيرها الجميع، العروبة التي تدعم الاحرار وتنشد الحرية والتحرر، العروبة التي تتبنى العدالة اجتماعية نهجا وسلوكا وممارسة، العروبة التي ستوحد يوما ما بلداننا العربية في صيغ مبتكرة وقابلة للتحقق والاستدامة.