الأساطير المؤسسة للنظام اللبناني” هو عنوان كتاب صادر عن دار الفارابي للمؤلف المحامي البير فرحات. مقالات يحاول فيها المؤلف إلقاء الضوء على تلك الأساطير والخرافات، وأن يطرح بديلاً وطنياً وديمقراطياً يضمن الخلاص للشعب اللبناني ويحقق له مستقبلاً أفضل، وأن ينوه بتلك الصورة المضادة للواقع القائم، صورة الشعب المقاوم لكي لا يفقد الأمل ولكي يشيع الثقة بالمستقبل.
عنوان مجموعة المقالات هذه يستعيد ذلك الذي أعطاه المفكر الفرنسي روجيه جارودي لكتابه القيّم والشهير: “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”. لأن ذلك الكيان قد تأسس في الخيال السياسي لشعب اليهود على مجموعة من الأساطير والخرافات قام المشروع الصهيوني باستعادتها وبإعادة صياغتها لكي تتألف منها أيديولوجية قادرة على تعبئة صفوف أولئك المدعوين إلى الانضواء تحت رايته، وعلى إضفاء المشروعية عليه في نظر الغير، وأخيراً على إلحاق الوهن بنفوس ضحاياه، وشل مقاومتهم لتلك المغامرة التي تستند إلى ذلك الحق الذي حباه الله شعبه المختار. وخصوصاً من أجل التغطية على كل الجرائم التي كانت في أساس قيام الدولة، والتي شكلت على مدى تاريخها مصدر قوتها وسبب بقائها، ولو إلى حين.
الطائفية والعنصرية
أما الدولة اللبنانية ونظامها السياسي وصيغتها وكيانها، فهي أيضاً بحاجة إلى أساطير وخرافات مؤسسة لكي تضفي على نفسها مشروعية تفتقد إليها دستورياً، لأنها غير قائمة على دستور وضعته هيئة تشريعية ما، أو جرى إقراره بالاستفتاء الذي يكرس كون الشعب وليس الطوائف مصدر السلطات، ولكي يجري من خلالها التغطية على كون الطائفية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري لم يعد مقبولاً في هذا العصر. وهكذا يجري تصوير لبنان الحالي وكأنه ذلك الموغل في القدم لستة آلاف عام مضت، ويجري الحديث عن تلك الطائفية وكأنها ديمقراطية توافقية فريدة يحسدنا عليها العالم بحسب قول الكاتب، ويجري التأكيد على التعايش الفذ، وكأن تاريخنا المعاصر لم يشهد في كل بضعة عقود منه حروباً أهلية مورست خلالها أبشع الجرائم الجماعية التي كان ضحاياها كل مرة يعدون بعشرات بل وأحياناً بمئات الألوف من الضحايا الأبرياء. ففي المقالة الأولى يعرض المؤلف تحت عنوان “المستقبل من خلال علامات استفهام” ضم عدة محاور يذكر فيها، النظام السياسي اللبناني والنظام التوافقي واللامركزية والفدرالية والمناطقية والحياد والشيعة و”حزب الله” والمستقبل الاقتصادي والمادي، فضلاً عن استعراض تفصيلي لأحداث العام 2006.
الانحياز السياسي
يشير المؤلف كيف إن صفة الانحياز السياسي والاجتماعي تلف هذا المقال الممتاز، فإن الذين شاركوا في تحريره ينتمون إلى وسط سياسي معين، في حين أن هذا الموضوع الذي لم يبخل بصفحاته على رجال المصارف والمال والتجارة قد غيّب أي صوت لنقابات العمال والمستخدمين أو لجمعيات المزارعين والمستهلكين، وغابت عنه قضايا المرأة نصف المجتمع، وحتى الصناعيين فإنهم لم يجدوا لهم مكاناً. ولا حاجة للاستطراد وذكر اليسار اللبناني أو دعاة العلمانية، فهؤلاء وأولئك لا مكان لهم بين العائلات الروحية. كما سوف يبيّن الكاتب لاحقاً. فليس من المغالات القول بأن هذا العدد الممتاز قد سعى إلى إعادة الاعتبار للأساطير المؤسسة للنظام السياسي اللبناني من جهة، وإلى الدفع بهذا النظام نحو صيغ جديدة غير خارجة عن الأصل، ولكنها تلبي، في نظر طارحيها، الحاجة إلى إيجاد مخارج لأزمة النظام دون تغيير أسسه، والتصدي إلى الخلل في الموازين الطائفية التي تأتت عن زيادة حجم إحدى الطوائف ووزنها النوعي، من جهة أخرى. غير أننا نود أن نبدأ من النهاية، أي من المحور الأخير في ذلك العدد، وهو الخاص باستعراض أحداث العام There are always casino games running and you don’t even need to change out of your pajamas to enjoy them. المنصرم. فالانطباع الذي يخرج به القارئ بعد الاطلاع عليه هو أن لبنان هو المعتدي، وإن إسرائيل كانت في موقف الدفاع عن النفس. وبالرغم، من التفاصيل الكثيرة الواردة فيه، فهو لا يتضمن أية إشارة إلى المجازر الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل. وبصرف النظر عما أصاب البنى التحتية والمؤسسات الرسمية والصحية والتعليمية، فإن الاستعراض لا يأتي على ذكر الضحايا البشرية التي أعلنت عنها الأمم المتحدة في 14/ 8/ 2006 نقلاً عن الهيئة العليا للإغاثة أي 1701 قتيلاً و3628 جريحاً و973361 نازحاً ما عدا القتلى الذين كانوا لا يزالون آنذاك تحت الأنقاض، فضلاً عن ضحايا الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الذين بلغ عددهم 35 فرداً ورتيباً، ودون أي ذكر للاعتداءات التي تعرضت لها قوات “يونيفل” ومراقبي الهدنة الذين وقع منهم 4 قتلى.
تبريرات أيديولوجية
يعود المؤلف ويطرح السؤال ما هي تلك الأساطير المؤسسة كما وردت في المقال الممتاز؟ يقول لعل أسطع تعبير هو ذلك الذي يقول بأن لبنان والطائفية صنوان، وأن لا بقاء له من دونها ومن دون الوفاق الوطني والعيش المشترك والتعايش والتشارك والمشاركة. يعرض في الصدد كيف استشهد الأستاذ ميشال إده في مقاله بما ورد على لسان ميشال شيحا إيديولوجي البورجوازية المركنتيلية الطائفية اللبنانية، حيث قال هذا الأخير: المس في لبنان بالتمثيل السياسي للطوائف من شأنه استدراج تكتلات طائفية ذات أساس سياسي. إن هذه المعادلة تستند إلى منطق شكلي يجانب الحقيقة، ذلك لأن طرفي هذه المعادلة مبنيان على شيء واحد من الطائفية ذات الأساس السياسي، يستدرج التمثيل السياسي للطوائف. إنه معادلة يصح فيها القول أنه سفسطة إذا ما اعتمد المنطق الواقعي. ومن بين الأساطير التي يستعيدها العدد الممتاز ما ساقه الأستاذ ميشال إده عن حروب الآخرين على الساحة اللبنانية ما أورده الكاتب المذكور من أنه: في كل مرة عرف فيها لبنان أزمات، سواء في العام 1860 أو 1958 أو 1975، علماً بأنها كانت مثارة من الخارج، كان اللبنانيون ينجحون بدون إبطاء، وفوراً بعد انتهاء الصدامات، في استعادة العيش المشترك بصورة عادية وطبيعية!
أما مقالته الثانية تحت عنوان “شكراً يا صاحب الغبطة” يروي فيها حديثا أدلى به البطريرك صفير إلى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأكد أن فيه حصول قوى 8 مارس على الغالبية في الانتخابات النيابية المقبلة، من شأنه أن يرتب أخطاراً ذات وزن على مصير وطن حديث في شأن العلاقة بين المراجع الدينية والسياسية، وبين الطائفية في مجتمعنا اللبناني. والكتاب المفتوح إلى السيد حسن نصرالله يقول فيه لا يجوز لأحد أن يحملكم ما يفوق طاقتكم ويتجاهل حجم التحديات التي تواجهونها وخصوصاً في المرحلة الراهنة والأيام القادمة على أعتاب الاستفزاز العسكري الكبير الذي يعد له العدو، إلا أن تلك الأجواء السائدة في منطقتنا من شأنها إثارة استياء الناس يما يوفر أرضية خصبة لتحرك شبكات التخريب على أنواعها.
ومقالة “ولاية الفقيه وعصمة البابا” والتي وصفهما المؤلف بصورة طبق الأصل والمطلوب احترام إيمان الآخر بمعتقداته واحترام حقه في هذا الإيمان، وفي التعبير عنه. ومقالات بعناوين شتى منها إفرادة اللبنانية التي لا تقبل الحق والعدل، مثقفو 14 مارس بين الوهم والحقيقة، ماذا لو كانت والدة أوباما لبنانية، خطر الطائفية على الطوائف وغيرها من المقالات
وفي الختام، يعرض المؤلف في كتابه هذا مقالة عنوانها “حياد إقليمي دولي أم وصاية؟” يقول فيها إن الداعين إلى هذا الحياد، من أجل تجنيب لبنان وشعبه الآثار المدمرة لتلك الصراعات، وخصوصاً ضمان وحدته واستقراره الداخلي، بما يساعد على إرساء علاقات سليمة بين فئاته، وعلى نموه الاقتصادي، وبما يحفز الرساميل الأجنبية على الاستثمار فيه. يعتبر المؤلف أن الدعوة إلى حياد لبنان الإقليمي والدولي، وبحسب نواياهم التي وبحسب قوله لا حاجة إلى محاكمة نياتهم، ما يسعون إليه هو إلغاء الاستقلال الوطني. كتاب يفوح انتماء ويتدفق صدقاً مما يدل على حس معرفي واستباقي يليق بمحام وكاتب جاد متعاطف مع شعبه.