ثورة نوبل : حوارات مع ستة عشر مؤلفاً حائزاً على جائزة نوبل للآداب

503 views

ثورة نوبل
حوارات مع ستة عشر مؤلفاً حائزاً على جائزة نوبل للآداب
REBELDIA DE NOBEL
تأليف: شافي أيين/ تصوير: كيم مانريسا
عماد جانبيه
على مئة واثنان واربعون صفحة كتب شافي أيين حوارات وأحاديث جمعها، خلال ثلاث سنوات مع ستة عشر شخصاً حازوا على جائزة نوبل للأداب، في كتاب اسماه ثورة نوبل، ترافقه عدسة ونظرة المصور كيم مانريسا. فحكاية هذا الكتاب الصادر عن ثقافة للنشر والتوزيع، كحكاية العاصفير التي تحمل رسائل وكتابات حميمية، التي تحمل الدهشة من داخل الأسرار، ففيه يكشفا شافي وكيم لنا طريقة تفكير كل من هؤلاء الأشخاص، وصفاتهم، ومن خلال أفكار طرحت في دخول منازلهم ككتاب العصر، والتطفل ليس على مكاتبهم فحسب، بل على مطابخهم أيضاً، ثم التحدث اليهم من دون الإهتمام بالوقت، والتجول في المدن التي اختاروا الإقامة فيها، أو تلك الأماكن ألتي أوحت لهم بكتابة أعمالهم، بالإضافة إلى التعرف إلى عائلاتهم… مع عرضهم في كشف طريقة مكافحة هؤلاء النوبيليين لإنتاج مساحات حيوية معبّرة من الحرية.
يعرضا ايضاً ثلاث سنوات من العمل، أثمرت في التعرف إليهم، عبر لقاءات ومقابلات نشرت في الملحق الثقافي الذي تصدره اثنتان وعشرون صحيفة إسبانية. لقد اكتشفا أن جميع الأدباء تقريباً كانوا ملتزمين إلى حدّ ما بقضية لا تتعلق بالأدب، وأنهم لا يستوعبون دورهم في المجتمع ما لم يتدخلوا بجوانب اجتماعية تتجاوز حدود الثقافة. فحتى أكثرهم بغضاً، السيد فيديا نايبول، الذي حدثهم بحماسة عن مبادراته العديدة من أجل الحيوانات…
كما اتفقوا جميعاً على بأنهم يشعرون على هامش المجتمع، بدرجات مختلفة، وبعيدون عن الكثير من القيم السائدة، ومناهضون لمظاهر أساسية على خط السلطة المتغلغل في الكثير من الأشياء التي لا نلاحظها. لهذه الأسباب، قرّرا  تسمية المجموعة ثورة نوبل.
اشارا في هذا الكتاب الى مواقف اثارت إعجابهما، بلقائهما الأديب نجيب محفوظ في أحاديثه الأخيرة مع أصدقائه في القاهرة، قبل وفاته، ومنها: (لم يعد في وسعي القراءة ولا الكتابة، لكن أصدقائي هم عيناي وأذناي وريشتي). لقد حمل مقاهي القاهرة ودوائرها الإجتماعية إلى العالم أجمع، وخاصة العالم الغربي الذي اكتشف الرواية العربية من خلال أعماله. بعمره الذي يناهز الخامسة والتسعين يعيش نجيب محفوظ مع آثار هجوم رجعي، أعمى وشبه أصم، ولكنه لا يزال يتردد على دوائره الإجتماعية في مقاه أخرى أكثر أماناً، ويعير أحلامه فيصطادها ليحولها إلى نصوص قصيرة؛ نوع جديد من الأدب. يقول محفوظ إن الرجعيين الذين لطالما كرهوه يخسرون المباراة. وبما أن الطعنة التي تعرّض لها قد أصابت وتريه الصوتيين بضرر دائم، لم تستمر نقاشاتهم لأكثر من ساعة متواصلة، واستغرقت منهما أياماً عديدة.
لقد تعلّما بحسب قول شافي درساً عن الإنسانية من ممثّلي آسيا. فمن جهة الكاتب الياباني كينزابورو أوي الذي قرر منذ سنوات خلت أن يكرّس حياته لإبنه، المعوّق ذهنياً. وإن أول ما دفعه ليصبح كاتباً كان إدراكه العذاب الصامت الذي تعاني منه سمكة في الخطاف، لذا أصبح كاتباً ليشرح ذلك. فهو يشعر كينزابورو أوي اليوم أنه مختص في التعبير عن العذاب الإنساني. بروحه النقدية، ولطفه، وصدقه، يقص عليهما الياباني الحائز على نوبل، كيف تحول ابنه، المصاب بإعاقة شديدة، إلى بطل في كل أعماله الأدبية، والى درس مغزاه: إن البحث عن الطرائق الممكنة للتواصل يستحق العناء.
ويقول: اكتشفت أنني لن أستطيع الكتابة إطلاقاً من الإشارة إلى ابني، وحوّلته الى أساس عملي. لقد وجدا في رواية استيقظوا يا شباب الحقبة الجديدة!. قصة العلاقة الصعبة بين أب وابنه، والتي تتضمن عنفاً ولحظات متعبة جداً، إضافة الى مشاهد مضيئة يشرق فيها الحب الأبوي المتبادل بقوة.
هناك غاو كسينغجيان، أحد ضحايا الثورة الثقافية في الصين، الأمر الذي جعله ينسف أعماله كلها عدة مرات، استقبلهما في منفاه باريس. قبل حصوله على جائزة نوبل كان يكسب قوتاً متواضعاً بفضل عمله كرسام.
أما المقابلة التي أثارت ضجة كبيرة وصلت أصداؤها إلى شبكات التلفاز مثل الجزيرة والسي أن أن. وهي تلك التي أجريت مع الكولومبي غابرييل غاريثيا ماركيت في قضيته المكسيكية. كان قد مضى على مؤلف أكثر من عشر سنوات من دون أن يتكلم مع أي صحفي، وقد اختارهما ليؤكد علناً انه قد توقف عن الكتابة. فكانت تحضيرات اللقاء أنها كانت أشبه بأفلام الجواسيس: جلّ ما عرفاه هو أنه يتوجب عليهما المبيت في فندق محدد في المكسيك وانهم سيتصلون بهما. ذاك الإتصال دام يومين ظلّلا خلالهما قريبين من الهاتف، عوّض عنه لقاء حار حضرته زوجته  ميرثيديس بارشا، وابنه غونثالو، وأبدى فيه غابو توقاً شديداً إلى معرفة تفاصيل حياة فائزين آخرين بجائزة نوبل.
يعرضان عن المكان الأصعب للوصول اليه فهو نيجيريا، حيث لم يصدق رجال الشرطة في مطار لاغوس أنهم ذهبا الى ذلك البلد لإجراء مقابلة أدبية، في الوقت الذي كانت فيه ثلاث عصابات من أصول مختلفة تمارس نشاطها في مناطق متنوعة، فتمّ اختطاف العديد من الأجانب، وارتفعت مؤشرات الخطر لتتجاوز حدها المعهود. وجدا بانتظارهما حارسين شخصيين ارسلهما اليهم مضيفهما وول سوجينكا In het verleden was het ongehoord dat een Nederlander Roulette of Blackjack speelde maar het wordt steeds breder geaccepteerd. الرجل الذي أضاف الكلمات إلى احلام إفريقيا. من الصعب أن تقرأ كتبه في اسبانيا، إلا أن نتاجه في مجالات الكتابة كافة هو من الأعمال الأساسية في الأدب المعاصر. ففي بلاده ينتقد من دون خوف افتقادها إلى الديمقراطية الحقيقية، وتجارة النفط التي تثري الحكومة وأصدقاءها، والأزمة بين المتعصبين في أي دين كان. إنه قدوة شعبية، إذ يدعوه الكثيرون بمانديلا النيجيري.
أما الحملة الثانية على القارة السوداء كانت من أجل رؤية الكرامة التي هزمت التمييز العنصري المناضلة نادين غورديمر. هي صغيرة الجسم والحائزة على جائزة نوبل للآداب في العام 1991 ضد التمييز العنصري في بلادها، وانتصرت. تتذكر الكاتبة الذعر الذي شعرت به في تلك السنوات التي كانت تدافع فيها عن إنجازات الديمقراطية حديثة السن. أما الآن، فهي غارقة في كفاحها ضد الإيدز، وملتزمة بالكتابة كل صباح حول الواقع الذي يحيط بها. ارادت أن تعرض عليهما رمز افريقيا الجنوبية الديمقراطية الجديدة: فرع المحكمة الدستورية في بلدها، القائم في السجن القديم حيث كان صديقها نيلسون مانديلا مسجونا.
يذكران ان اكثر المقابلات تسلية هي تلك التي اجرياها مع داريو فو، الذي أمضا بصحبته بضعة ايام في روما كانت ضرباً من الإحتفال الطريف والسياسي والثقافي. والسخرية هي أكثر الأسلحة فاعلية في وجه السلطة. كل عرض من عروضه مليء بالضحكات، والسخرية، والتهكم، واصوات الجمهور. يستطيع الإبداع مباشرة، معتمداً على ما يراه ويسمعه، لأن المهرج الكبير الذي حاز على جائزة نوبل يثق بالمواطنين وبمشاركتهم. داريو فو إعصار مرادف لزوجته الممثلة، والعضو في مجلس الشيوخ فرانكا رامة التي يربطه بها التزام حياتي، وفني، وسياسي عميق.
اما الشاعرة ويسلاوا زيمبورسكا البولندية الحائزة على جائزة نوبل للآداب في العام 1996 لا تحب الحديث عن السياسة، تكتب كما تعيش: بتقشّف، باحثة عن الكلمات اللازمة لقول ما يكفي. بُعدُ نظرها وقدرتها على تجاوز العصور يجعلانها مرجعاً لجيل الشباب. وهي بالإضافة الى غابو وليسنغ الثلاثة الوحيدون ممن اجرا معهم مقابلة، والذين لم يتمكنا من إخراجهم الى الشارع. يقولان لقد تغاضى التركي أورهان باموق الذي هددته في ذلك الوقت عصابات قومية تركية بالموت. لقد قال لست مختبئاً، انا اعيش في إسطنبول. تحوّل باموق الكاتب الذي استطاع أن يحمل القراء من شتى أنحاء العالم ليتجولوا في شوارع اسطنبول ويشعروا بروحها رغماً عن ارادته إلى رمز للحرية، فبعد تهديدات القوميين المتطرفين من الأتراك، يجد الدعم في الدعابة ليتابع إنتاج عالمه.
يذكران من النزهات الممتعة الأخرى، تلك التي أمضياها في برلين مع إيمرة كيرتيس، الذي لم يرغب باصطحاب زوجته ليرينا الآثار الهامة. اما التباين مع لقائهما بغونثر غراس، الذي اعترف حديثاً بماضيه مع الشوتزشتافل، والذي رافقهما في مدينتين: في منزله الذي تحوّل الى متحف في لوبيك، ثم في مدريد بعد بضعة أسابيع. يقول: يجب ان نتكلم، حتى عن أكثر ما قد يصدم ونخرج كل شيء. إن الجدل الذي اثاره نشر مذكرات شبابه ترك أثره في نفس غونثر غراس، الحائز على جائزة نوبل في العام 1999، ينشر غونثر القصائد التي كتبها حين لم يدعه النقاد يموت، فيما يؤكد قراره بالحديث عن الماضي بكل صراحة. اما في تجوالهما مع البرتغالي خوسيه ساراماغو وزوجته بيلار ديل ريو في كل أماكن لشبونة المذكورة في رواياته، حيث رافقاه الى الأوبرا ونشاطات الحزب الشيوعي وعروض عدة. فهو يخصص أيامه هذه للترويج لروايته الأخيرة اقطاعات الموت، والتي تروي ما قد يحدث لو أن الموت توقف فجأة في بلد ما وعاش الناس إلى الأبد. فهو ايضاً يستخرج الف قصة من زوايا كل شارع وبلاطاته وروائحه. لم ينقصهم الا أربعة فائزين: ألفريد يلينيك الذي احتمى برهابه الاجتماعي المشخّص ليتهرّب من لقاء شخصي طويل يتضمن جلسة تصوير متعبة كتلك التي جعلت ساراماغو المنهك يصيح في لشبونة سأطلق الرصاص على المصوّر، ودجيه أم دجي لو كليزيو، ودجيه أم كويتزي، الكارهان للصحافة ابداً، والإيرلندي سياموس هيني الذي كان يعاني من مشاكل صحية في الفترة التي كان في وسعهما خلالها زيارته. واخيراً، مجلدهم يتضمن ديريك وولكوت، بالرغم من أنه في اللحظة الأخيرة لم يستقبلهما في سانتا لوثيا بل في أوفييدو وبرشلونة. لايقدّر أي من هذه اللقاءات بثمن.
في الختام لقد اختارا مجموعة استثنائية شكّلها ستة عشر مؤلفاً حازوا على جائزة نوبل للأداب في نصوص تنعش القارىء من خلال عمل فيه وحدة متكاملة، ومن تناغم وتناسق ما تبوح به كلمات المؤلف شافي أيين وسحر عدسة المصور كيم مانريسا، الذي شكّلا كتاب ثورة نوبل. لم تحدّهم شروط اولم تقيّدهم قوانين، كانا في حركة دائمة، متغيّرة، متجددة، فاعلة، في مواكبتهم لهولاء الأشخاص، في مشاهدات حسّية وحالات وجدانية…

الكتاب: ثورة نوبل
المؤلف: شافي أيين/تصوير كيم مانريسا
ترجمة: ناصرمريخان
الناشر: ثقافة للنشر والتوزيع
المصدر: جريدة الإتحاد

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

لبنان: لا يوجد فيه حتى اليوم قانون موّحد للأحوال الشخصيّة

Next Story

صحيفة النهار18/4/2011

Latest from Blog