تأثير العوامل الثقافية على الإجرام

Tuesday, 10 May 2011, 23:22
2.4K views

– ماهية العوامل الثقافية:
الثقافة هي ما يميز الشعوب من أفكار وعادات وتقاليد. وليس من الممكن حصر مضامين الثقافة فهي تتعدد وتتنوع على نحو يتعذر حصره ابتداءً من العقيدة الدينية والفلسفات السائدة حتى طريقة الملبس. وظاهرة الثقافة على هذا النحو لا تلعب دوراً في تفسير الإجرام إلا بقدر ما يحدث من تنازع بين ثقافة وأخرى. فتنازع الثقافات أو صراعاتها يعد إذن أحد أشكال تفسير السلوك الإجرامي.

إلا أن العوامل الثقافية الواحدة والتي يقصد بها كافة الأشكال التعبيرية وطرق الاتصال التي تحمل ثقافة معينة من الثقافات، داخل شعب معين أو جماعة بعينها، إلى سائر الأفراد المكونين لهذا الشعب أو لتلك الجماعة. ومن أمثلة هذه الأدوات: المدرسة والصحافة المقروءة، والأدب، والفن، والصحافة المسموعة (الإذاعة)، والصحافة المرئية (التلفزيون)، والسينما و الإنترنت …. والواقع أن هذه الأدوات الثقافية هي ما نعنيه بقولنا: العوامل الثقافية. فدور هذه الأدوات أو العوامل الثقافية إذن هو تفسير السلوك الإجرامي داخل الثقافة الواحدة أي داخل حدود شعب معين أو جماعة بعينها من الأفراد.

تتنوع العوامل الثقافية تنوعاً كبيراً، إذ هي تشمل التعليم من خلال كافة المؤسسات والأشكال التي تضطلع بهذا الدور ابتداءً من المدرسة. كما تشمل أيضاً وسائل الإعلام المختلفة في العصر الحديث، وهي كما ذكرنا الإذاعة والتلفزيون ودور السينما والصحف. بل إنها تضم أيضاً في تقدير البعض الدين، ومدى الأخذ بالأساليب الفنية الحديثة. ويتسق هذا التعداد مع ما يطلق عليه البعض تعبير “عناصر البيئة الثقافية” التي تتسع لكل عامل يسهم في تكوين الخبرة الإنسانية العامة، وفي تحديد معنويات المجتمع. وهذه الخبرة والمعنويات ذات جوانب متعددة، بحيث لا يستطاع حصرها.

والحقيقة أن بحث صلة العوامل الثقافية كافة بظاهرة الإجرام مسألة تنطوي على جانب كبير من الأهمية، بيد أن دراستها تتطلب بالتعرف على طبيعة الدور الذي تقوم به هذه العوامل في مواجهة الأفراد إذ يتوقف هذا الدور على التكوين الفكري الخاص بكل فرد. فالأحداث الصغار، وكذلك الأفراد الذين يتسمون بضحالة تكوينهم الثقافي يكون من السهل توجيههم وتشكيل عقليتهم وبالتالي التأثير غير المباشر على سلوكهم بصفة عامة ومسلكهم الإجرامي على وجه الخصوص. أما الأفراد الذين يتميزون بالنضج العقلي – الراجع بالضرورة إلى استكمالهم لمقومات التكوين الثقافي- فإنه يصعب توجيههم أو التأثير السلبي عليهم من قبل هذه العوامل الثقافية، ولا سيما أجهزة الإعلام. نخلص إذن إلى الدور الذي تقوم به هذه العوامل الثقافية يتوقف على طبيعة الفرد “المتلقي” وما إذا كان يسهل توجيهه أم لا.

– دور الصحافة المقروءة:
تلعب الصحافة دوراً لا يستهان به في معالجتها الخبرية لظاهرة الإجرام. فالصحف ولا سيما تلك المتخصصة في نشر أخبار الجرائم – تبالغ في تغطيتها الخبرية للجريمة والمحاكمات التي تعقد للمجرم. وصحافة الخبر تؤدي دوراً أكثر خطورة من صحافة الرأي والتوجيه. فالدور الإخباري هو في حقيقة الأمر دور توجيهي مقنع. إذ يملك الصحفي عن طريق ما ينشره من أخبار الإيحاء بكل ما يريد بثه في عقلية القارئ من أفكار دون أن يدمغ مع ذلك نفسه بوصف الموجه!

ويزداد اهتمام الصحف في العصر الحديث بمتابعة أخبار الجرائم والمحاكمات. وتخصص بعض الصحف ساحة كبيرة لنشر أخبار الجريمة بلغت في بعض الأحيان اثنى عشر ضعفاً عما كانت عليه من قبل. كما أن بعض الصحف لا تتحرى الدقة في نشرها لهذه الأخبار فتبالغ كثيراً وتضيف لما حدث ما لم يحدث قط وتتخير العناوين المثيرة بحثاً عن زيادة توزيعها بطبيعة الحال. ويمتزج الواقع كثيراً بخيال الصحفي فينتج عن ذلك نوعاً من التغطية المثيرة لا الموضوعية للحدث. ولهذا انتقد الكثيرون ما يسمى بصحافة الإثارة. وهي صحافة أول ضحاياها الأحداث، والأفراد قليلي النضج. فالصحافة تبالغ أحياناً في تمجيد المجرمين وتصورهم كالأبطال. كما أنها سعياً وراء السبق الصحفي الذي تنافس به الصحف الأخرى تتعجل أحياناً نشر معلومات عن الجرائم المرتكبة، وهي معلومات قد تعوق رجال الأمن عن أداء واجبهم في تعقب الجناة وضبطهم. بل إن هذا التسرع قد يؤثر بالسلب على رجال التحقيق في أدائهم لعملهم، وقد يؤدي كل ذلك إلى إسداء خدمة كبيرة للجناة إذ قد تعينهم هذه المعلومات على الهرب وتضليل المحققين.
ومع ذلك فدور الصحافة المقروءة ليس سلبياً من كافة الوجوه. إذ أن التغطية الواعية للجرائم المرتكبة وسير المحاكمات قد تنفر البعض من الجريمة تخلق على العكس – رأياً عاماً ضد المجرم. كما أن الصحافة بنشرها لطرق ارتكاب الجرائم تزيد من وعي المواطنين فيأخذوا حذرهم. ويظهر ذلك على وجه الخصوص في مجال جرائم النصب على سبيل المثال.

– دور الأدب:
للأدب دور غير مباشر على السلوك الإنساني عموماً، ودور مباشر فيما يخص السلوك الإجرامي. فأما ما يتعلق بدوره غير المباشر يمكن القول أن الأدب يختلف عن باقي الأدوات الثقافية الأخرى كالفن، والموسيقى، بقدرته على التوجيه والإيحاء. ويشهد تاريخ الشعوب على الدور الذي قام به الأدب في حركة التنوير، ودفع عجلة التقدم الإنساني، والانتصارللقيم النبيلة وإعلائها كالكرامة الإنسانية، وقيم الحرية، والعدالة. ورغم ذلك فليس الأدب دائماً – لدى كل الشعوب وفي كل الأوقات– هو تلك الطاقة التعبيرية المضيئة في ليل الظلم والتسلط ومعاناة الإنسان. بل يشهد التاريخ أن الأدب الرخيص قد ساد، ويسود كثيراً. والأدب الرخيص هو ذلك الذي يهبط بغرائز الإنسان، ليس فقط الحسية، وإنما – وهذا هو الأهم – بغرائزه المعنوية إن جاز التعبير.

أما عن الدور المباشر للأدب فيما يخص السلوك الإجرامي فقد جرى الاعتقاد بأن القصص البوليسية بما تكشف عنه من طرق جديدة لإرتكاب الجرائم، وطرق أكثر جدة للهرب من مطاردة رجال الشرطة والمبالغة في تصوير شخصية البطل المجرم.. كل ذلك من شأنه أن يؤثر على فئة معينة من القراء كالصغار وبعض الأفراد. والواقع أنه من الصعب إثبات صلة الجريمة بهذا الوصف من الأدب. وينعى البعض على أدب الجنس دوره في إثارة الغرائز الجنسية للمراهقين وغيرهم من الأفراد مما قد يدفعهم لإرتكاب الجرائم الجنسية.

– دور السينما والصحافة المرئية (التلفزيون):
من الثابت – وفقاً للدراسات التي أجريت في هذا الخصوص – أن لهذه الوسائل صلة مباشرة بظاهرة الإجرام. ويبدو ذلك أشد وضوحاً بالنسبة لتأثير السينما والإذاعة والتلفزيون على الصغار والشباب. وقد أظهرت بعض الدراسات الإحصائية أن 49 % من الأفراد الذين شملهم البحث قد استمد الرغبة في حمل السلاح من مشاهدة أفلام معينة وأن 28 % قد استمد كيفية ارتكاب السرقة من الأفلام. وقد دلت بعض الدراسات أن السينما هي عامل في انحراف 10 % من الجانحين الذكور و25 % من الإناث الذين تناولتهم الدراسة.

ويمكن توجيه نفس الانتقادات إلى التلفزيون بقدرته على البث المباشر. فلنوعية الأفلام والبرامج التي يعرضها هذا الجهاز أثر لا يستهان به أحياناً على تكوين عقلية الناشئ وعلى سلوكهم الإجرامي خاصة فيما يتعلق بجرائم العنف والجنس.

ومع ذلك فللسينما والإذاعة والتلفزيون دور إيجابي من أوجه أخرى. فهذه الوسائل الإعلامية تقدم خدمة ترفيهية، وقد تساعد في زيادة الوعي، وإزكاء القيم النبيلة لدى الشباب والأفراد عموماً. والمسألة كلها تتوقف على نوعية ما تقدمه هذه الأجهزة الإعلامية، فحسنها حسن، وقبيحها قبيح!

     بقلم: المحامية نادين دكروب دمشقية

Leave a Reply

إضغط هنا

Latest from Blog

OMG!OMG!:Проблемы с доступом к OMG! Маркетплейс

Ищете рабочую ссылку на OMG! Маркетплейс? В последнее время это стало сложной задачей из-за частых атак на платформу, особенно в выходные дни. Пользователи сталкиваются с трудностями при попытке получить доступ к сайту

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ОНИОН ССЫЛКА | КРАКЕН DARKNET ОНИОН ССЫЛКА НА САЙТ | KRAKEN САЙТ ДАРКНЕТ Модерация КРАКЕН ССЫЛКА ДАРКНЕТ ОНИОН: Баланс между анонимностью и безопасностью https://kra-31.cc Что такое ссылка КРАКЕН онион даркнет

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ONION| KRAKEN ССЫЛКА ДАРКНЕТ ONION| KRAKEN ОНИОН ССЫЛКА DARKNET Как Стать Анонимным НА КРАКЕН ДАРКНЕТ ССЫЛКА: Руководство для Новичков? https://kra-31.cc Как Стать Анонимным в КРАКЕН ССЫЛКА: Руководство для Новичков kraken

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном
Go toTop