بول شاوول يقرأ الحياة نحو الأفق اللامتناهي

189 views

يمتلك شاعرية وجودية ليمضي إلى فضاءات غامضة وخصبة بأصالة المفردة .. يعشق الشعر فهو عشقه الأزلي حيث ينقلك من حالة الإشتعال إلى حالة البوح الهادئ .. أحب الشعر فأحبه، فقدم له نتاج فكره ومنحه الوقت كل الوقت، إذا إستخدمت قصائده تجدها مادة أصليّة للموت ليصنع بها شعره وينحتها بزاوية حسيّة مفعمة بجمال الواقع الملموس … إنه الشاعر والكاتب والناقد الأدبي بول شاوول الذي يستنبط من الكتابة مخزوناً مثقلاً بالمعرفة الشعرية حيث تشّتغل لغة الجسد في ثنايا مشروعه الشعري.. بلقاء له طعم مختلف ولون آخر نسعى من خلاله أن نبحر سوياً في بحر الشعر العميق ونحلق معاً في سماء شعره المكتظ بالوجود، كان هذا اللقاء …

• الشاعر والكاتب بول شاوول، لو طلبت منك أن تعرف نفسك ماذا تقول؟

صدقاً، لا أستطيع أن أعرف نفسي، لأن الشاعر يعرف بشعره وكما أنا معروف أتحول كثيراً بشعري لا أقف عند أسلوب واحد لأنني ضد الأسلوبية بالشعر، حيث تجدون كل كتاباتي  لها صيغه مختلفة لذلك لا يمكن أن أعرف نفسي بالماضي بل بالمستقبل كي أعرف نفسي بما لم أستطع أن أكتبه أي التعريف المفتوح.
• الشاعر بولس كما يلقبونك، ما سبب هذا الصمت الذي هو سرّ من أسرار نجاحك؟
تُعلم الحياة الصمت، والشعر يعلم الصمت، فالصمت هو جزء من الشعر والحياة، وهو الثرثرة الداخلية في الشعر فهو المعنى الحقيقي خلف الكلام وما بعده. لأن الحياة هي أمّ القصيدة والشعر والرواية والفنّ التشكيلي والفكر والفلسفة وغيرهم الكثير، حيث لا يوجد شيء يُكتب خارج نطاق الحياة.في القرن العشرين، كان يوجد المدارس الشعرية والسرياليه والوجودية والعدميّة… كما المدارس الفلسفية منها الشيوعية والفاشية والنازية … كانت الأفكار تسبق الحياة فمثلاً عند السرياليين يضعون الأفكار على شكل بيان وعليك أنت أن تكتب التفاصيل بينما الأفكار اليوم تأتي بعد الشعر أي بعد الحياة وعندما نكتب ما هو خارج الحياة نكتب الموت أو العدم. لذلك لا أستطيع أن أكتب عن حب إمراة لم أحبها او أن اكتب عن السيجاره وأنا لا أدخنها.

• هل تقصد أنك يجب أن تعيش التجربة لتجسدها بقصائدك؟
طبعاً، التجربة الداخلية، الحياتية، الإجتماعية، السياسة … إلخ لكن هذا لا يعني أن يكون النص الشعري مشابهاً للحياة حيث يجب أن يأتي دور الفنّ الذي يشكل مادة التجربة في تفجير بنيّته.

• أيهما أفضل النحت على الحجر أم على الهواء؟

يأتي النحت هنا بالمعنى المجازي هنالك مدارس نحتية شكلانية حيث أن الشاعر الكبير سعيد عقل ينحت القصيدة ولكنه شاعر شكلاني، حيث لا يوجد بهذا الشكل من الشعر طلاطم وجنون داخلي من ناحية القلق والسوداوية والخوف والرعب …، لقد عشت وعاصرت على مدى أربعين عاماً الحروب اللبنانية التي تشكل الدفة والمادة الأولى للحياة ثم تأتي الثقافة والشخصية. عام 1977 كتبت قصدة بعنوان “بولصة الدم” تتضمن حوالي 600 صفحة من الرعب والدم وقد إختذلتها لتصبح 60 صفحة  بمعنى أنني أزلت الزوائد وهنا أقصد النحت لأنه أساس الفنّ ويأتي دور الثقافة والتقنية والإيقاع بين الكلمة والأخرى، لهذا فإن الشعر هو فنّ التعب والصعوبة فربما أعمل على قصيدة تدوم ثلاث سنوات وبعد الإنتهاء منها أجدها تافهة.

• هل تعني أن القصيدة تعيش مدّة زمنّية محددة؟

أحياناً، وهذا ينطبق على كتاب كتبته بعنوان “أوراق الغائب” وهو من أهم كتاباتي إشتغلت عليه حوالي ست سنوات، وتكمن المشكله فيه إنه كلما قرأت في الليل أجده جميلاً وفي النهار أجده قبيحاً.

• ما سبب هذا التناقض بين الليل والنهار؟

ربما سببه الخوف لعدم وجود التجربة المعمقة التي أحلم بها، حيث فنيّاً أقول عنه ساقط، لست من الشعراء الذين يكتبون القصيدة في الليل وينشرونه في الصباح، أنا من الاشخاص الذين يعتبرون القصيدة فنّ صعب “وهالشي جاب لي مرض القلب”.

• إلى ماذا يعود سبب ترأسك كافة الأقسام الثقافية في الصحف المحلية؟
يعود للحياة لأنني أريد العيش.

•  أنت تكتب الشعر لتعيش أم لأنك تحبه؟

لا أستطيع أن أكتب بالتجارة لذلك عملت عشر سنوات ضمن إختصاصي الأدب العربي وقد قاموا تمثيل العديد من مسرحياتي لكن المسرح لا يطعم الشعر، حيث أن المسرح التجريبي لا يراكم المصاري، وأشهر شاعر في الوطن العربي يبيع 200 نسخة من كتبه بإستثناء الشاعرين الراحلين نزار قباني ومحمود درويش وأرجع بالقول أن الشعر مهنة أريد العيش منها وبنفس الوقت رسالة أسعى لإيصالها بالطريقة الصحيحة.

• لكن هل هذه المهنة يستطيع أن يعتاش منها الشاعر في الوطن العربي؟
“أعطنا خبرنا كفاف يومنا” أعمل منذ حوالي خمسة واربعون عاماً ولا أملك منزلاً لكن أعتبر نفسي سعيداً لأنني لا أملك شيئاً.

• ما سبب هذه النظره السوداوية؟

للأسف معظم الصحافة اللبنانية مرتزقة وهذا يعود إلى “خراب” البلد بينما في المقابل صحفيين إستشهدوا في سبيل الكلمة الحرّة وآخرين أصبحوا أثرياء على حساب دم المواطن اللبناني والعربي ربما تكون هذه سعادتهم لكنها تعاستي، ماذا يمكن أن يكتب الشاعر إذا كان مرتزقاً صغيراً “مرتشي”.

• الموت المادة الأصلية التي تصنع بها شعرك، ما هي مكوناتها؟

لا أعرف، لقد تفاجأت بوجود ثلاثة عناوين تحتوي الموت فيها وهناك أيضاً من الكتب التي لم أنشرها أتحدث عن تجربة الموت ربما يعود ذلك لمعايشة ومشاهدة الموت في لبنان على مدى العقود الماضية. منذ عام 1958 ونحن نعيش موت داخلي قبل الذهاب من المنزل أنا أودعه وهو يودعني للخوف من عدم رجوع الآخر.
لا أستطيع إلا أن أكتب عن الموت بالمعنى الروحي والمادي والميتافيزيقي، نحن نعيش صفحة مفتوحة للموت، لأن لبنان على حفة هاوية إما نزول نحن أو يزول هو.

• إلا ماذا يدّل هذا الشعور؟

يدل على الهشاشة والمستقبل المجهول، فنجد المواطن اللبناني يحب الحياة لأنه يسبقها لأنه في اللاوعي لا يعرف غداً ماذا يخبأ له من مفاجآت.

• ما هو رأيك بوجود الواقع والكم الموجود، هل يعقل أن يوجد صدق ومصداقية في طرح الخبر وعرض المواضيع الثقافية والإجتماعية؟

لم يعدّ هنالك مصدر واحد للخبر، وأصبح الخبر مصدره الشعب، فالثورات العربية العظيمة حركتها الشعوب من خلال “الفيس بوك” والإنترنت حيث أصبحوا شاهد عيان، وتأتي المصداقية من خلال المتلقي وتأتي الحاسة النقدية من خلال التفرقة بين خبر وآخر أو عبرالعقل المسيس أوالنقدي.
لقد كانت الإذاعة اللبنانية في الحرب هي الوحيدة التي تنقل الخبر والتي لا تخضع للنقد، لكن عندما تصبح الشعوب قطعان ويصدقون كل ما قيل من جريدة يحبونها ومحطة تلفزيونية منحاذين إلبها يعدّ هذا خطراً بحد ذاته لأن الديمقراطية قائمة على الوعي وليست على القطعانية على ما يجب أن يكون الخبر لكن كما يجب عرض الخبر.

• لماذا ناضلت بالسياسة بقدر ما إبتذلتها؟

لقد إبتذلت السياسة المرتبطة بالإرتزاق الطائفي والمذهبي حيث لا أبتذلها كطريقة للتطور والتحول في الحياة والمجتمع المدني والديمقراطي  لذلك أنفرد بالسياسة من أجل محاربة السياسة المبتذلة.

• لماذا برأيك نعيش في غيبوبة فكرية في ظل صحوة سلطوية ضيقة؟

يعتبر الخطأ الكبير الذي قامت به الاحزاب العلمانية أنها إنخرطت بقناة وحروب طائفية ولهذا إنهزمت مثل الحزب الشيوعي والناصري والقومي وغيرهم . إن التغيير يقوم من خلال الشعب، فالسلاح ليس أداة للتغيير لأنه لا يوجد ديمقراطية مبنية على العنف.

• مارست النقد على العديد من هذه الأحزاب ألا تعتقد أنهم إنسجموا مع الواقع؟
إن الاحزاب السلطوية مثل الحركة الوطنية قد التي إستغلت عجز النظام لتغيير الواقع، إلا أن الشعب هو الذي يغير النظام من خلال العملية الديمقراطية السلمية والفكرية حيث الصراع السياسي هو الذي يؤدي إلى التغيير وليس الصراع العسكري.

• هل برأيك تبلورت من خلال الثورات الحالية؟
كلا، وهذا شيء عظيم أنها لم تتبلور لأنه لا يوجد برامج حزبية تدعم هذه الثورة فهؤلاء الشباب نزلوا للشوارع لأنهم يحبون وطنهم، إنني لأول مره أرى الأعلام العربية حرّة خرجت من الأرض ومن جسم الإنسان وحواسه .
• ومن يبلورها؟
تبلورها الحياة بالتجربة والواقع الذي يتيح هذه الأفكار من خلال هؤلاء الشباب الذين دخلوا الثورة شعراء ويجب أن يتحولوا إلى نثريين بمعنى إقامت أحزاب ضمن الواقع والحياة الجديدة النابضة بالثورة بعيداً عن الأفكار البالية للأحزاب العربية القديمة.

• برأيك التاريخ سوف يتوقف أو يكرر نفسه؟

يراهن على التاريخ من خلال الحداثة عبر التقدم والعلم، التاريخ ليس شيئاً تجريبياً بل هو أشبه بالبشر من خلال الحركة التفاعلية والتقدمية التي تعطي الأمل، فالماء الذي يحيي أيضأً يقتل، لذلك لبنان في السبعينيات كان فكريأً وثقافياً أفضل من اليوم لوجود أحزاب ودولة تسعى للبناء وليس للهدم.

• ماهي معادلتك لمشروع الحداثة الشعرية؟

لقد وقعنا في الحداثة الإستهلاكية منذ أوائل القرن العشرين حيث إستهلكنا المدارس الشعرية التي تراكمت منذ عقود حتى أصبح هنالك تخمه ولم نستطع تنظيف الأفكار والنصوص رغم وجود شعراء عظماء، لكننا لم نجعل من الشعر والمسرح إرثاً تراكمياً حتى وصلنا إلى العمل التجاري الإستهلاكي.

• برأيك سوف يرجع المسرح؟
يحتاج المسرح إلى شروط وظروف وتفرغ ومعاهد متخصصة لأن معظم المسارح في لبنان والوطن العربي رديئة حيث أصبحت الجامعة اللبنانية سوبرماركت طائفي ومذهبي، لذلك ينبغي إغلاقها لمدّة ثلاث سنوات لإعادة النظر بتركيبتها ودفع الكفاءات المتميزة دون النظر إلى البعد الطائفي ويجب دعمها بالماديات لتظهر إلى الوجود.

• أنت شاعر التناقضات، فهل هذا التناقض حاضر في حياتك الشخصية؟

تعتبر الحياة قائمة على الخطأ والإنسان بحد ذاته خطأ، لأنه الوحيد الذي يتميز بهذه الإنجازات عن سائر الموجودات في الطبيعة فهو الفضاء الذي يعتمد فيه على كل هذه التناقضات ونتيجتها تحدث التطور.

• ما سبب إشتغال لغة الجسد في داخل مشروعك الشعري المكتظ بالوجود؟

الشعر هو كتابة الجسد وإمبراطورية الحواس وما بعد الحواس وما وراءها وعمقها لذلك ليس المهم أن نرى، الأهم كيف نرى، هذه اللغة التي أحاكي بها العالم والعمق البشري.

• لماذا تذهب في كل إصدار جديد إلى ما هو مغاير عن سواه بالتجربة إلى فضاءات غامضة وخصبة محدداً علاقتك بالوجود؟

يضحك (هالشي لجاب آخرتي)، كان من السهل ان أقلّد نفسي لكن أفضل أن أقلد الغير ولا أقلد نفسي حيث كل مفاتيح كتاباتي معي وتكمن الصعوبة أن يكون لكل كتاب هوية ومفاتيح جديدة من خلال المخزون اللغوي والثقافي والحياة مدرسة عبر كتابة أساليب مختلفة والإنتقال من أسلوب لأخر لأن الجسم مشترك وهذا متعب جداً لذلك أظل وقت طويل حتى يتم إصدار كتاباتي.

• فما هو جديد الشاعر بول شاوول؟

يوجد ست كتب أتمنى أن يتم إصدارهم قبل دخولي العملية. أتعجب صدقاُ لأن الحياة معجزة لا يوجد شيء أجمل منها فالبعض يشعرون بمعنى الحب بعد الإنفصال عن شريك حياتهم، لذلك كل كتاباتي تأتي من معركة الحياة.

• ما سبب هذا البريق في عينيك؟

لأن الحياة أمل وما أجمل أن يحصل الإنسان على الحد الأدنى من طموحاته، وأقول أنا أعيش عزلة  كبيرة حيث قطعت الجذور العائلية بالمعنى اليومي للميثاق الإجتماعي لأعيش من الشعر والكتابة وإلى البلد.

• ولنفسك أيضاً؟
طبعاً، عندما أكتب قصيدة أشعر بمعنى الحياة.

• هل تقصد أنك تشعر بأنك ولدت من جديد؟

أكيد ما أجمل وأحلى من هذه الولادة ويقول “في حدا بيولد وهو شايب”.

أخيراً، قلت أنك تعيش ولادتين فما هما؟

الأولى أعيش ولادة جديدة بعد العملية الجراحية للقلب والولادة الثانية الأعظم هي الثورات الشبابية في الوطن العربي . أشكر ربي أنني عشت حتى اليوم حتى اكحل عينيّ بهذه الثورات الشبابية العربية التي أتمنى أن تشمل كل الانظمة الطائفية والإستبدادية في العالم العربي، نحن في عصر ما قبل الثورات الشبابية التي سوف تؤثر على التلفاز والمسرح والسينما والشعر بطريقة غير مباشرة ، حيث خرج هذا المواطن العربي بعد خمسون عاماً من الطغيان وحكم السلالات التي حولته إلى قطيع فقير مهجر لتحل الآن ثورة الثقافة .

• هل ثورة الولادة الثانية سوف تتجسد في قصائدك؟

نعم، لكنها تحتاج للوقت حتى نكون على مستوى الولادة فهي ليست مناسبة قصيدة بل قصيدة حياة.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

لم أكن اعلم بقلم الشاعرة ندى ضاهر الخوري

Next Story

الستار مودي – أغنية وكليب

Latest from Blog