رادار نيوز – يعجبني حين يطالعني مسؤول، في موقع قرار هو، متحدثًا عن أزمة تعصف بالبلاد منذ سنوات، وتكون الحدث الدائم. فيروح أخونا بالوطن يوصِّف الحال، ويعدِّد الأحوال، ولا ينسى في سرده أي مجال أو مآل، كأنه مذيع مبتدئ، في نشرة أخبار من الحشو واللغو والأستوديوهات الضخمة والديكورات الفخمة، وقد حلت عليه فيها النعمة، أو كأنه محلل من قماشة المحلِّلين غبِّ الطلب المياومين الذين يتحفوننا، صبحَ مساء، بآراء وتنظيرات، مقرونة بمعلومات وتأكيدات، على مختلف الشاشات، وهم يقفزون من واحدة إلى أخرى، ولا يتغير في طلاتهم إلا الكرافات.
ويعجبني أكثر ذاك المسؤول نفسه، والقرار في يده، ولم يفعل شيئًا طوال الأزمة، سوى تكرار ما سبق، حين يقول: “يجب أن”…
المسؤول، يا حضرة المسؤول، يفعل. وحضرة جنابك ما زلت في صف التنظير. فأقل ما يجب أن ترتكبه بعد في حق شعبك، هو أن تريه عرض كتفيك… وترحل. ولو كان شعبًا حيًّا فعلًا، لما سكت عنك كل هذا الوقت، ولقبعك من كرسيك، ولما تركك تتدلَّل.
ويعجبني حين يهلكني مسؤول، وقراره تحت إبطه، كمثل جوابه، وهو نجم إعلام، وتحديدًا نجم شاشة، يبزُّ المحللين المذكورين أعلاه في ساعات الظهور عليها، بقوله: كنت أول من استنكر وأول من توقع وأول من حذر ونبه وأول من استشرف… وكنت، استطرادًا، أوَّلَ في الصف، وأول مَن في التظاهرة “أكل كَف”… وهو، في الحقيقة، بعد مراجعة سجله النضالي التحليلي، لم يكن سوى أوَّل في ضرب الدف، وأول من سقطت كل توقعاته متكلًا على ضعف الذاكرة لدى كثر، لتمرير البلف، وأول من على أوَّل كوع لف، وأول من حين لُوِّح له بمنصب على حساب موقف ومبدأ، يديه حَف، وأول من إذا خرج علينا، لا يسعنا سوى القول: أف ثم أف ثم أف.
ويعجبني حين يحاول مسؤول أن يقنعني بأن همَّ اللاجئين السوريين إلى لبنان، شمالًا وبقاعًا خصوصًا، وربك عليم أين يتغلغل منهم المسلحون، وأين يختبئون، وعلى كم خلية نائمة ينامون… يأكل من صحنه.
وحين حُذر هو وسواه، بداية الحرب في سوريا، من خطر هذا التدفق العشوائي، وحين نُبهوا إلى ما يترتب على السلاح الموجود بين أيديهم على أرضنا من انعكاسات، وحين أشير لهم إلى المجموعات الإرهابية التي بدأت تتخذ من لبنان قاعدة، لم يكترثوا إلى هذا الصوت الصارخ. وترى هذا المسؤول نفسه، وسواه، اليوم، يخترع كل مرة سببًا يلقي عليه اللوم، ويدعونا أن هبوا يا قوم، ولسان حالنا حياله: قبل ما ترمينا ببحور قصر نظرك، وحساباتك الضيقة ورهاناتك الفاشلة، مش كنت تعلِّمنا العوم؟
ويعجبني بعد، حين تحاول أن تستهبلني ثلة من المسؤولين يتركون طرابلس الحبيبة لمصيرها المجهول، غارقة في الدم والدموع، والتصريحات التافهة والاجتماعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وليس من صوت فيها مسموع، سوى أزيز رصاص ودوي انفجارات، “أبطالها” زعران أحياء ومحاور لم يعد يُعرف لهم كوع من بوع، وقد تحول أهلوها أسرى مشردين بين قلق وخوف، لا حيلة في يدهم إلا الصلاة وإضاءة الشموع.
تعجبني هذه الثلة، بكل أركانها، عافاهم الله، أنهم لم يتصدوا من أول يوم لانزلاق المدينة إلى هذه الهاوية، حتى بات الهدف من استمرار المعارك فيها واضحًا وضوح الشمس، وهو ضرب الجيش وتطفيشه منها، لتأتي المعارك التي شهدها محيط المدينة الرياضية فتشغله أكثر، من دون أن ننسى وضعَه ثقلَه في البقاع لدرء الخطر الناجم عن نتائج معارك القلمون في سوريا، وعمله الدؤوب دهمًا وملاحقة، لكشف العصابات والإرهابيين، خصوصًا بعد رواج ظاهرة الانتحاريين.
ويعجبني أكثر أن في لبنان حكومة جديدة جامعة، نالت ثقة المجلس النيابي، وثمة ما يشغلها بعد عن عقد جلسة تتخذ فيها القرار الحاسم بإيقاف هذه المهزلة عند هذا الحد، إذا ما شاءت أن يقبضها شعبها، عن جد…
وتعجبني كذلك حتى تصدمني، تفاهات وسائل الإعلام التي تكثر، يومًا بعد يوم، كأنها لا تكفيها ولا تكفينا، فتعمد إلى الترويج لمن استغلها فجعلت منه نجمًا من نجومها، وحين جرت الإشاعات أنه قتل، طمأنتنا بالصوت والصورة والوقاحة، إلى أنه على قيد الحياة، ولم يتغير فيه شيء إلا قصر لحيته، التي حلقها على الناشف كي يهرب، مموهًا، من قبضة الجيش. كنا بكراكوز عبرا… فإذا بكل شيء عندنا، إعلاميًّا، من صنف هذه البضاعة، فربَّاه مهلًا علينا… وصبرا.
قلت: يُعجبني… ولن يصدقني أحد، لأن المعنى في قلب الشاعر: وا عجبي…
حبيب يونس