رادار نيوز – بعد نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي، دخل لبنان فعلياً مرحلة الانتخابات الرئاسية، علماً أن المهلة الدستورية لإجراء هذه الانتخابات تبدأ في 25 الجاري.
وأعلن المرشحون الرئيسيون، بشكل مباشر أو غير مباشر، نياتهم بالترشح، وأبرزهم رئيس “حزب الكتائب” الرئيس أمين الجميل، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون.
والمعروف أن المرشح للانتخابات الرئاسية في لبنان لا يتقدم بطلب خطي أو شفهي إلى أي هيئة رسمية، ويكتفي بإعلان ذلك إعلامياً، أو حتى لا يعلن قراره أبداً ويمضي باتصالاته السياسية لتأمين وصوله إلى الموقع الأول، وهنا بيت القصيد في المعركة المقبلة التي بدأت في الكواليس منذ أشهر.
العماد عون أجرى نصف انعطافة سياسية، فابتعد قليلاً عن حليفه “حزب الله” وفتح خطوط التواصل مع تيار “المستقبل”، وهو يحاول أن يوازن موقفه، بين استمرار تفاهم 2006 مع الحزب، وبين فتح صفحة جديدة مع خصم الأمس، الرئيس سعد الحريري.
ويترجم ذلك سياسياً بموقف ثابت مؤيد لـ”مقاومة” “حزب الله” ضد إسرائيل، ومعارضة جازمة لتدخل الحزب في سوريا، مؤيداً بذلك موقف “14 آذار”.
وهو يأمل أن تتكرر تجربة الحكومة في الاستحقاق الرئاسي، إذ ساهم اتفاقه الضمني مع الحريري بولادة الحكومة بعد تعثر طويل، كما أنه وقف على الحياد، بعيداً عن “حزب الله”، في سجالات البيان الوزاري، التي أدت إلى إسقاط “الثلاثية” منه.
أما جعجع فينظر بعين قلقة إن لم تكن غاضبة، إلى ما يجري بين الخصم والحليف، وهو يأخذ على الأخير أنه تخلى عنه في اللحظة الحرجة، وعبر عن ذلك بمقاطعة الحكومة، والاحتفاظ بموقع المعارض الإيجابي.
ورأى البعض في كلمة النائب ستريدا جعجع في جلسة الثقة البرلمانية، بداية انفتاح على “حزب الله”، عدا عن أن حزب “القوات” كان على الدوام مهادناً لرئيس مجلس النواب نبيه بري.
فمشكلة جعجع الكبرى أنه يعلم سلفاً أنه لن يكون يوماً مقبولاً من فريق “8 آذار”،أي “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار العوني” و”تيار المردة” ومعهما نواب “الحزب القومي” و”حزب البعث”، ويعلم بالتالي أنه من دون تحقيقه أي خرق في الثنائية الشيعية، فإن حظوظه الرئاسية تعتمد حصرياً على فريقه السياسي، أي قوى “14 آذار”، إذا أجمعت عليه كمرشح وحيد، وعلى بعض الخروقات المسيحية وغير المسيحية في صفوف المستقلين.
أما عون فيعول كثيراً على موقف الحريري لتغيير موقف “14 آذار” منه، باستثناء جعجع بالطبع، وهو يظن أن كل أصوات نواب “8 آذار” في جيبه، وهذا غير مؤكد على الإطلاق.
رغم كل المناورات، من هذا الجانب أو ذاك، يجمع المراقبون على أن المعركة الرئاسية إذا حصلت، أي إذا لم يجر التوافق مسبقاً على شخصية توافقية على غرار تجربة الرئيس ميشال سليمان، فستنحصر بين مرشحين قويين يمثلان كلاً من “8 و14 آذار”، وهما عون وجعجع.
وسيصطف كل فريق خلف مرشحه بقوة، فإذا حصلت المواجهة ستكون متكافئة، لأن الفريقين قادران على تأمين أكثرية النصف زائداً واحداً للفوز بالرئاسة ولكن أياً منهما لا يملك القدرة على تأمين النصاب لجلسة الانتخاب أي 86 نائباً.
وهنا يبرز دور النائب وليد جنبلاط، وهو اليوم يلخص موقفه بأنه لا يريد معركة كسر عظم كي لا يضطر للانحياز إلى هذا أو ذاك. لذا يعمل جنبلاط منذ فترة على بلورة ترشيح شخصية توافقية من خارج “8 و14 آذار”.
يبقى أن ترشيح الرئيس الجميل، قد يخلط الأوراق قليلاً داخل قوى “14 آذار” لكنه لن يغير قواعد اللعبة. فالرجل من صلب هذا الفريق، وهو يراهن على أن حلفاءه سيتبنونه هو وليس جعجع، لأنه الأقدر على مواجهة مرشح “8 آذار”، وقد جاءت مشاركته في الحكومة الجديدة إلى جانب الحريري وحلفائه الآخرين، وإلى جانب الخصوم أيضاً، إشارة إلى حسن النوايا تجاه الجميع.
كل ما تقدم يتعلق بالتوازنات الداخلية, لكن السؤال الأهم هو عن دور التوازنات الإقليمية والدولية في الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
وإذا كان لسان حال الجميع، عربياً وإقليمياً ودولياً، هو الحفاظ على الاستقرار اللبناني، فإن أسهم التوافق والمرشح التوافقي تعلو على حساب كل الطموحات الرئاسية للمرشحين.